البازعي: المثقف العربي مقصر في دوره كقائد فكري

أكد الحاجة إلى استيعاب التنوعات الثقافية في المجتمعات العربية

د. سعد البازعي
TT

يؤكد الدكتور سعد البازعي، أستاذ الأدب الإنجليزي والناقد السعودي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، على حاجة المجتمعات الخليجية لاستيعاب التنوع الفكري والثقافي الذي تحفل به.

ويشير البازعي لضرورة فهم واستيعاب هذه التنوعات بصوت العقل والاعتدال والمنطق والحوار، وليس العنف والكبت والإقصاء، وذلك لتغليب التسامح والرؤية المتزنة، مشيرا إلى أهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في الحد من بروز النعرات. وأبدى البازعي أسفه لغياب دور المثقف العربي الحقيقي في ساحة التغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي، وغيرها مما له صلة بذلك، وتقصيره في دوره كقيادة فكرية منوط بها قيادة المجتمع نحو الأفضل؛ إذ تقع عليه مسؤولية التغيير الاجتماعي والثقافي.

وكان البازعي قد حاول من خلال كتابيه «المكون اليهودي في الحضارة الغربية» و«الاختلاف في الثقافة وثقافة الاختلاف» الوصول إلى نقطة اتزان بين مما تثيره النعرات العرقية والمذهبية في المجتمعات الأوروبية وذوبان المكون اليهودي فيها والتأثر به وتعايشها.

وفي هذا السياق، قال الدكتور سعد البازعي، إن الجماعات اليهودية عاشت منذ آلاف السنين بين المجتمعات العربية، حيث كانوا موجودين منذ القدم في العراق وسوريا ومصر وغيرها من البلاد العربية.

وأضاف: «في أثناء تطور ونهضة الحضارة الإسلامية العربية كان لبعض اليهود مساهمة فيها كأي جماعات إثنية أخرى، لا سيما أولئك الذين دخلوا الإسلام، وكان لهم طابع ثقافي متمايز، ومنهم من عاش في الأندلس، مبينا أن تلك المساهمات تعد مكونا مهما في الحضارة العربية، بشكل لا يمكن نفيه، وإن لم يكن بالحجم الذي عليه في الحضارة الغربية.

وفي رأيه، فإن هذه الحقيقة تبرهن حجم التسامح والقدرة على الاستيعاب والهضم الذي اتسمت به حضارتنا، مبينا أن مسألة وجود المكون اليهودي وغيرها من المكونات في الحضارة العربية والإسلامية تستدعي الدراسة، وهو ما لم يحظ بالاهتمام حتى الآن.

أما فيما يتعلق باستفحال النعرات الإثنية والعرقية وصراع الهويات في المجتمعات العربية وخاصة الخليجية، فيعتقد البازعي أن هذه المجتمعات، مثلها مثل غيرها من المجتمعات الإنسانية الأخرى، غير أنه في هذه الحالة تقوم الانقسامات على المستويين الديني والمذهبي، مشيرا إلى أن هناك من يحاول إثارتها بين الفينة والأخرى لتحقيق نوع معين من المكاسب. وقال البازعي: «نحن في مجتمع إنساني يحمل في تكوينه خليطا من العناصر التي تؤثر بين الحين والآخر، وتطفو على السطح نتيجة لظروف تاريخية معينة تستدعي لدى البعض إثارة النعرات التي يحاول البعض توظيفها آيديولوجيا بشكل مؤسف في الاتجاه العنصري أو الإثني ثقافيا أو اجتماعيا، هذه موجودة في المنطقة العربية، بما في ذلك المنطقة الخليجية».

ويقول البازعي: «لو تأملنا المجتمعات الأخرى في الغرب أو الشرق لوجدنا أن هذه النعرات تبدو موجودة هناك، غير أنها لا تكون دائما مصدر قلق».

