السعودية: لائحة النشر الإلكتروني بين «ضبط» الانفلات و«التقييد»

مع اقتراب دخولها حيز التطبيق.. مثقفون يتساءلون عن جدواها

TT

منذ إعلان لائحة النشر الإلكتروني في السعودية، سواء في نسختها الأولى مطلع العام الحالي، أو النسخة المعدلة في فبراير (شباط) الماضي، والجدل يحتدم بين المثقفين السعوديين بشأن قدرة هذه اللائحة على «ضبط» الإعلام الإلكتروني الذي انفلت بشكل واضح، دون أن يقع في مشكلة «تقييد» حرية المثقفين والقراء في الوصول إلى المعلومة والتعبير عن آرائهم.

اليوم، تمر ستة أشهر على اللائحة المعدلة، وهي المهلة التي منحت للجهات ذات العلاقة بالنشر الإلكتروني لتصحيح أوضاعها، وطوال هذه المدة كانت الوزارة تستقبل ملاحظات المثقفين السعوديين.

هنا استطلاع آراء بعض المثقفين السعوديين:

الإعلامي السعودي، الدكتور عبد الله الجحلان، الأمين العام لهيئة الصحافيين السعوديين، ورئيس تحرير مجلة «اليمامة»، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إنه من حيث المبدأ فإن مشروع النشر الإلكتروني وفكرته وأهميته وأهدافه وإمكانية تطبيقه من حيث ضبط الإعلام البديل لا غبار عليه، لأن هناك تيارات ثقافية بعضها منضبط وبعضها منفلت ودخيل. إن مسألة الضبط شيء حسن، شريطة ألا يمثل ذلك قيدا».

إن المثقفين والإعلاميين كانوا قد طالبوا بسن قانون للنشر الإلكتروني، وهذا ما تحدثنا حوله مع وزير الثقافة والإعلام عندما سعينا ونادينا في هيئة الصحافيين السعوديين بأن يكون هناك تنظيم للنشر الإلكتروني والهدف أن تكون هناك قواعد منظمة لهذه الممارسة وهذا التنظيم».

واعتبر الجحلان أن القيمة الفعلية لقانون النشر الإلكتروني هو أن تتم معرفة الأشخاص الذين يتعاطون هذه المهنة، بحيث لا يتم التعامل مع «أشباح» وأن لا يكون هناك تجنٍ أو رمي التهم باسم الحرية في الوقت الذي تكون فيه الحرية منها براء، لأن الحرية لا تعني التعدي على حرية وحقوق الآخرين.

واستطرد الجحلان: «إن هناك رغبة أكيدة في أن يتواصل الذين يعملون مع الصحافة والنشر الإلكتروني مع هيئة الصحافيين وأن يصبحوا أعضاء فاعلين فيها، وفق الشروط التي تحكم هذا التنظيم، لأنه إذا لم يكن هناك تنظيم موحّد ومعلوم وفق ضوابط معينة، فإنه لا يمكن أن يكون هناك انسجام وعطاء موحّد أو متشابه بين النشر الورقي والنشر الإلكتروني».

وبشأن لائحة النشر الإلكتروني، قال الجحلان: «إن هذه اللائحة في حدّ ذاتها تحتوي على شيء من الفائدة، وتعضد العاملين في النشر الإلكتروني بممارسة مهامهم الصحافية بشكل مهني وعقلاني، وإذا كانت هذه اللائحة تشوبها بعض العيوب والأخطاء فهناك مجال للتعديل والمعالجة مثلها مثل النظم التي تحكم مؤسسات الصحافة غير الإلكترونية. إن نظام الصحافة والمطبوعات والنشر في السعودية مرّ بأكثر من مرحلة للتقييم والمعالجة والتعديل أثناء عملية التطبيق والممارسة».

ويرى الجحلان أن الستة أشهر الممنوحة لتقييم مشروع لائحة النشر الإلكتروني كافية لأي معالجة أو إضافة في محتواها، مطالبا بأن لا يكون هناك جنوح في التطبيق وألا يؤخذ ذلك بالحذر الزائد عن حده، حتى لا تكون النتيجة النهائية، اجتهاد خاطئ في تفعيل هذا النظام، معولا على إيجابية العمل بها مع مرور الأيام.

