إلى أي مدى يتحمل زعماء المعارضة مسؤولية الأخطاء؟

كتاب للسفير العراقي في واشنطن عن المعارضة والسلطة ومواقف الإدارة الأميركية قبل الاحتلال وبعده

من الديكتاتورية إلى الديمقراطية: تقرير مطلع عن المعارضة العراقية لصدام تأليف: حميد البياتي مطبعة جامعة بنسلفانيا عدد الصفحات: 347
TT

* المؤلف لم يكن صريحا بشأن العلاقات العميقة بين المجلس الأعلى الإسلامي العراقي والنظام الإيراني، كما لم يتناول العلاقة البغيضة بين المعارضة العراقية ورعاة داخل دمشق. كما يغض الطرف بدرجة كبيرة عن الأجندات الطائفية لبعض فصائل المعارضة العراقية التي لا تزال تلتهم العراق.

تستعد تنظيمات معارضة لتولي السلطة في غمرة الاضطرابات الدائرة بمنطقة الشرق الأوسط الكبير. وعلى الرغم من ذلك تتعامل الولايات المتحدة مع هذه الثورات بطريقة فاترة، وتستوحي ذلك من احتمالية التغيير فيما تخشى من إرث الثورات داخل المنطقة. وعلى كل فقد ظهر صدام حسين داخل العراق والخميني في إيران والأسد في سوريا من رحم حركات معارضة كانت تقاوم أنظمة قمعية في أوقاتهم.

ولذا يأتي كتاب حميد البياتي «من الديكتاتورية إلى الديمقراطية» في توقيته المناسب. ففي تاريخ نظام حكم صدام حسين، نجد أن تعبئة معارضة لحكمه والدبلوماسية الأميركية خلال فترة حكمه تلفت الانتباه إلى الفروق البسيطة داخل المنطقة وقلة الخيارات الملائمة أمام الولايات المتحدة.

ونجد البياتي في وضع جيد يمكنه من سرد الحكاية، حيث إنه مثقف قضى أعوام نشأته في مدرسة مسيحية خاصة بجنوب العراق، واستقر داخل لندن بعد أن تعرض للتعذيب والتشهير خلال حقبة صدام حسين بسبب أنشطة قام بها ضد النظام. ويأتي جزء كبير من الكتاب كتقرير عن الفترة التي قضاها كمتحدث غربي للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية - وهو حزب معارض أغلبيته شيعية - وكعضو المجلس التنفيذي بالمؤتمر الوطني العراقي - وهو تنظيم عراقي معارض كان يضم عددا من التنظيمات الأخرى التابعة. ويستفيد البياتي كثيرا من أرشيفه الشخصي - مدونات ومحاضر ومراسلات ومجموعة من الاجتماعات - التي اكتسبها في هذه الفترة. ويكتب البياتي بروح مؤرخ مطلع، حيث إنه عاش فصول المرحلة المتعددة

ويؤرخ الكتاب لخبرة المعارضة العراقية في ضمان الدعم من الولايات المتحدة أثناء تحولها إلى قوة خطيرة. وظهر أول ضغوطها بعد أن تولى صدام حسين السلطة عام 1979. ولكن بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد كانت العراق دولة سنية تقف كحاجز أمام النظام الإسلامي الشيعي في إيران. وأصبحت المعارضة العراقية الناشئة ضحية السياسة الواقعية التي اتبعتها الولايات المتحدة.

فتحت حرب الخليج الثانية فرصة أمام المعارضة العراقية، وبدأ مسؤولون أميركيون البحث عن بدائل لصدام، ولاحظوا أن المعارضة العراقية - وهم أشخاص يعيشون في المنفى لهم خلفيات سياسية وعرقية وطائفية متنوعة - يتوحدون خلف رسالة الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولم يكن تلاقي المصالح فيما يبدو بين الولايات المتحدة والمعارضة العراقية بالقدر الكافي لظهور تحالف قوي بين الجانبين. وكما يظهر البياتي، فقد كانت المعارضة العراقية والحكومة الأميركية غير متفقتين بصورة تامة على كافة القضايا.

كانت المعارضة العراقية ترغب في الإطاحة الفورية بصدام حسين، ودعت إلى قيام الولايات المتحدة بزعزعة أساسات نظام حكم صدام حسين من خلال إيجاد ملاذ آمن في جنوب العراق وتقديم المزيد من الأسلحة والتمويل للمعارضة العراقية ورفع دعوى قضائية ضد صدام حسين والموالين له أمام محكمة دولية والترويج لحقوق الإنسان والديمقراطية داخل العراق بجهد أقوى.

وعلى النقيض، كانت الولايات المتحدة تركز على هدف أكثر تواضعا يعتمد على احتواء النظام. وعلى الرغم من أن مسؤولين أميركيين عملوا للتخطيط لانقلابات ضد صدام حسين، فإن الولايات المتحدة كانت تحرص في الأغلب على اختبار العراق من خلال عقوبات وتفتيش على الأسلحة وضربات جوية من حين لآخر وقرارات مجلس الأمن. وكانت المعارضة العراقية عنصرا هاما في قرار الكونغرس الأميركي بتمرير قانون تحرير العراق عام 1998، مما جعل تغيير النظام سياسة أميركية رسمية. ولكن يبرهن البياتي بصورة مقنعة على أن إدارة كلينتون وإدارة بوش، في أشهرها الأولى، لم يعملا بجد مع المعارضة العراقية للإطاحة بصدام حسين.

