اللغة العربية يقبل عليها الأميركيون وينساها أبناؤها

مؤتمر سنوي يناقش تطورها في الولايات المتحدة

TT

أي دور تلعبه اللغة العربية في أميركا، سواء في أوساط العرب المهاجرين أو أبنائهم، أو حتى الأميركيين الذين باتوا يقبلون على تعلمها بشكل متزايد، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)؟ لقد تضاعف عدد المقبلين على تعلم اللغة العربية منذ عام 2001، لكن ما تقر به الدراسات أن العرب الأميركيين يربطون بشكل قوي بين اللغة والدين، وأن العلاقة مختلفة بالعربية بين المسيحيين والمسلمين من المهاجرين إلى الولايات المتحدة.

الأسبوع الماضي، في المؤتمر السنوي للجنة الأميركيين العرب ضد التفرقة (إي دي سي)، نوقشت هوية الأميركيين العرب. وهو موضوع يناقش كل سنة تقريبا. صار واضحا أن هناك اختلافات بين العرب الذين ولدوا في دول عربية، ثم هاجروا إلى أميركا، وبين الأبناء والأحفاد الذين ولدوا في أميركا، أو جاءوا إليها وهم صغار في السن:

أولا: يحتفظ المهاجرون بجنسياتهم وجوازات سفرهم العربية ويحملونها، بعد أن يحصلوا على الجنسية الأميركية. لكن، نادرا ما يفعل الأبناء والأحفاد الشيء نفسه.

ثانيا: يواجه المهاجرون صعوبة في الاختلاط مع الأعراق والأديان غير العربية والإسلامية، بحكم الثقافات التي تربوا فيها. لكن، يتعرض الأبناء والأحفاد للاختلاط منذ مرحلة الروضة، وفي الحياة اليومية، وأيضا بسبب دراسة التاريخ الأميركي الذي يركز على الحرية للجميع والمساواة بين الأعراق والأديان.

ثالثا: يظل العامل الديني قويا وسط المهاجرين، مسيحيين أو مسلمين (لكنه أقوى وسط المسلمين). أما الأبناء والأحفاد فيتأثرون أكثر بالبيئة الأميركية التي تميل نحو اعتبار الدين علاقة شخصية بين الإنسان وخالقه.

رابعا: يتزوج كثير من المهاجرين بعربيات، في أوطانهم أو بعد هجرتهم إلى أميركا. ويتمنون أن يتزوج أولادهم ثم أحفادهم بعربيات. لكن، عدد العربيات اللاتي يتزوجهن أبناء وأحفاد العرب يبقى قليلا.

خامسا: يكاد المهاجرون لا يتركون الحديث عن التطورات السياسية في بلادهم الأصلية. ويتابعونها في وسائل الإعلام. أما الأولاد والأحفاد فأقرب إلى الثقافة الأميركية التي تميل نحو «كومبارتمينتالايزيشن» (التقسيم)، حيث يتخصص السياسيون في السياسة، ويقل اهتمام غيرهم بها.

سادسا: يريد المهاجرون الحديث باللغة العربية وعدم نسيانها، وتعليمها لأبنائهم وأحفادهم. لكن عدد الأبناء والأحفاد الذين يتكلمون العربية يبقى قليلا.

في مؤتمر الأميركيين العرب الأسبوع الماضي، نوقشت العوامل السابقة. لكن، كان هناك تركيز على اللغة العربية. وهذا موضوع قديم، كتب فيه عرب أميركا، وغيرهم، تقارير وكتبا. من بين هؤلاء: نبيل أبراهام، أستاذ في كلية هنري فورد في ديترويت (ولاية ميشيغان). ونصير عروري، أستاذ سابق في جامعة دارتموث (ولاية ماساتشوستس)، وعالية رشدي، أستاذة متقاعدة في جامعة وين ستيت (ولاية ميتشيغان)، ودلال المبيع، أستاذة في جامعة تكساس في أوستن (ولاية تكساس).

حسب ما ورد في الندوة، وفي هذه الأبحاث، يوجد فرق بين الأميركيين العرب والأميركيين الذين يتكلمون اللغة العربية. وفي الندوة، اختلف أميركي عربي من لبنان وآخر من السودان. قال السوداني: «العربي هو كل من يتكلم العربية كلغة أم». ورد اللبناني: «أنا ولدت في الولايات المتحدة، ولا أتكلم العربية كلغة أم، لكنني عربي». ورد السوداني: «العروبة عرق ولغة». فرد اللبناني: «اللغة لا تتوارث، لكن العرق يتوارث».

