ذاكرة الأزهر على الشبكة العنكبوتية

دشن مشروعا إلكترونيا لتوثيق 68 ألف مجلد ومخطوط نادر

TT

مشروع جديد هو الأول من نوعه يقضي بتوثيق ذاكرة الأزهر.. ليصبح تاريخ هذا الصرح الجليل كما مكتبته وحياة رجالاته وأنشطته كلها موجودة على الشبكة الإلكترونية.. ما الذي سيتمكن الجمهور العريض في العالم أجمع من اكتشافه وهم جالسون في بيوتهم؟

دخل الأزهر ذاكرة الثورة في مصر، نافضا عن كاهله غبار سنوات من الركود والجمود، تراجع خلالها دوره الثقافي والتنويري والريادي في الدفاع عن قضايا الوطن. وبعد مطالب لمثقفين وكتاب مصريين بضرورة استعادة الأزهر دوره الفكري المفتقد، وقع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بروتوكول تعاون مع الدكتور ماجد عثمان وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري، للبدء في تنفيذ مشروع «ذاكرة الأزهر الشريف» الذي يتولى الإشراف عليه كل من مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي ومكتبة الأزهر.

وقال الدكتور الطيب إن البروتوكول يأتي في إطار الجهود الكبيرة للتعريف بدور الأزهر عبر تاريخه الذي يمتد لأكثر من ألف عام، حيث يشمل عدة محاور أهمها توثيق تاريخ الأزهر من خلال مواقفه سواء الداخلية أو الخارجية، وتوثيق السير الذاتية لشيوخ الأزهر السابقين ومؤلفاتهم وإنجازاتهم عبر السنين، وتوثيق التراث المعماري للجامع الأزهر والمعاهد الأزهرية الدينية القديمة، وتوثيق التراث الأدبي والثقافي والفقهي لعلماء الأزهر، وإعادة فهرسة ورقمنة محتويات مكتبة الأزهر، وتوثيق الذاكرة الصحافية لكل ما نشر عن الأزهر، وتنفيذ متحف تخيلي وتصميم وإنشاء بانوراما التراث.

وبحسب مهدي شلتوت، صاحب فكرة التوثيق الإلكتروني لتاريخ الأزهر، يتضمن المشروع «إطلاق بوابة إلكترونية رقمية على شبكة الإنترنت لربط ماضي الأزهر بحاضره ومستقبله، إلى جانب عرض بانورامي لأهم ما تم توثيقه من تاريخ الأزهر». وأضاف شلتوت أن من أهم مخرجات المشروع بوابة رقمية على شبكة الإنترنت تعرف الباحثين في جميع أنحاء العالم بتاريخ الأزهر ومكانته، وهو ما يمثل خطوة في سبيل الربط بين ماضي الأزهر وحاضره ومستقبله، بالإضافة لخلق كوادر مدربة داخل الأزهر لديها القدرة على استخدام أحدث وسائل تكنولوجيا المعلومات وقواعد بيانات لكل محاور توثيق تراث الأزهر، لافتا إلى أنه من المنتظر أن يتم نشر مخرجات المشروع من بوابة إلكترونية ومطبوعات وغيرها خلال الفترة المقدرة لتنفيذ المشروع وهى عامان من بدء التوقيع.

ويهدف المشروع إلى إعداد قواعد بيانات لذاكرة الأزهر ونشر ما تم تجميعه ليصبح مصدرا موثقا للمعلومات عن تاريخه عبر الإنترنت للشباب والأجيال الناشئة والجمهور العام وزيادة قيمة المحتوى العربي على شبكة الإنترنت.

وعن بداية فكرة المشروع قال شلتوت إن «الأزهر حرص على توثيق هذا التاريخ العظيم وما شهده من أحداث مختلفة على مر العصور، والعمل على تعريف العالم أجمع بهذا الصرح العظيم الذي ضم في جوانبه المتعددة تاريخا مجيدا»، لافتا إلى أن التطورات المتسارعة في مجال تكنولوجيا المعلومات قدمت مفاهيم جديدة للتوثيق الرقمي، كما أن أجواء التغيير ومناخ الحرية الذي تعيشه مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) أسهمت في الإسراع بتنفيذ هذا المشروع، حتى يتعرف شبابنا على تاريخ الأزهر ودوره النضالي، ضد الطغيان والظلم، وأنه في لحظات كثيرة حاسمة من تاريخ مصر كان الأزهر هو شعلة الثورة والحرية، وكانت المظاهرات التي تنطلق من جامع الأزهر تقض عروش الطغاة. لذلك لا تنفصل ذاكرة الأزهر عن ذاكرة الوطن، بما في ذلك تراث علمائه ومشايخه على مر العصور»، موضحا أن المشروع سوف يقدم مزيدا من المعلومات الموثقة وفي أفضل صورة ممكنة باستخدام أفضل التقنيات الرقمية المتاحة.

