وزير ثقافة إقليم كردستان: حتى الآن لم تقم وزارة الثقافة في الحكومة الاتحادية بمهامها

كاوه محمود لـ«الشرق الأوسط»: إذا تدخلت الآيديولوجيا فسد العمل الثقافي

كاوه محمود وزير الثقافة والرياضة في إقليم كردستان
TT

لا يكاد يمر شهر إلا وكان هناك أكثر من نشاط ثقافي مميز في واحدة من مدن إقليم كردستان، أو في أكثر من مدينة يقام من قبل وزارة الثقافة والرياضة والشباب في الإقليم، فعلى سبيل المثال، أقيم مؤخرا مهرجان ثقافي كبير من قبل الوزارة والمركز الثقافي البريطاني في العاصمة أربيل شارك فيه أدباء عراقيون، عرب وأكراد، وبريطانيون، أعقبه وفي ذات المدينة، مهرجان كبير لكلية الفنون الجميلة تضمن عروضا مسرحية وتشكيلية. وفي ذات الوقت كانت مدينة السليمانية منشغلة بوقائع مهرجان مسرحي كردي ضخم شارك فيه مسرحيون عراقيون ومن إيران وتركيا، في حين كانت مدينة دهوك قد ودعت واحدا من أضخم المعارض التشكيلية لأكثر من مائة فنان كردي. ولا تقتصر هذه الفعاليات على الثقافة أو المبدعين الأكراد، بل تستضيف مدن الإقليم عروضا موسيقية وتشكيلية من بقية المحافظات العراقية، مثل فرقة الفنون الشعبية لمدينة الزبير في البصرة، ومعرضا تشكيليا لفناني مدينة الناصرية في جنوب العراق.

«الشرق الأوسط» تحدثت مع الدكتور كاوه محمود، وزير الثقافة والرياضة في إقليم كردستان، وهو، في الوقت ذاته، قيادي في الحزب الشيوعي الكردستاني إلا أنه يعمل «بعيدا عن الآيديولوجيات أو تأطير العمل الثقافي ضمن أية آيديولوجيا» على حد توضيحه. استفسرنا منه بداية عن علاقة الثقافة بالرياضة لتجمعهما وزارة واحدة وبإدارة وزير واحد، فقال: «أعتقد أن هذه الإشكالية ليست إشكالية العراق أو كردستان أو حتى المنطقة بل هي إشكالية على الصعيد العالمي أيضا، فهناك الكثير من الوزارات في العالم مزجت بين قطاعي الثقافة والرياضة والشباب، مثلما هو في السويد وبعض الدول الأوروبية الأخرى، وهناك من مزج بين وزارتي الثقافة والسياحة. ويبدو أن لهذه البلدان دوافعها في ذلك، بالنسبة لنا في إقليم كردستان كانت الرياضة والشباب في التشكيلة الأولى للحكومة مديرية عامة تابعة لوزارة الثقافة، وفي الحكومة الخامسة، برئاسة نجيرفان بارزاني، صار توسع في عدد الوزارات لأسباب سياسية وليست حكومية، والغرض منه ترضية الأطراف المشاركة في الحكومة وتصفية آثار الاقتتال الداخلي ودمج الإدارتين (أربيل والسليمانية) لهذا صارت هناك وزارة للرياضة والشباب، وعندما تشكلت الحكومة الحالية برئاسة الدكتور برهم صالح وصار هناك اتجاه لتقليص عدد الوزارات، وجدوا أن الرياضة هي الأقرب لوزارة الثقافة على أساس أن تكون هناك شخصية معنوية جديدة وليست عملية إلحاق طرف بآخر وحسب وإنما دمج وزارتين من خلال آليات قانون جديد للوزارة».