وعن هذا كتبت دلال المبيع: «اللغة العربية لغة أقلية. يمكن أن تبقى الأقلية، وتزول اللغة، أو تتغير». وقالت إنها زارت مساجد في أميركا، ولاحظت الآتي: يريد المهاجرون خطبة الجمعة بالعربية. لكنهم، اضطرارا يوافقون على أن تكون أيضا بالإنجليزية بسبب أطفالهم وبسبب مسلمين غير عرب. يفضل الأطفال والأحفاد الحديث باللغة الإنجليزية، وإذا خوطبوا بالعربية، يردون بالإنجليزية، لكنهم على وعي بصلة العربية القوية بالإسلام والمسلمين. وتستنتج الكاتبة أنه مع زيادة عدد المسلمين، عربا وغير عرب، تزيد أهمية اللغة العربية في أميركا.

في نفس الوقت، يقصر عمر اللغة العربية وسط العرب المسيحيين المهاجرين، وذلك لأكثر من سبب، كما قالت ماي أهدب يحيى التي كتبت «الجالية المارونية في ديترويت». وقالت في كتابها: «على عكس المهاجرين العرب المسلمين، لا يميل المهاجرون العرب المسيحيون نحو العيش قريبين من بعضهم البعض في حي واحد أو مدينة واحدة. ويذهب أطفال هؤلاء إلى كنائس لا تستعمل فيها اللغة العربية. كما أنهم، مثل غيرهم، يفضلون الحديث بالإنجليزية. كما أن المهاجرين العرب المسيحيين يغيرون أسماءهم العربية، عندما يحصلون على الجنسية الأميركية، أكثر من المسلمين».

ولأن كثيرا من أسماء المهاجرين العرب المسيحيين آتية من الكتاب المقدس، يسهل تغييرها، مثل: إبراهيم يصير أبراهام، وبطرس يصير بيتر، وداود يصير ديفيد.

وعن هذا قالت هيلين سمحان، الخبيرة في المركز العربي الأميركي في واشنطن: «إن تغيير الأسماء واللغة لا يعني خفوت الانتماء والفخر بالانتماء العربي».

غير أن عالية رشدي، مؤلفة كتاب «اللغة العربية في أميركا»، دافعت عن أهمية اللغة العربية، ليس فقط وسط الأميركيين العرب فيما يخص كياناتهم وهوياتهم، ولكن، أيضا، وسط الأميركيين غير العرب الذين يريدون أن يتعلموا العربية. وهي أستاذة وخبيرة في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، وقد فرقت بين «الموت» و«المرض» حين يتعلق الأمر باللغات. وقالت: «العربية لغة عرقية ودينية، ولا يمكن أن تموت مهما صارت اللغة الإنجليزية قوية وسط الأميركيين العرب. فالعربية يمكن أن تواجه استنزافا، لكنها، يمكن أن يعاد تعلمها في أي وقت».

وقالت «إن اللغة العربية الكلاسيكية (لغة القرآن والكتب الرئيسية) تقدر على البقاء إذا اختفت اللهجات المحكية. يسهل اختفاء المحكيات لأن استمرارها يشترط تمركز مهاجرين من دولة معينة (المغرب، لبنان، السودان، الخ...) في مكان واحد ليقدروا على التخاطب بها. لهذا، تقوى اللغة الكلاسيكية أو الفصحى، ليس لرغبة العرب بالتحدث بها، ولكن لأنها الوسيلة الوحيدة، للربط فيما بينهم».

وأشارت إلى زيادة الاهتمام باللغة العربية بعد هجوم 11 سبتمبر وغزو العراق والحرب ضد الإرهاب. في السنة الماضية، أصدر اتحاد أساتذة اللغات الحديثة في الجامعات الأميركية تقريرا أوضح أن عدد الذين يدرسون اللغة العربية ارتفع إلى 13 ألف طالب، مقارنة بـ7 آلاف قبل هجوم 11 سبتمبر. يعني هذا أن العدد تضاعف خلال 10 سنوات.

