المراكز الثقافية الأجنبية تبحث عن دور في الربيع العربي

بعضها تحول إلى «دكان» لتعليم الـ«فوتوشوب» ورياضة اليوغا

TT

تبدلت أدوار المراكز الثقافية الأجنبية في مصر، فبعد أن كانت تنشغل في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي بأنشطة ثقافية وفنية متنوعة، خمدت حركتها، وتحول بعضها إلى ما يشبه الدكان أو السوبر ماركت، مثل المركز الثقافي الروسي، الذي كان متنفسا ثقافيا للشعراء والكتاب المصريين، يعقدون على مسرحه الأمسيات والندوات ويستمتعون بأرقى الأفلام السينمائية، ناهيك عن عروض الموسيقى والغناء، ومعارض الفن التشكيلي. تحول المركز إلى «دكان» تجاري لتعليم فنون الكومبيوتر وبرامج الـ«photo shop»، بالإضافة إلى الحياكة وتفصيل الملابس، وتعليم اللغات ليس الروسية فقط، بل الإنجليزية والفرنسية وغيرهما. الأمر نفسه بالنسبة للمركز الثقافي اليوناني، الذي استطاع أن يكون إحدى النوافذ الثقافية الأجنبية المهمة في مصر، في فترة التسعينات، ودشن جائزة «كفافيس» الدولية للشعر، ليحصل عليها سنويا شعراء من العرب واليونان، ويقام لها احتفالات. كما ترجم المركز في عهد الملحق الثقافي الشاعر موسكوف مختارات من الشعر العربي، صدرت في مجلد ضخم، بالعربية واليونانية، وأقام عددا من الملتقيات المتميزة، لكن المركز بعد موت موسكوف بدأ دوره يذبل ويتراجع، مثلما تراجعت جائزة «كفافيس».

هذا التراجع امتد إلى المركز الثقافي الفرنسي أحد المراكز الثقافية المهمة، الذي ساهم قسم الترجمة به في التعريف بالكثير من الأعمال العربية والفرنسية بعد ترجمتها. وفي سياق موجة التراجع اكتفى المركز الهندي بتعليم اليوغا والتدريب عليها إلى جانب بعض الأنشطة الفنية الباهتة.

على عكس ما قد يتصور البعض، قد يكون التطور التكنولوجي الكبير الذي جعل العالم قرية صغيرة، يستطيع فيها أي فرد أن يتواصل مع غيره، قد أثر سلبا على أدوار هذه المراكز.

الروائي جمال الغيطاني، أكد أنه على الرغم من التقدم التكنولوجي فإن هذه المراكز لا تزال تلعب أدوارا عدة، وتابع: «أغلب المراكز الثقافية الأجنبية في مصر لا تزال لها ضرورة كبرى». وقال الغيطاني لـ«الشرق الأوسط»: «أتمنى أن يكون هناك نشاط أكبر للمراكز الثقافية، وأن تأخذ مصر والدول العربية خطوات مماثلة في نشر ثقافتها في الغرب ويكون هناك مركز ثقافي يعبر عن ثقافتنا في مدينة نيويورك على سبيل المثال، حيث إنه لا يوجد مركز ثقافي عربي في هذه المدينة الكبيرة». وأضاف: «من الممكن أن ننشئ هذه المراكز بتكاليف صغيرة للغاية وسيكون مردودها الثقافي مهما».

يبدو أن الربيع العربي أعاد إلى الأذهان مرة أخرى الأدوار التي تقوم بها المراكز الثقافية خاصة مع تعاظم محاولة الغرب فهم ما حدث في دول اعتبرها الكثير من علماء السياسة الغربيين عاصية على التحول. وأشار لويس خابيير، مدير المركز الثقافي الإسباني بالقاهرة، إلى أهمية الدور الذي يقوم به مركزه، في ندوة أقيمت قبل عدة أيام بالقاهرة، وقال «إن هناك تكاملا بين المركز الثقافي الإسباني بالقاهرة، والمعهد المصري الثقافي بمدريد لتقديم صورة متكاملة للإسبان عن الثقافة المصرية برموزها القديمة والحديثة من توفيق الحكيم وصولا لعلاء الأسواني».

