«كلمة» أبوظبي تترجم كتابا عالميا كل يومين

علي بن تميم المدير العام للمشروع: تسويق الكتاب العربي في أزمة

المبنى الجديد لمشروع «صناعة الكتاب» في أبو ظبي
TT

تمكن مشروع «كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أن ينجز ترجمة أكثر من 500 كتاب منذ إنشائه قبل ثلاث سنوات، وكان المشروع تعهد في بداية تأسيسه أن يصدر 100 كتاب كل عام، ومثلت الكتب المترجمة حديقة معرفية متنوعة توزعت بين الفلسفة والتاريخ، والجغرافيا، وكتب السيرة والعلوم الاجتماعية والديانات، وأهم الروايات العالمية، والأدب، والنقد، والهندسة، والفنون البصرية.

ويقف على رأس المشروع اليوم، الدكتور علي بن تميم المدير العام لمشروع «كلمة» الذي يقول في حواره مع «الشرق الأوسط» أن هذا المشروع يسعى «لسد النقص الكبير الذي تعانيه المكتبة العربية في مختلف العلوم، لذا نحن نحرص على التنويع في إصداراتنا»، لكنه يلاحظ أن المشروع جاء لكي يمد الجسور بين الحضارات والثقافات العالمية نظرا «لما تمثله حركة الترجمة من دور في نهضة الشعوب، وتفاعلها مع الآخر، وتوفير نقاط التماس مشتركة وردم الهوة الفاصلة بين الثقافات، ونشر التقارب الحضاري بين الذات والآخر».

بن تميم، قال إن هناك صعوبات تواجه ترجمة الكتب العربية إلى اللغات العالمية، «فهناك كتب عربية كثيرة تم ترجمتها ونشرها لكنها لم تجد من يوزعها في الغرب. فالكتاب العربي يواجه تحدي التوزيع».

«الشرق الأوسط»، أجرت الحوار التالي مع الدكتور علي بن تميم المدير العام لمشروع «كلمة» للترجمة.

* كيف تأسس مشروع «كلمة»؟

- يعد مشروع «كلمة» مبادرة مستقلة تتبع هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وتحظى بدعم ورعاية الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو في الصميم مشروع غير ربحي، يسعى إلى إحياء حركة الترجمة في العالم العربي، من خلال ترجمة ونشر وتوزيع مختارات واسعة من الكتب من عدة لغات عالمية في مجالات متنوعة وتقديمها للقارئ العربي في طبعة فائقة الجودة.

* ما هي الفلسفة التي تقف خلف هذا المشروع؟

- انطلق مشروع «كلمة» من وعي وإدراك حقيقيين لما تمثله حركة الترجمة من دور في نهضة الشعوب، وتفاعلها مع الآخر، وتوفير نقاط التماس مشتركة وردم الهوة الفاصلة بين الثقافات، ونشر التقارب الحضاري بين الذات والآخر، ويهدف المشروع بشكل أساسي إلى إحياء حركة الترجمة في العالم العربي، ورفد المكتبة العربية بما ينقصها من علوم ومعارف.

* هل هناك نوعية محددة من الأعمال الأجنبية التي يتبنى المشروع تقديمها للقارئ العربي.؟

- مرّ أكثر من ثلاث سنوات على انطلاق مشروع «كلمة»، وكانت الخطة إصدار 100 كتاب في العام، ولكن بفضل الجهد والمثابرة وصل عدد إصداراتنا منذ انطلاق المشروع وحتى يومنا هذا إلى أكثر من 500 كتاب، تم ترجمتها عن خمس عشرة لغة، تجمع الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والصينية والتركية واليابانية والكورية والهندية والسويدية والهولندية والبولندية والألمانية والسويسرية والكردية، وتنوعت الكتب ما بين التاريخ والجغرافيا وكتب السيرة والعلوم الاجتماعية والديانات.. إلخ

* هل يستهدف المشروع نوعية محددة من الإصدارات موضوعيا وتاريخيا وجغرافيا؟

- لا نستهدف إصدارات في حقول محددة، بل على العكس فمنذ البداية كان المشروع واعيا إلى الترجمات التي شهدتها العقود السالفة، والتي اهتمت ببعض المجالات مثل الأدب على حساب العلوم والتخصصات الدقيقة، ومن هنا حدث النقص في المكتبات العربية، لذا اعتمدنا تصنيفا يشمل كافة العلوم «المعارف العامة والفلسفة وعلم النفس والديانات والعلوم الاجتماعية واللغات والعلوم الطبيعية والدقيقة والفنون والألعاب الرياضية والأدب والتاريخ والجغرافيا وكتب السيرة وكتب الأطفال والناشئة».