* الغامدي: من يضبط الفضاء؟

* على خلاف الجحلان، فإن الإعلامي قينان الغامدي، رئيس تحرير جريدة «الشرق» المرتقب صدورها قريبا من المنطقة الشرقية بالسعودية، لا يرى مبررا لإصدار لائحة تحمل اسم لائحة النشر الإلكتروني، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا أرى أي مبرر لإصدار لائحة للنشر الإلكتروني لسببين، أولهما أن مسألة النشر الإلكتروني لا تخص بالضرورة الصحف السيارة الموجودة في المكتبات، أو تلك التي لها مواقع إلكترونية. أما السبب الثاني فإنه ليس من المنطقي أن تطالب الوزارة طلاب النشر الإلكتروني وخصوصا أصحاب المدونات بأن يستخرجوا تراخيص لمدوناتهم»، مبينا أن «هذه اللائحة التي تقول إنها لا تريد الحدّ من حرية النشر، لا تملك القدرة أصلا على السيطرة والتحكم في الفضاء الإلكتروني، فذلك يتجاوز قدرات حتى المحترفين. الأطفال أنفسهم أصبحوا يتنافسون على فك شفرات حجب النشر الإلكتروني».

وأضاف الغامدي: «إن كل ما تستطيع أن تعمله وزارة الثقافة والإعلام هو أن توجه هيئة الاتصالات السعودية بأن تقدم على حجب هذا الموقع أو ذاك، علما بأن ذلك نفسه أصبح صعبا إن لم يكن مستحيلا في ظل الانفتاح الفضائي الإلكتروني، الذي يفرضه الوضع العالمي، حيث لم يعد أي محتوى إلكتروني منتجا محليا بمقدور السلطات منعه، بقدر ما هو منتج عالمي».

ويلاحظ الغامدي أن لائحة النشر الإلكتروني تناقض بعضها البعض، ذلك أن اللائحة تتحدث عن مطالبة أصحاب المواقع والصحافة الإلكترونية بأن يعينوا رؤساء تحرير لها من خلال الوزارة، في الوقت الذي تتحدث فيه عن أنها لا تقيد الحريات، مبينا أن الزمن كفيل بتبيان إمكانية تطبيق هذه اللائحة من عدمه، والمهم في الأمر، بالنسبة له، أن يتعاون الجميع حتى لا تكون هذه المواقع والصحافة الإلكترونية ساحات للنيل من أعراض الناس أو رمي الناس بالاتهامات الباطلة أو إطلاق العبارات البذيئة.

* الدويحي: لم نستوعب اللائحة

* الروائي السعودي أحمد الدويحي، وهو صاحب موقع إلكتروني باسمه، يرى أن لائحة النشر الإلكتروني التي أعلنت عنها وزارة الثقافة والإعلام السعودية لا تخدم الإبداع السعودي بأي شكل من الأشكال بل هي أحد معابر اختراق الخصوصية بشكل عصري، مؤكدا أنه لا يستوعب ما ترمي إليه الوزارة بشكل واضح في ظل الانفتاح الفضائي الذي لا يستثني أحدا مهما تعددت السبل والاختراعات وسُنّت التشريعات.

ويرى الدويحي أن اللائحة «لا تعدو أن تكون أكثر من صيغة مستنسخة من نظام الصحافة والمطبوعات الورقية، وبأي حال من الأحوال فهي لا تطابق حالات النشر الإلكتروني، والذي لا يستطيع أحد إخضاعه لأي قيد أو ضبط حتى على مستوى العالم»، مشيرا إلى أن هذه اللائحة تخدم فقط الناحية الأمنية أكثر من أنها تضبط الإعلام أو الرأي وحق التفكير، مع تسليمه بأنه ضد الفوضى وضد العبث بحقوق الغير أيا كانت ولكن لا أحد يملك منعه بمزاجه أو طريقته.

ويرى الدويحي أنه ليس للائحة أي جدوى أمام النشر الفضائي، إذ يمكن أن يبث من أي مكان في العالم، مبينا أنه لو حجبت صحيفة أو موقع الآن، فإنه بالإمكان قراءتها في نفس اللحظة - بوسائل إلكترونية جاهزة - في البلاد. وعليه فهو يعتقد أن هذه اللائحة تتعارض أولا مع حقوق الفرد في حريته الفكرية، وأن لائحة الجزاءات التي اعتمدتها السعودية حول جرائم النشر الإلكتروني كافية ووافية للمتابعة والمعاقبة لأي خروج عن المسار الصحيح في عملية النشر يتناول الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين.