وفيما يتعلق بأسلوب استقطاب المثقفين الأكراد، سواء من خلال تعيينهم أو دعمهم من قبل الوزارة، قال محمود: «نحن في الحكومة نتجه نحو الوصف الوظيفي عندما تكون عندنا سياسة في التعيين، ولا أعني التشغيل، سياسة التعيين تتعلق بالوظائف الحكومية، نحن لا نعين شخصا بدرجة فنان أو شاعر أو كاتب، فالموظف عمله إداري، ووظيفة الوزارة إدارية وتنظيمية وليست وظيفة إبداعية مباشرة، حتى الفرق الفنية التي تكون مدعومة من الوزارة فإن هذا لا يعني أن نتدخل في عمل وتوجهات هذه الفرق بل إن مهمتنا هي تقديم الدعم المادي أو المعنوي من أجل خلق شركاء حقيقيين خارج الأطر الحكومية، فمثلا لدينا اتحاد للأدباء ونقابة للفنانين وكذلك للصحافيين ونحن نتعامل مع هذه التكوينات. ومؤخرا أنشأنا صندوقا لدعم الإبداع والحكومة وافقت على تقديم الدعم وخصصت مبلغا مؤقتا قدره مليونان ونصف المليون لدعم المبدعين، ونحن اخترنا ممثلا واحدا عن الوزارة للشؤون التنظيمية في مجلس الصندوق والبقية ممثلون عن نقابات واتحادات الصحافيين والأدباء والفنانين وثلاث شخصيات أكاديمية إضافة إلى كونهم من المثقفين مثل الدكتورة كردستان والشاعر عطا قره داغي ودمتور في المسرح من دهوك. هؤلاء هم من يقررون دعم الإبداع والمبدعين ودورنا تنفيذ ما يقررونه هم لأنهم أكثر دراية بما يحتاجه هذا الفنان أو ذاك الكاتب أو الشاعر من دعم. الصندوق تابع للوزارة لكننا لا نقرر أي شيء».

وعن إشكالية شعور مثقفي السليمانية وأربيل بالتمييز فيما بينهم، وكيفية تعامل الوزارة مع هذه الحالة، أوضح محمود قائلا: «نحن نعمل على إنشاء منظمات ثقافية كردستانية تعبر عن كل الفئة الإبداعية، كل الأدباء أو الفنانين أو الصحافيين الأكراد، وهذا يحتاج إلى مرونة ووقت. لكننا لا نتدخل في هذه القضية، ففي دعمنا للأنشطة الثقافية أو اللقاء مع المثقفين لا نميز سواء كان هذا النشاط، أو ذلك المبدع من السليمانية أو أربيل أو دهوك. نحن عامل توحيد وتقارب وجذب وليس عاملا للتفريق، يجب أن نعلم الجميع بأن هناك مقياسا موحدا وهو العمل الإبداعي. الجانب الآخر هو الفعاليات المشتركة مثلما حدث مع مهرجان المسرح الذي شاركت فيه فرق وشخصيات مسرحية من جميع أنحاء إقليم كردستان، وهناك ملتقى للمسرح تشارك فيه جميع الفرق المسرحية والنقاد والكتاب لمناقشة واقع ومستقبل المسرح الكردي في عموم الإقليم. وفي كل ذلك، نحن نؤكد على العمل بعقلية التقارب والعمل المشترك مثل معارض تشكيلية مشتركة مثلما حدث في دهوك شارك فيه أكثر من 100 فنان من جميع مناطق الإقليم».

وحول واقع العمل المسرحي، قال وزير الثقافة والرياضة والشباب في حكومة إقليم كردستان: «ليس لدينا فرقة مسرحية تابعة للحكومة وأنا لا أحبذ ذلك فنحن ندعم بقية الفرق المسرحية وأتمنى أن تكون لها استقلاليتها. نحن فقط نقدم لهم دعما شهريا. وأيضا هناك دعم للعمل المسرحي الذي يقدم للجمهور وحسب الميزانية التي تقدمها الفرقة، عندنا فرقة للفنون الشعبية مدعومة من الوزارة من خلال العقود». وينفي الوزير أن تكون لوزارته «أية أجندة في عملها أو إنها تدعم هذه الفرقة أو تلك الشخصية». ويقول عن ذلك: «أنا وضعت بعض الأسس في عمل الوزارة ولم أرد أن يكون هناك كتيب عن توجهات الوزارة في العمل، بل مجرد أسس قمنا بتوزيعها على المديريات العامة، الأساس الأول والأهم يتناول القضية الفكرية ويبحث في إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة ويجب أن تكون هذه الإشكالية لصالح المثقف وليس لصالح السلطة، وهذا الاستنتاج تترتب عليه مسؤوليات أهمها استقلال العمل الإبداعي أو الثقافي عن الآيديولوجيا، لا مجال للآيديولوجيا في العمل الثقافي، الآيديولوجيا ليست المعرفة، والعمل الثقافي لا يتجزأ عن مفهوم المعرفة ببعدها العام ولكن إذا تدخلت الآيديولوجيا فسد العمل الثقافي، وإذا صار الحديث عن الأفكار فالأفكار حرة. أنا لا أستطيع أن أحدد الفنان أو الشاعر أو الكاتب في طرح أفكاره. لكن عندما يسخَر الجهد الثقافي من أجل دعم فرقة مسرحية تمثل حزبا معينا أو معرضا مدعوما من حزب فهذا ما نتجنبه. وإلى حد كبير أستطيع القول إن هذا لا يحدث في عملنا، فأنا لا أتعامل كشيوعي في عملي بوزارة الثقافة. أنا شيوعي خارج الوزارة، ولكني كوزير يجب أن أنظم العمل الثقافي وأهتم بالمثقفين في كل إقليم كردستان بما فيهم الكلدانيون والآشوريون والعرب والأكراد والتركمان وأن لا أميز من خلال أطر آيديولوجية معينة، حتى في العمل الإبداعي ذاته فأنا يجب أن لا أميز بين مدرسة فنية وأخرى على الرغم من أني أميل لمدرسة معينة، هذا غير مسموح به. ليس من مهمتي في عملي بالوزارة أن أدعو إلى الاشتراكية. قد تكون هذه أفكاري خارج الوزارة. أما مهمتي كوزير فهي الحفاظ على التنوع الثقافي وغنى الثقافة الأصيلة والمتنوعة، الثقافة الديمقراطية المدنية، وليست الثقافة التي تسعى للإلغاء أو تهميش الآخر».