* ما نوعية الكتب التي يختارها المشروع للترجمة، هل ثمة معايير معرفية تقف خلف اختياراتكم؟

- المحرك الأساسي لاختياراتنا هو حاجة المكتبة العربية، فهمنا الأكبر هو سد النقص الكبير الذي تعانيه المكتبة العربية في مختلف العلوم، لذا نحن نحرص على التنويع في إصداراتنا، ونهتم بالإصدارات الحديثة لكننا في الوقت نفسه نولي اهتماما للكتب القديمة التي تم إهمالها، فعلى سبيل المثال قدمنا مؤخرا كتابين قديمين، الأول يعود تاريخ إصداره إلى عام 1950 بعنوان «الغصن الذهبي» للمؤلف سير/ جيمس جورج فريزر، ويتناول تطور المعتقدات الدينية منذ أقدم العصور ويربطها بتطور الفكر البشري. والثاني بعنوان «اللفياثان.. الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة» لتوماس هوبز، ويعود تاريخ إصداره إلى عام 1651، وهو من الكتب المؤسسة لنظرية الفلسفة وابتكار أسطورة السلطة المطلقة.

* هناك نقص في الكتب الحديثة، في الإنسانيات، والفنون، والمكتبة العربية لا تزخر بالكثير من التراجم في هذا الجانب..

- تم مراعاة ذلك، ومن الكتب الحديثة، التي أصدرناها مؤخرا كتاب «تعلم الحياة» للفيلسوف الفرنسي لوك فيري، ويعرض الكتاب كل مراحل الفلسفة منذ نشوئها في اليونان القديمة وحتى المادية الجديدة ومرحلة ما بعد الحداثة والمرحلة التقنية في عصرنا الحاضر.

كما أصدرنا «الطعام في المجتمع الكلاسيكي القديم»، ويتسم هذا النوع من الكتب بأهمية خاصة بالنسبة للقارئ العربي خاصة أن المكتبة العربية تفتقر إلى مثل هذه الدراسات الثقافية، إذ يتصدى الكتاب من منظور ثقافي وبيولوجي لمعالجة ظاهرة الطعام في السياق التاريخي للعصور القديمة، ويتجاوز الكتاب أصناف الطعام، وأشكاله، وطرق إعداده، ومحتوى قيمته الغذائية، ليذهب إلى استقراء السياق الاجتماعي والحضاري للأغذية، وأبعاد الطعام الذي يتناوله شعب أو طائفة اجتماعية معينة، إضافة إلى دلالاته الصحية والطبقية والثقافية وما إلى ذلك.

في موضوع الفنون، ونظرا لقلة المراجع السينمائية في المكتبة العربية، قدم المشروع هذا العام أربعة كتب عن السينما، تضمنت: «صناعة الأفلام الوثائقية» للمؤلف باري هامب، يليه «جماليات الفيلم» لمجموعة من المؤلفين الفرنسيين، وكتاب «أفلام حياتي» للمؤلف للمخرج وكاتب السيناريو والناقد السينمائي الشهير فرنسوا تريفو، و«الواقعية الجديدة والنقد السينمائي» للناقد السينمائي الإيطالي المشهور غويدو أريستاركو.

* هل تنفتحون على مجمل الثقافات العالمية..؟

- نعم، يهتم المشروع باللغات التي تم إهمالها مثل اليابانية والكورية والصينية وحتى الإيطالية التي تركزت الإصدارات فيها في المجال الأدبي على حساب المجالات الأخرى، فبادرنا إلى ترجمة 25 عملا نشرنا بعضها مثل «مدخل إلى التاريخ القديم» و«مقابلة حول الفاشية» و«الحكم الجمهوري» والبقية على الطريق.

* ماذا عن كتب الطفل..؟

- يولي المشروع كتب الأطفال والناشئة اهتماما خاصا نظرا للنقص الشديد في هذه النوعية من الكتب في المكتبات العربية، والذي ترتب عليه تراجع نسبة القراءة بين الأجيال الصاعدة.

وبشكل عام، يحرص المشروع على انتقاء الكتب التي تخاطب أطياف المجتمع من كافة الشرائح، سواء أكانوا طلبة جامعات أم باحثين أم قراء عاديين يسعون إلى المعرفة والتنوير.

* لديكم اتفاقيات مع دور نشر أو مؤسسات ثقافية عالمية، لكن على الصعيد العملي كيف انعكست تلك الاتفاقيات في اختيار الكتب والروايات العالمية الهامة وتقديمها للمكتبة العربية؟.

