قبائل بني إسرائيل الضائعة

أعداد كبيرة من المهاجرين إليها ليسوا يهودا

«قضايا وشخصيات يهودية» المؤلف: الدكتور جعفر هادي حسن الناشر: «العارف للمطبوعات» الطبعة الأولى: يناير (كانون الثاني) 2011
TT

تعاني المكتبة العربية شحا نسبيا في الدراسات والأبحاث المتعلقة بالمجتمع اليهودي الإسرائيلي، رغم الحاجة الملحة إليها بالنسبة للمواطنين في البلدان العربية، والمسؤولون بوجه خاص. وأحسب أن ما يصدر من دراسات وأبحاث عن البلدان العربية سنويا في إسرائيل، ذات البضعة ملايين نسمة، يفوق ما يصدر في الدول العربية الاثنتين والعشرين التي يربو عدد نفوس مواطنيها على الثلاثمائة مليون نسمة.

وقد جاء هذا الكتاب للباحث العراقي الدكتور جعفر هادي حسن، الأستاذ الجامعي المختص في اللغة العبرية واللغات السامية الأخرى والدراسات اليهودية، وهذا هو مؤلفه الرابع في هذا المجال، ليسد جانبا من النقص الذي تعانيه المكتبة العربية.

اعتمد المؤلف في تأليف الكتاب على المراجع الأجنبية وذكر منها سبعة وخمسين مرجعا في حين اقتصرت المراجع العربية على خمسة مراجع؛ ثلاثة منها من تأليفه. وكان بين المراجع كتاب اليهود المقدس (التوراة) والتلمود الذي تنكر بعض الطوائف اليهودية قدسيته.

ورقّم المؤلف أبحاث الكتاب ولم يسمها فصولا لأن بعض محتويات الكتاب سبق له نشرها في الصحف والدوريات ورأى من المناسب تضمينها في الكتاب بعد تحرير أقسام منها مجددا، وإضافة ما رأى ضرورة إضافتها من معلومات استجدت بعد نشرها قبل سنوات.

تحدث المؤلف في البحث الأول عن اليهود الحريديم. وهم اليهود المتزمتون الذين يسيطرون على المؤسسة الدينية ويعتمدون على التوراة والتلمود ويديرون المدارس الدينية التي يعفى منتسبوها من الخدمة العسكرية ويتميزون بزيهم الخاص ويطيلون ضفائر شعورهم، ويتصدون بشراسة لكل الفرق الأخرى التي تختلف معهم في نواح كثيرة؛ من بينها نظرتهم إلى الدولة وما يتوجب على اليهودي أن يقوم به من فرائض والتقيد بما تفرضه الشريعة دون تطوير تتطلبه سنة الحياة، ويفضلون العيش في أحياء خاصة بهم ولا يقبلون الاختلاط بالعلمانيين.

أما البحث الثاني، فكان بعنوان من هو اليهودي؟ وبسبب من تزمت الحريديم فإنهم يرفضون الاعتراف بيهودية أحد ما لم تكن أمه يهودية. ولا يقبلون تهوّد أحد ما لم يكن وفقا لما يفرضونه من قواعد وإجراءات صارمة لذلك. ولذا فهم في صراع دائم مع منتسبي الفرق اليهودية الأخرى التي خصص لها المؤلف أبحاثا أخرى كفرق اليهود القرائين واليهود الإصلاحيين وفرقة إعادة بناء اليهودية ويهود إثيوبيا (الفلاشا) واليسوعيين والعبرانيين الإسرائيليين وفرقة اليهودية الإنسانية، التي فضل المؤلف تسميتها «اليهودية البشرية».

وخصص المؤلف بحثا عن فرقة «نطوري قارتا» التي تعني نواطير أو حراس المدينة. وهي فرقة ترفض الصهيونية وإقامة دولة إسرائيل على أساس ديني.

