مجلة «بانيبال» تحتفي بأدونيس في عددها الجديد

TT

صدر العدد الـ41 من مجلة «بانيبال»، الذي خُصص للاحتفاء بالشاعر السوري أدونيس، يضم مقالات عنه شاعرا ومفكرا، إضافة إلى ترجمات جديدة له إلى الإنجليزية. وكتب الشاعر الألماني يواخيم سارتوريوس عن شاعر «أغاني مهيار الدليمي»، تناول فيها إنجازه الشعري والفكري. وقد ترجم المقالة إلى العربية خالد الجبيلي.. هنا مقتطفات منها:

عندما تقرأ الرسائل المتبادلة بين أدونيس وصديقه اليوناني ديمتري ت. أناليس، يتناهى إليك صوت هدير أمواج البحر الأبيض المتوسط. ومع أن هذا البحر هو أكثر البحار انغلاقا، فهو، في الحين ذاته، أكثرها انفتاحا. إن أدونيس مواطن عالمي، يطوف بين بيروت وباريس وبرلين ونيويورك، لكنه في أعماق أعماقه مواطن ينتمي إلى هذا البحر، لا سيما إلى جزئه الشرقي. وعندما سألته – السؤال الذي طرحه عليه الكثيرون من قبل - لماذا اختار «أدونيس» اسما له، فأجاب أن هذا الاسم يضم الذات والآخر: «قصة أخرى تضاف إلى قصتي، القصة الغربية المرتبطة بالقصة الشرقية. وبدلا من أن أبدأ كشاعر عربي أو إسلامي فإنني أبدأ كإنسان»؛ إذ إن هذه العبارة - بالنسبة لي – تضم أدونيس ككل: حكمته، جرأته، احتفاءه بالفرد الذي يضع جانبا جميع الأشكال الدوغماتية المجتمعية والدينية، وإيمانه العميق والراسخ بالقوة التي يمتلكها الشعر.

إن ما أذكره عن لقائنا الأول، الذي لا بد أنه حصل في أحد المهرجانات الشعرية منذ زهاء 20 عاما، ليست هيئته الصغيرة الرائعة، ولا إيماءاته البليغة، ولا عينيه المتألقتين، بل ما أذكره هو مزيج من الكرامة والطفولة. وأكثر ما أتذكره هو صوته. تلك الآلة التي تُبعث منها أصوات صاعدة وهابطة. في المطرب يختبئ راقص. ويبدو أنه يعزف أشعاره كأنها أوتار مرهفة بالغة الحساسية. لكنه لا يتصرف أبدا مثل كاهن، بل يقدم قصيدته للجمهور وكأنها هدية، كأنها ثمرة يانعة. وبعد التجربة الأولى تلك، سمعته يقرأ قصائده مرات كثيرة، في دمشق، في صنعاء، في زيوريخ، في باريس، لكن انطباعي الأول ظل قابعا في أعماق ذاكرتي، مثل معجزة عذبة.

إن الشيء الذي آسف عليه حقا هو أنني لا أعرف اللغة العربية؛ لذلك تعين عليَّ أن أقرأ أشعاره ومقالاته الرائعة بالترجمات الفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية. وإنني واثق من أن أشياء كثيرة تضيع في هذه الترجمات بالنسبة لقارئ مثلي.. السياق الثقافي والتاريخي برمته، تداعي المعاني اللغوية الضمنية، التلميحات الغنية للشعراء والمفكرين في فترة ما قبل الإسلام.. ومع ذلك، يظل إحساسي بأنني في حضرة شخص أحيا الشعر العربي، متجاوزا البلاغات السياسية كلها، شخص قوي جدا؛ لذلك فإن شعره، في رأيي، أيضا مشروع يواجه جميع أنواع الأصولية. وقد يكون من الأمور المبتذلة أن أعرف أدونيس بالقول إنه يمثل صوت العقل العربي. فهو الذي سك هذه العبارة: «صوتي زمني». إن هذا الصوت وزمنه مطلوبان أكثر من أي وقت مضى من أجل الحوار بين الشرق والغرب. إنه صوت مواطن ينتمي إلى البحر الأبيض المتوسط، الذي ضرب جذوره في الغرب وفي الصحراء. إنني أشعر بالامتنان الشديد لأنني أعرفه، ولأنني أحد أصدقائه الكثيرين.