- أبرم مشروع «كلمة» مجموعة من اتفاقيات التعاون مع عدد من المؤسسات الثقافية المعروفة والمعتمدة عالميًا، بدأناها باتفاقية مع معهد الشرق في روما، وبموجب هذه الاتفاقية اتفقنا على ترجمة مجموعة من الأعمال القيّمة، ضمّت نصوصا روائية لكتّاب إيطاليين معاصرين نالت أعمالهم التقدير وترجمت لعدة لغات بالإضافة إلى أعمال شعرية لأهم شعراء إيطاليا، ومجموعة من الأبحاث والدراسات التي تتناول الشأن الأكاديمي المعاصر في إيطاليا وأوروبا، إلى جانب الكتب المتخصصة في مجالات السينما وأصول النقد السينمائي.

يليها الاتفاقية مع المركز الثقافي الهندي - العربي في الجامعة الوطنية الإسلامية في نيودلهي لترجمة المؤلفات الهندية إلى اللغة العربية، وأثمرت هذه الاتفاقية عن ترجمة مجموعة قيمة من الكتب.

ومن ثم جاءت الاتفاقية الثالثة مع كلية علم اللغات والثقافات التطبيقية في جامعة يوهانيس غوتنبيرغ ماينتز / غرمرسهايم بألمانيا، وراعت مذكرة التفاهم الثقافية أن تكون هذه الكتب قد حازت جوائز تقديرية، وأن تكون صادرة عن أفضل الكتّاب وأرقى دور النشر الألمانية، وبعد مرور عام على مشروع التعاون بين «كلمة» وجامعة «يوهانيس غوتنبيرغ ماينتز / غرمرسهايم» تم ترجمة أكثر من ستين عنوانا، حازت عدة عناوين منها تزامنا مع نشرها من خلال مشروع «كلمة» على أهم الجوائز الأدبية، كان منها رواية «أرجوحة النفس» لهيرتا موللر الحائزة على جائزة نوبل، ورواية «سيلينا» لفالتر كباخر الذي حاز على جائزة بوشنر، وكتاب النقد الأدبي «فهود في المعبد» لميشائيل مار الحائز على أهم جائزة للنقد الأدبي، وإلما راكوزا الحائزة على جائزة الكتاب السويسرية على روايتها «بحر أكثر». وهارالد هارتونغ الحائز على جائزة هاينريش ميرك للنقد الأدبي.

* في المقابل، هل هناك جهود لترجمة الأعمال العربية للغات الحية؟

- من المؤكد أن جميع المؤسسات المعنية بالترجمة في عالمنا العربي لديها طموح في نقل وإيصال ثقافتنا للآخر، لكن هناك صعوبات جمة تواجه تحقيق هذا الطموح، بداية من تحديد عناوين الكتب والمؤلفين الذين تستحق أعمالهم أن تترجم إلى اللغات الأخرى، خاصة فيما يتعلق بالعلوم، ولا يتوقف الأمر على ترجمة الكتاب فقط، وإنما على إيجاد ناشر أجنبي جاد يتبنى الكتاب ويتولى عملية التوزيع، فهناك كتب عربية كثيرة تم ترجمتها ونشرها لكنها لم تجد من يوزعها في الغرب. فالكتاب العربي يواجه تحدي التوزيع، وذلك لعدم وجود مؤسسات وشركات معنية بتوزيع الكتب، نحن في المشروع نواجه هذه المعضلة، مطلوب منا أن نترجم الكتاب وننشره ونوزعه، ولكننا نطمح أن نتمكن في المستقبل من نقل وترجمة الثقافة العربية إلى اللغات الأخرى.

* تعلمون أن القراءة لم تعد زادا يوميا لعموم الشباب العربي، كيف تبسطون فكرة القراءة وتقريبها للشباب..؟

- يسعى المشروع إلى إنتاج كتيبات صغيرة تشمل ملخصات للكتب، إلى إنتاج الكتب الإلكترونية، والتوسع في إنتاج الكتب المسموعة، وتأسيس برنامج إلكتروني لإدارة عملية الكتاب المترجم.

كما يهتم المشروع بتنمية فكرة القراءة لدى الأجيال الصاعدة ودعم المؤسسات التعليمية، فبالإضافة إلى الاهتمام بشكل خاص بترجمة الكتب الخاصة بالأطفال والناشئة، أطلق المشروع قبل ثلاث سنوات مبادرة حقيبة أبوظبي للأطفال، وحقيبة أبوظبي للناشئة، وتهدف إلى توفير مادة ممتعة للطلبة ليقضوا معها وقت فراغهم خلال إجازتهم المدرسية في فصل الصيف، وتنمية فكرة القراءة لديهم، وتطوير قدراتهم السردية والإبداعية، وتأسيس فكرة الاطلاع على ثقافة الآخر.