وعن طموحات الأزهر من إتمام المشروع، أشار شلتوت إلى «اننا نطمح من خلال تنفيذ المشروع إلى إطلاق بوابة إلكترونية رقمية على شبكة الإنترنت تعرف الباحثين في أنحاء العالم بتاريخ الأزهر ومكانته، وعمل عرض بانورامي لأهم ما تم توثيقه من تاريخ الأزهر، وتدريب عمالة على استخدام أحدث وسائل تكنولوجيا المعلومات، وإعداد قواعد بيانات لكل محاور التوثيق تمثل نواة لبنك للمعلومات التي يمكن استكمالها في ما بعد». ويتم إعداد كتاب عن جامع الأزهر باللغات الثلاث، العربية والانجليزية والفرنسية، وهو كتاب «مختارات من ذاكرة الأزهر»، إلى جانب عرض متحفي تخيلي لبعض مقتنيات الأزهر باستخدام أحدث أساليب العرض الرقمي.

وعن التحديات التي تواجه المشروع، قال شلتوت «أهم التحديات التي سنواجهها هو استكشاف وتحديد مصادر تراث الأزهر وعناصره المشتتة بين جهات مختلفة وأفراد شتى، مثال ذلك التراث الأزهري الموجود في مكتبات ومجموعات خاصة بالأفراد»، لافتا إلى أنه لمواجهة هذا التحدي سوف اتم الاستعانة بالمتخصصين من خبراء الأزهر لإعداد الدراسات اللازمة بالأسلوب الأمثل للحصول عليها.

ومن جهته، أشار الدكتور فتحي صالح، مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، إلى أن من أهم أهداف المشروع المساهمة في زيادة قيمة المحتوى العربي على شبكة الإنترنت. وعلى أجندة مشروع الأزهر تبرز محتويات مكتبته الرئيسية والتي تضم 34 ألف مجلد يعود تاريخها إلى القرن الثالث الهجري، وكان شيخ الأزهر الأسبق مصطفى المراغي الذي تم تعيينه شيخا للجامع الأزهر في عام 1928 أول من فكر في إنشاء المكتبة.

ويشار إلى أن ذكر مكتبة الأزهر جاء لأول مرة في التاريخ في كتاب بعنوان «أخبار مصر» لمؤلفه ابن ميسر، فقال في «أخبار مصر» لعام 517 هجريا إن داعي الدعاة الشيخ أبا الفخر صالح قد أسند إليه منصب الخطابة بالجامع الأزهر مع خزانة الكتب. وقد نقل عنه جميع المؤرخين أن الأزهر كانت له مكتبة عامرة بالكتب، وأن تبعيتها لداعي الدعاة، وهو من أهم المناصب أيام الدولة الفاطمية ويعطي مدلولات كبيرة على أهمية مكتبة الأزهر لما تضمه من كنوز الثقافة الإسلامية والعربية.

ولم ينقل المؤرخون إلينا نماذج من محتويات المكتبة الأزهرية، وأول من أشار إلى عدد كتبها هو شيخ المؤرخين المصريين أحمد بن علي المقريزي، المعروف باسم تقي الدين المقريزي، حيث أشار إلى أن الحاكم أمر بنقل نصف الكتب التي كانت موجودة بدار الحكمة إلى الجامع الأزهر والباقي إلى مسجده ومسجد «المقسي». وقد أشارت خطط المقريزي إلى أن عدد الكتب بدار الحكمة بلغ مائة ألف كتاب، والذي نستنتجه أن عدد الكتب التي نقلت بأمر الحاكم بأمر الله المنصور الخليفة الفاطمي السادس إلى مكتبة الجامع الأزهر قد بلغ خمسين ألف كتاب إلى جانب الكتب الموجودة بمكتبة الأزهر من قبل هذا التاريخ. بينما أشارت مصادر تاريخية إلى أن الفرنسيين حينما اقتحموا الجامع الأزهر أخذوا كثيرا من الكتب والمخطوطات القيمة ونقلوها إلى مكتبة باريس.