وفي الحديث عن وضع السينما في الإقليم، قال محمود: «ليس عندنا سينما لكننا نهتم بالسينما الوثائقية أو الأفلام القصيرة، وأن يكون هذا المجال حقلا لإعداد وتدريب سينمائيين جيدين، نهتم بسينما تقدم نماذج أو صورا مختلفة ومتنوعة لشعبنا الكردي وليس نمطا واحدا مكررا مثلما يحدث إذ يتم تكرار ذات النمط للشخصية الكردية لإرضاء المشاهد الغربي، وهو نمط الكردي الذي يقيم في منطقة حدودية بين العراق وإيران، وينتقل ما بين المناطق الحدودية ويعمل بالتهريب ثم يقع في كمين وهكذا. علينا أن نتجاوز هذه الحالة ونتحدث عن الحب في الجامعات، أو عن المشاكل التي يعيشها مجتمعنا، والأهم إيجاد صالات للعرض السينمائي من خلال تشجيع القطاع الخاص. هناك صالة في أربيل ومغلقة ومن الصعوبة أن تعود الحكومة لامتلاك صالات العرض السينمائي فهذه مهمة القطاع الخاص».

وأعرب كاوه محمود عن أسفه لوضع العلاقة بين وزارة الثقافة في إقليم كردستان ونظيرتها في الحكومة الاتحادية ببغداد، وقال: «للأسف حتى الآن لم تقم وزارة الثقافة في الحكومة الاتحادية ببغداد بمهامها كوزارة ثقافة وهذا يشكل بالنسبة لنا مشكلة معقدة ونحن لم نرد قطع العلاقة المباشرة بيننا، لكننا نهتم بعلاقتنا مع الوسط الثقافي العربي العراقي سواء في بغداد أو البصرة أو باقي مناطق العراق وذلك من خلال استضافة فعاليات ثقافية أو إقامة فعاليات ثقافية مشتركة، فنحن مثلا استضفنا فرقة للفنون الشعبية من مدينة الزبير في البصرة، كما أقمنا معرضا تشكيليا كبيرا لفناني البصرة، وكذلك من الناصرية. لكن الإشكالية في تبادل هذه الفعاليات، إذ كان هناك مهرجان بابل الثقافي والفني في مدينة الحلة وقررنا مشاركة فرقة كردية للفنون الشعبية لكن المشكلة أن المهرجان منع تقديم الموسيقى والرقص الشعبي وأرادوا منا المشاركة بفعاليات لا تتضمن الموسيقى أو الرقص الشعبي فقلنا نحن لا نشارك بمثل هذه الفعاليات ورفضت إرسال الفرقة. نحن نتحدث عن ثقافة انفتاح وتعزيز أواصر وإبداع وليس عن اشتراطات من هذا النوع، فكلما كانت الحريات أكثر سعة في المجتمع تطور الإبداع والفعل الثقافي وبالعكس».