واستأثر الصراع العلماني الديني في إسرائيل: أسبابه وتجلياته، باهتمام من المؤلف؛ إذ تقصى ذلك في الأحزاب والجمعيات والجغرافيا من حيث السكن وفي السلوك اليومي ونقد الرموز والشخصيات، وفي الإعلام، والتربية، وفي النظرة إلى المرأة التي يحتقرها اليهود الحريديم وسائر المتزمتين ويرفضون عملها في السياسة ويلاحقونها في ملبسها باسم الاحتشام ويشكلون مجموعات المطوعين، وكذلك في العائلة وفي الهوية. فإن ثلاثة أرباع المتزمتين يعتبرون أنفسهم يهودا أولا وإسرائيليين ثانيا. في حين أن النسبة نفسها معكوسة بين العلمانيين. وتصل الخلافات بين المجموعتين إلى درجة الدعوة إلى تقسيم إسرائيل!

ومن الأبحاث المهمة في الكتاب، بحث عن المهاجرين الروس في إسرائيل، الذين بدأت هجرتهم منذ ثمانينات القرن التاسع عشر، وكانت يومذاك بالمئاتـ، لتتحول في النصف الثاني من القرن الماضي بالآلوف في البداية لتصل إلى مئات الألوف في ما بعد تحت ضغط الصهاينة ومن يعاونهم من الحكومات الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا؛ إذ يبلغ عددهم اليوم نحو المليون، ويشكلون قوة سياسية يمينية متطرفة، ومنهم وزير خارجية إسرائيل الحالي أفيغدور.

يذكر أن أعدادا كبيرة من هؤلاء المهاجرين ليسوا يهودا في الحقيقة، وسمحت السلطات الصهيونية باستيطانهم لزيادة سكان إسرائيل التي تخشى من نمو السكان العرب في إسرائيل وإخلالهم بالتركيب الديموغرافي للدولة الصهيونية. ومن غرائب الأمور، ظهور مجاميع من النازيين الجدد بين المهاجرين الروس!

ومن الأبحاث الطريفة في الكتاب، بحث عن منظمات يهودية تبحث عن «قبائل بني إسرائيل الضائعة». هذه القبائل التي يتم الزعم بأنها انتشرت في الشتات من اليابان حتى الهنود الحمر في أميركا، مرورا بآسيا وأفريقيا. ومن بينهم الفلاشا الذين استطاع الصهاينة نقلهم من إثيوبيا إلى إسرائيل على وجبتين، كانت واحدة منهما بالتعاون مع النميري!

وتحدث المؤلف أيضا عن اختفاء أعداد من أطفال اليهود اليمنيين في إسرائيل الذين أُخذوا من عائلاتهم وجرى إعطاؤهم إلى عائلات يهودية من أصول أوروبية (اشكنازيم) بحاجة إلى أطفال، والزعم بأنهم ماتوا. وظهر في ما بعد كذب هذا الادعاء.

ومن الأبحاث الجديدة في الكتاب بحث عن الحركة النسوية اليهودية. فالمرأة تعاني من احتقار اليهود المتزمتين لدرجة القول إنه لا يجوز المشي بين امرأتين أو كلبين أو خنزيرين. أو قول الرجل: الحمد لله الذي لم يخلقني امرأة!

وختم المؤلف كتابه القيم بالحديث عن أربعة شخصيات يهودية؛ أولها الفيلسوف سبينوزا الذي جرى طرده من اليهودية لأفكاره المتحررة التي من بينها رفض فكرة أن «اليهود شعب الله المختار». والثاني هو أوريل داكوستا الذي ألف كتابا عن محنته مع الحاخامين. والثالث هو يوسف ناسي الذي كان له نفوذ كبير على السلطان العثماني في عهده وانتزاع موافقته على الاستيلاء على طبرية في فلسطين لتكون نواة لدولة اليهود. وذلك قبل ظهور الحركة الصهيونية بعدة قرون. وآخر هذه الشخصيات هو يعقوب كلتزن الذي يؤكد كون اليهود شعب الله المختار وأنه لا يمكن أن يندمج مع الشعوب الأخرى ودعا اليهودي إلى الإخلاص لقوميته وأنه لا يجوز له أن يخلص للبلد الذي يعيش فيه.