ويضيف: «لقد رأينا مثل هذه الخلافات في الصين، حيث الصراعات العرقية والدينية، وفي أوروبا والاقتتال الأهلي في يوغوسلافيا السابقة بين الصرب والبوسنيين والكروات، مرورا بأفريقيا التي تعج بهذه الأنواع من الصراعات. لكن كلما ارتفع المستوى الحضاري، فإن ذلك يسهم في التقليل من مستوى هذه الصراعات، سواء في بلدان العالم أو في العالم العربي».

ولذلك، يعتقد البازعي بضرورة فهم واستيعاب هذه النعرات وهذه الظواهر، والتصدي لها بصوت العقل والاعتدال والمنطق والحوار، وليس العنف والكبت والإقصاء، وذلك لتغليب التسامح والرؤية المتزنة.

* الربيع العربي والصراعات البينية

* أما بالنسبة لحركة التغيير في العالم العربي، فيرى البازعي أنها ربما أسهمت كذلك في تأجيج الصراعات البينية داخل المجتمعات العربية، مشيرا إلى أن ما تمر به المجتمعات العربية من مخاضات التغيير يجعل مثل هذه النعرات أكثر وضوحا وبروزا، الأمر الذي يوحي بأنها أكثر شراسة مما عليه في مناطق أخرى من العالم، في الوقت الذي تظهر فيه الصراعات المذهبية والدينية في باكستان وأفغانستان على أشدها.

ومع ذلك لا يرى البازعي أن الأهمية تبرز في زيادة أو قلة هذه الصراعات بقدر ما هو مهم نوع الصراع وإفرازاته، الأمر الذي يتطلب بحثه والاشتغال عليه، مشيرا إلى أن الصراع في المنطقة العربية ليس صراعا عرقيا بالدرجة الأولى، ولكن الجانب العرقي لا يبتعد كثيرا، ويأتي بعده الجانب المذهبي.

فالصراع المذهبي، كما يضيف، لها إفرازات ربما تكون نتائجها وخيمة، وقد تبدو مخيفة في هدم وتشتيت البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ذلك أن اللهث وراء المذهبية يعمق الجوانب الخلافية ومفاقمة الصراعات، محذرا من مغبة تجاهل القضايا الأساسية تجاه القضايا المذهبية والعرقية، وجعلها شماعة تعلق عليها المشكلات.

ويضيف البازعي: «من المؤكد أن الفروق المذهبية قائمة في المجتمعات العربية، ولها دورها وتأثيرها غير أن الخلل التحليلي والمفاهيمي جعلها في محل المسؤول الأول والأخير في كل ما يحدث، الأمر الذي صنع نوعا من التهميش الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتعليمي والحقوقي وغير ذلك»، مبينا أن الرؤية الأكثر سلامة هي معالجة المشكلات بشمولية، مع قدرة على مواجهة المشكلات بشجاعة قادرة على اجتراح الحلول، ومن هذه المشكلات الملحة البطالة والغذاء والكساء والصحة والتعليم.

* معضلة الأقليات

* من جهة أخرى، تحدث البازعي لـ«الشرق الأوسط» عن معضلة الأقليات في العالم العربي، وقال: «إن الأقلية في المنطقة العربية (مفهوم ملتبس)، ذلك لأنه يتم ربطه بالفئة التي يقع عليها الظلم، لكن أحيانا قد يكون العكس، حين تكون الأقلية في موقع السيطرة، فإنها تبسط هيمنتها، ليس فقط على المستوى السياسي، وإنما على كل المستويات الأخرى ذات الصلة بالوجود الإنساني»، داعيا هنا إلى الرجوع إلى القاعدة الإسلامية (انصر أخاك ظالما أو مظلوما)، مبينا أن نصرة الظالم هنا تكون بإعادته إلى صوابه، كما شرح الحديث النبوي الشريف.

ومن هنا، يجب على من بيده القوة والسلطة والقدرة أن يوظفها في إعمال الحكمة والرؤية البعيدة بمنطق العقل ولغة الحوار وإشاعة التسامح، وتغليبها على المصلحة الشخصية الضيقة.