حنين العراقيين للعهد الملكي

مأمون أمين زكي في كتاب عن أيام العراق الذهبية

غلاف الكتاب
TT

ما من شيء يتغنى به العراقيون في هذه الأيام أكثر من تداول حكايات العهد الملكي وأفضاله. وقد أوجز، أو بالأحرى فصل، ذلك الدكتور مأمون أمين زكي في كتابه الأخير «ازدهار العراق تحت الحكم الملكي 1921 -1958» من منشورات «دار الحكمة» بلندن في نحو خمسمائة صفحة من القطع الكبير. المؤلف من الخبراء في تاريخ العراق الذي كرس له أطروحته لنيل الدكتوراه.

بيد أن الكتاب لا ينحصر بمنجزات العهد الملكي فقط وإنما يستعرض تاريخ هذه المرحلة بالكامل ابتداء من أيام الانتداب البريطاني على البلد وحتى انقلاب عبد الكريم قاسم. ولم يحاول الكاتب أن يخفي تعلقه ومحبته للنظام الملكي والأسرة الهاشمية التي تولت الحكم فيه. حتى الأمير عبد الإله الذي مقته معظم العراقيين إلى حد تمزيق جثته وسحلها في الشوارع بين التصفيق والهلاهل، وجد مثل هذا المديح من الكاتب. إنه «رجل الدولة من الطراز الأول والدبلوماسي المخضرم الذي أعطى العالم نموذجا راقيا وصورة متألقة للجيل الجديد من رجالات العرب في تلك الفترة. وقد دحض الأمير بقامته الفارهة الرشيقة ووسامته البادية وأناقته المتكاملة وشخصيته الأرستقراطية الرزينة، دحض الصورة النمطية الشائهة...» عن العرب.

يعلل الكتاب انهماك الملك غازي بالسكر والنساء بأنه كان نتيجة لتمرد الآشوريين والخلافات المتأصلة بين العراقيين وآثارها على الملك الشاب. ويدافع المؤلف، وبحق، عن السياسات الموالية للغرب وانتهاج المنحى الواقعي الذي تبناه نوري السعيد. وهو لا يرى فقط أن ثورة عبد الكريم قاسم كانت غلطة بل كذلك كانت وثبة 1948 ضد معاهدة بورتسموث. ومن ذلك أن تلك المعاهدة كانت تفتح الباب للقوات العراقية لاستلام ثكنات الجيش البريطاني في فلسطين عند نزوحهم. وهو ما تترتب عليه نتائج كبيرة بالنسبة لمصير فلسطين. ولهذا نشط الصهاينة في إثارة الشعب العراقي ضد هذه المعاهدة. ومن المفيد الاطلاع على ما أورده عن «الكتاب الأزرق» الذي كتبه نوري السعيد عن طموحاته الوحدوية في إطار الواقعية التي اشتهر بها كالوحدة مع سوريا على طريق وحدة الهلال الخصيب ومن بعيد وحدة العالم العربي.

قد يتفق القارئ أو لا يتفق مع تحليل المؤلف ولكنه سيستمتع بما ورد في هذا الكتاب من الأناشيد والأشعار والهوسات الشعبية والأساطير السياسية المضحكة المرتبطة بتلك المرحلة. وكذا الأمر بالنسبة لوصفه لبعض محلات بغداد، كتبة الكورد والفضل التي ولد ونشأ فيها. كيف حصل نوري السعيد، العراقي البغدادي الأصيل على عينين زرقاوين!

سرعان ما يترك المؤلف هذا الاستعراض السياسي للحكم الملكي وينتقل إلى التطور الإعماري والتنموي لتلك الفترة. وهذه فصول جديرة بقراءة كل من يهمه الاطلاع بجد على ما تحقق في تلك السنوات فيجد أمامه جداول وأرقاما مذهلة عما أنجزه النظام الملكي، ولا سيما في نشر التعليم والثقافة والتحصيل الجامعي. نجد مثلا أن عدد المدارس الثانوية في العراق ارتفع من 95 مدرسة في 1950 إلى 152 في 1955 وتضاعف عدد الإناث في هذه المدارس من 5112 إلى 10558، أي بما يزيد على الضعف. ترتب على ذلك نمو الطبقة المتوسطة بشكل عجيب. ويسرد الكتاب حكايات من ارتقوا من الحضيض إلى القمة، ومنهم عبد الكريم قاسم الذي نشأ في بيت عامل نجار وأصبح ضابطا كبيرا ثم رئيسا للحكومة.