وكان عدد الكتب التي بدأت بها مكتبة الأزهر في عام 1897 يقدر بنحو 7703 كتب، منها 6617 كتابا بطريق الإهداء و1086 كتابا بطريق الشراء. ويبلغ عدد الكتب في المكتبة الأزهرية الآن 79 ألفا و123 كتابا، تقع في 183 ألفا و668 مجلدا موزعة ومصنفة تصنيفا مكتبيا مثل المصاحف والقراءات وعلوم القرآن والتفسير ومصطلح الحديث والأصول والفقه - على المذاهب الأربعة - والمواريث والأحكام التشريعية وحكمة التشريع والفقه العام وعلم الكلام والمنطق وآداب البحث والفلسفة والتصوف والفضائل واللغة والصرف والنحو والبلاغة والعروض والقوافي والأدب والتاريخ والجغرافيا. وهناك كتب الحساب والهندسة والجبر والمقابلة والفلك، والأوراد والحرف والفراسة والكف والخط والرسم والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والكيمياء والطبيعة والفروسية وغيرها.

كما بلغ عدد المخطوطات النادرة بمكتبة الأزهر 34 ألف مخطوط يرجع تاريخها إلى القرن الثالث الهجري وما بعده، فيوجد عدد من المصاحف الشريفة والربعات المخطوطة لمختلف العصور، منها ما هو منسوخ بالخط الكوفي والثلث والفارسي والنسخ، وتغلب عليها الكتابة المحلاة بالزخارف والنقوش، ومنها مصحفان كتبا عام 465 للهجرة ومصحف كتب عام 741 للهجرة، أما مخطوطات القرن التاسع الهجري وما بعده فهي كثيرة جدا بمكتبة الأزهر.

ومن مخطوطات القراءات التي تضمها مكتبة الأزهر بالقاهرة «اللآلئ الفريدة»، و«شرح القصيدة الشاطبية»، و«الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة».. ومن المخطوطات النادرة في تفسير القرآن الكريم «تفسير غريب القرآن للسجستاني» وكتب عام 155 هجريا، و«تفسير سورة الفاتحة لابن خبري الأندلسي» وكتب عام 627 هجريا، و«الكشاف للزمخشري» كتب عام 654 هجريا، و«التعريف الإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام للسهلي» وكتب عام 743 هجريا. ومن المخطوطات النادرة في الحديث النبوي الشريف «مخطوط غريب الحديث لابن سلام» المتوفى عام 311 هجريا، و«الجزء الرابع من سند أبي عوانة» وكتب عام 617 هجريا، و«الجزء الأول من الإلمام في أحاديث الأحكام» لابن دقيق العيد وكتب عام 731 هجريا. أما في مجال الفقه فقد تضمنت المكتبة مخطوطات نادرة منها «عمدة الطالبين لابن الوزير» وكتب عام 603 هجريا بخط المؤلف، و«زاد الملوك لابن المظفر» وقد أهداه مؤلفه إلى السلطان قلاوون وكتب عام 860 هجريا.. وفي التاريخ الإسلامي هناك مخطوطات نادرة مثل «رسوم دار الخلافة في تقويم البلدان» وكتب عام 596 هجريا، و«أنباء القمر بأنباء العمر» للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى عام 852 هجريا وكتبه عام 839 هجريا، و«مسودة حسن المحاضر» للسيوطي، «اقتطاف شقائق النعمان من رياض الوافي بوفيات الأعيان» وكتب عام 990 هجريا بخط المؤلف، بالإضافة إلى الكتب النادرة في مجالات النحو والصرف والأدب والعلوم.

أما مكتبة جامعة الأزهر فتضم 13 ألفا و442 مجلدا عربيا، و2006 كتب باللغات الأجنبية، بالإضافة إلى مكتبة الرسائل الجامعية التي نوقشت بجامعة الأزهر والتي أهديت إليها وتضم 1644 رسالة ماجستير ودكتوراه باللغة العربية، و2933 رسالة باللغات الأجنبية، كما تضم المكتبة روائع الكتب ومكتبة الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر الأسبق الذي تولى منصب شيخ الأزهر مرتين عام 1950، ومكتبة الأديب والمفكر الدكتور أحمد أمين.. وتضم أيضا مكتبة المؤتمر الإسلامي وتحتوي على 4080 مصنفا عربيا تقع في 4745 مجلدا.. إلى جانب 851 مجلدا أضيفت حديثا لمحتويات هذه المكتبة وجميعها باللغة العربية.. أما قسمها الخاص باللغات الأجنبية فيحتوي على 1853 مصنفا أجنبيا تقع في 213 مجلدا.. ويقدر عدد الكتب التي في الأزهر بنحو ثمانية آلاف مصنف تتضمن ألف مصنف هي عبارة 19 ألف مجلد.