ما هي النتيجة التي كان يحتمل تحققها حال تقديم الولايات المتحدة دعما أقوى للمعارضة العراقية؟

البياتي مقتنع بأن «خطط المعارضة العراقية لتحرير البلاد من الديكتاتورية وقمع صدام حسين قبل الغزو الأميركي عام 2003...ربما كانت قد أدت إلى الإطاحة بنظام صدام حسين قبل عقود من ذلك..».

وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، تعاونت إدارة بوش مع المعارضة في إطار تخطيطها لما بعد الحرب. وعمل البياتي ومنفيون آخرون مع الولايات المتحدة لتوحيد المعارضة العراقية وتنسيق الخطط لمستقبل البلاد بعد صدام حسين. ولكن اختارت الولايات المتحدة في النهاية ألا تمكن لقادة المعارضة العراقية بعد الإطاحة بصدام حسين. ويدخر البياتي أقوى انتقاداته للرفض الأميركي لنقل السيادة للشعب العراقي على الفور. ويزعم أن حكومة الاحتلال التي ترأسها الدبلوماسي الأميركي بول بريمر كانت «أكبر خطأ ارتكب بعد حرب 2003» وكانت السبب الرئيسي في أعمال العنف وانعدام الاستقرار وأعمال التمرد التي تلت ذلك.

ويعد تقييم البياتي مقنعا فيما يتعلق بأن الكثير من الافتراضات التي تقف وراء قرار احتلال العراق برهنت على أنها خاطئة. ولطالما قال مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية أن منفيين عراقيين غير ملمين بالوقائع داخل العراق، ولذا كانوا غير مجهزين لحكم البلاد، ولكن يقدم تقرير البياتي عن احتفاء الشعب العراقي بعودة شخصيات معارضة دليلا على العكس من ذلك. وبعد مرور قرابة عقد على بدء الحرب العراقية، يعود العراقيون لانتخاب شخصيات معارضة لشغل مناصب بارزة داخل حكومتهم الديمقراطية.

ولكن لا يتعامل كتاب «من الديكتاتورية إلى الديمقراطية» بالقدر الكافي مع أوجه القصور داخل المعارضة العراقية وقياداتها. وعلى الرغم من الأخطاء الأميركية، فإن الواقع أن شخصيات معارضة عراقية حصلت على مواقع بارزة في حكومة ما بعد صدام حسين. ويشغل البياتي على سبيل المثال منصب السفير العراقي لدى الولايات المتحدة.

ولكن إلى أي مدى يتحمل زعماء المعارضة العراقية المسؤولية عن كل الأخطاء التي حدثت؟

يتجنب البياتي هذا السؤال. ويسارع بالاحتفاء بالتزامهم بالقيم الديمقراطية والمثل القومية. ويسوق البياتي حزبه، المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، كمثال «على منظمة إسلامية معتدلة تؤمن بوحدة العراق أرضا وشعبا وبوحدة المعارضة العراقية وبمستقبل تعددي ديمقراطي دستوري للعراقيين».، كما أنه أقل صراحة بشأن العلاقات العميقة بين المجلس الأعلى الإسلامي العراقي والنظام الإيراني، كما لم يتناول العلاقة البغيضة بين المعارضة العراقية ورعاة داخل دمشق. كما يغض الطرف بدرجة كبيرة عن الأجندات الطائفية لبعض فصائل المعارضة العراقية التي لا تزال تلتهم العراق.

وعند قراءة كتاب البياتي في سياق التغيرات داخل منطقة الشرق الأوسط حاليا، تجده يعرض دروسا مختلطة. وعلى أحد الجوانب، يشير ذلك إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها استفادوا من التواصل مع مجموعات معارضة بمختلف أنحاء المنطقة. وفي مرحلة حرجة، تفهم المعارضة العراقية وقادتها الطبيعة المؤذية لنظام صدام حسين، مما أضفى إلحاحا لقضية السعي للإطاحة به وقيادة العراق باتجاه ديمقراطي. ولا يعد مبرر الإطاحة بالأنظمة الحالية غير الليبرالية داخل المنطقة واضحا كما الحال مع صدام، كما أن احتمالية تغيير النظام الحاكم داخل الكثير من هذه الدول ربما ينذر بوضع سيئ لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وكما يظهر البياتي، فإن الأحداث والواقع السياسي الداخلي يمكن أن يؤديا إلى تغيير جذري في السياسة الأميركية. ولو كان البياتي صحيحا، فإن دعما مبكرا وأكثر استدامة للمعارضة ربما ساعد على تجنب الغزو الأميركي والاحتلال الذي تلا وأنتج وضعا أكثر قبولا داخل العراق من دون حرب تزعزع من الاستقرار.

ولكن لا تستطيع حتى التقارير الحية للبياتي عن استبداد صدام حسين وشجاعة المعارضين لنظامه من تغيير واقع أساسي في التجربة العراقية. وكان للدعم الأميركي للمعارضة نتائج دموية خاصة. وتلاشت الآمال بعملية عسكرية سريعة عندما أصبح واضحا أن زعماء المعارضة لن يستطيعوا في نهاية المطاف حل الكثير من المشاكل من دون وجود أميركي دائم في البلاد.

* عمل براتيك تشوغول في وزارة الخارجية الأميركية إبان إدارة الرئيس جورج دبليو بوش