كريستين عجروش، أستاذة في جامعة إيستيرن ميتشيغان في يبسلانتي (ولاية ميتشيغان) ركزت على تأثير الدين على اللغة. وقالت: «في مجال الأسرة والهوية العرقية في المجتمع العربي _ الأميركي، الدين هو القوة التي تساهم في تطوير الهوية الاجتماعية، وفي تطوير الهوية العرقية. في الحقيقة، كل من الهويتين الاجتماعية والعرقية تعتمد كثيرا على الهوية الدينية».

وكانت كريستين عجروش، وتنتمي إلى عائلة هاجرت من لبنان، أجرت بحثا أكاديميا وسط المسلمين في ضاحية ديربورن، في ديترويت (ولاية ميتشيغان)، حيث توجد أكبر جالية عربية في الولايات المتحدة. وقالت: «رغم أن الأسئلة كانت عن الهويتين الاجتماعية والعرقية، تطوع المشتركون في الاستفتاء، وركزوا على الهوية الدينية». وقالت: «كثير من الأميركيين العرب لا يركزون على الدين في تحديد هويتهم. لكن الدين عامل هام وسط العرب المسلمين». وقالت: «يرى هؤلاء أن الإسلام، بالإضافة إلى أنه دينهم، يساهم في المحافظة على اللغة العربية في الولايات المتحدة».

خلال بحثها، زارت مساجد كثيرة في المنطقة، وكتبت: «خطبة الجمعة هي الوسيلة والهدف في نفس الوقت. هي الإسلام وهي رسالة الإسلام. ولأن أصلها هو العربية، صارت العربية هي الوسيلة والهدف في نفس الوقت».

وفي البحث الذي أجرته دلال المبيع، اختلاف بين الذين هاجروا وبين أبنائهم وأحفادهم. قالت: «ظل المهاجرون يتحدثون عن قلقهم على مستقبل اللغة العربية وسط عائلاتهم ومجتمعاتهم. واقتنعوا أن ما يحدث خسارة، ليس فقط بالنسبة للغة العربية، ولكن، أيضا، بالنسبة للهوية العربية».

«في الجانب الآخر، قال الشباب والشابات إن الآباء والأمهات مسؤولون عن زرع اللغة العربية فيهم، وإن كثيرا منهم قصروا في ذلك. وقال الأولاد إنهم فخورون بهويتهم العربية، رغم أنهم لا يتكلمون اللغة العربية. لكن، لو تكلموها لرسخت من قوة هويتهم».

وكتبت: «ليس سرا أن عدم تعليم الأبناء اللغة العربية خلق مشاحنات داخل عائلات يود الوالدان فيها استمرار اللغة العربية وسطهم». وأضافت: «لا يغير هذا من حقيقة أن الهوية لها صلة قوية باللغة، سواء العربية أو الإنجليزية أو غيرهما».

قالت مصرية مهاجرة: «أنا خائفة لأن أطفالي يقولون لي: نحن لسنا مصريين. نحن أميركيون. نحن نعيش هنا». وينهون النقاش.

وقال فلسطيني مهاجر: «أواجه صعوبة في تقوية اللغة العربية وسط أولادي وبناتي. إنهم دائما يتفرجون على التلفزيون. على قناة (ديزني) والرسوم الكارتونية». وأضاف: «هناك مشكلة أخرى: أنا أحس بالراحة عندما أتحدث مع أطفالي بالإنجليزية. أحس أنني أفهمهم وهم يفهمونني».

ولكن هل يقدرون على أن يكونوا عربا بينما تختفي اللغة العربية من منازلهم قليلا قليلا؟

قالت واحدة: «الهوية والفخر لا يشترطان اللغة». وقال واحد: «العربية والإسلام شيء واحد. كيف أنسى العربية وأنا مسلم؟ كيف أفعل ذلك وأنا أشاهد مسلمين غير عرب يهتمون باللغة العربية؟» وقالت أخرى إنها محظوظة لأنها تدرس اللغة العربية لأطفال مسلمين في مسجد، بما في ذلك أطفالها.

واتفقوا كلهم على الآتي:

أولا: يريدون، حقيقة، أن يتكلم أولادهم وبناتهم العربية كما يفعلون هم.

ثانيا: يعترفون أنهم قصروا في ذلك.

ثالثا: يعترفون بأن المجتمع الأميركي، على أي حال، أقوى وأكثر تأثيرا.

رابعا: لا يمانعون في قوة الإنجليزية التي صارت ربما لغة الحضارة والعالم.