* المليحان: تكريس سلطة الرقيب

* أما الأديب السعودي جبير المليحان الرئيس السابق لنادي الشرقية الأدبي، ورئيس موقع «القصة العربية» الإلكتروني، فيرى أن الإشكالية التي تصاحب التعامل مع المنتج الفضائي لا تقتصر على دولة واحدة، حيث إن أغلب شعوب العالم تواجه ذات الإشكال في فهم آلية النشر والتفاعل بين المنتج والمستهلك، وبين سلطة الرقابة.

ورأى المليحان أن الخلل يأتي في سلامة التشريعات التي تنظم عملية التجديد والتطوير والإنتاج والاستهلاك، مضيفا: «يمكن القول الآن إن عملية التطوير والإنتاج تتسارع مع الوقت، ليس يوميا، بل بالثانية، ومن الصعب أن يواكب أي رقيب أغلب ما يحدث، لذلك تصبح بعض الأنظمة، والتشريعات قديمة وعقيمة، وليست ذات جدوى».

ومع إشادته بحسن النوايا، فإن المليحان يرى أن على الوزارة دعم المواقع الجادة وتطويرها، ومدها بالخبرات، والوقوف بجانبها، حتى تتداعى المواقع الهزيلة والطارئة، وتتبخر مع الأيام، «فالقارئ المتابع أمامه ملايين الخيارات المعلوماتية، وما يتم منع نشره في رقعة صغيرة من الكرة الأرضية، تستطيع أن تراه، من مكان آخر.. إذن، لنركز على الإبداع والتطوير، ونسحب ما تبقى من سلطة الرقيب الذي يدخل في محاق التاريخ».

* وزارة الثقافة: الحرية المسؤولة

* وكان عبد الرحمن بن عبد العزيز الهزاع، وكيل وزارة الثقافة والإعلام المشرف على الإعلام الداخلي، قد ذكر لـ«الشرق الأوسط»، أن اعتبار لائحة النشر الإلكتروني مقيّدة للحريات أو تنال من حرية النشر سواء في مجال الثقافة أو خلافها، أو أنها لا تستند على مشروعية قانونية، يصدرُ من أشخاص «لم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على لائحة النشر الإلكتروني، وبنودها، وتفاعلها مع المستجدات العصرية التي تخدم كل الأطراف وتصون الحقوق وتحفظ حق الآخرين وتكفل الحق المسؤول في إبداء الرأي والرأي الآخر».

وقال الهزاع: «إن وزارة الثقافة والإعلام عمدت على تزامن الإعلان عن لائحة النشر الإلكتروني مع نشرها على الموقع الرسمي للوزارة، حتى تجد حظها من التداول والنقاش والنقد البناء، وحملت بين طياتها الإجابات الشافية لكل سؤال بما في ذلك الإيضاحات العلمية والمنطقية، حيث فتحت الباب على مصراعيه لكل من أراد أن يبدي رأيه صراحة في مضامين هذه اللائحة، التي أوضحنا خلالها أنها ليست قرآنا منزلا، فهي خاضعة للتعديل والمعالجة القائمة على العلمية والمنطقية والمؤسسية والحرية المسؤولة بما يخدم ويحترم كل الأطراف المستفيدة من هذه الخدمة الصحافية الإلكترونية».

ودعا الهزاع المشككين بهذه اللائحة أن يكلفوا أنفسهم الاطلاع على البند 13 منها حتى يتأكدوا من أن الوزارة أوضحت أنه ليس هناك تقييد للحريات وتكميم للأفواه الإلكترونية لأنها لم تقرّ مسألة الرقابة أو ممارسة الضغوط على القائمين على صحافة النشر الإلكتروني وحجب مواقعها، إنما هي فقط تمثل خارطة طريق يمكن الاهتداء بها إلى تقنين أو رسم لائحة توصل إلى نور المعرفة والتنمية والفكر والرأي والرأي الآخر بنفس المعايير المعمول بها عالميا دون أي مضايقة وهناك متسع من الوقت لمناقشتها ومعالجة أي خطأ فيها أو إضافة أي تعديل تحتاجه.