وتقول حنان نصار، مسؤولة قسم النشر بالجامعة الأميركية بالقاهرة، «نبذل جهودا كبيرة من أجل التواصل، والجامعة أقامت عقب الثورة المصرية معرضا للكتب بالإضافة لأنشطة أخرى، كما نسعى في برامجنا المقبلة لأن نقترب أكثر من نبض الواقع بطريقة تعلي من قيمة المشترك الثقافي».

على الرغم من هذا الجهد الذي تقوم به الكثير من المراكز الثقافية فإن صورا نمطية خاطئة عن العرب والمسلمين بل صور نمطية خاطئة عن الغرب لا تزال قابعة في الأذهان. كاتلين بيتريكو، طالبة أميركية، تقول باستغراب: «لا أعرف من أين جاء المصريون بالاعتقاد بأن البنات الأميركيات من السهل الإيقاع بهن؟»، كاتلين التي جاءت لمصر، ضمن إحدى دورات التعارف الثقافي بين مصر وأميركا، فوجئت بأن كل ما يعرفه المصريون عن الأميركيات هو ما يشاهدونه في الأفلام الأميركية التي تعتبرها كاتلين غير معبرة عنهن. وكذا يجد الكثيرون من العرب والمسلمين صورا نمطية خاطئة عنهم عندما يذهبون إلى أحد البلدان الأوروبية.

يقول الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، رئيس مركز الحضارة وحوار الثقافات لـ«الشرق الأوسط»، «لا بد أن تكون هناك سياسة إعلامية مصرية منظمة من أجل إيصال رسائل معينة للآخر، لأن المسائل التي تتعلق بالصورة الثقافية، تعد من أمور الأمن القومي، ولا بد من أجهزة تعمل عليها»، وتابع: «من الضروري أن تكون لمصر بعد الثورة استراتيجية لتوضيح القيم والثقافة المصرية. أهمية هذه الاستراتيجية هي أن تعمل على نقل الصورة الحقيقية لمصر بعد الثورة للآخر عن طريق كل الوسائط ومنها المراكز الثقافية».

من جانبها نبهت الدكتورة زينب رضوان، أستاذة الفلسفة وأصول الشريعة الإسلامية، إلى دور المرأة وأنها شريك فاعل في تحقيق التنمية، وطالبت المراكز الثقافية الأجنبية بتصحيح الصورة الذهنية السلبية عن المرأة المصرية.

يرى البعض أن المراكز الثقافية تؤدي دورا سلبيا أحيانا، عن طريق إدخال مفاهيم خاطئة، أو تبني سياسات تشوه صورة الآخر. لكن مسؤولين بالمراكز نفسها يرون من ناحية أخرى أن المراكز الثقافية للدول العربية تواجه صعوبات جمة في إبراز الصورة الحقيقية للثقافة العربية بسبب عدم الاعتماد على إداريين لا يملكون رؤية استراتيجية.

وتقول الدكتورة باكينام الشرقاوي، أستاذة العلوم السياسية، ورئيسة مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات لـ«الشرق الأوسط»: «ثقافة الحوار والتفاهم لن تأتي من السماء وعلينا أن نتحمل بعض السلبيات في سبيل ذلك، وأن إيجابيات هذا الأمر هي بالتأكيد أكبر».

ولكن على الرغم من أهميتها فالمراكز الثقافية الأجنبية، من وجهة نظر البعض، لا تعدو كونها مجرد مراكز لتعلم اللغات، أنس عبد الله، طالب بكلية الآثار في جامعة القاهرة، يقول: «أذهب للمركز الثقافي الروسي لأنه الوحيد الذي يعطي دروسا في اللغة البولندية المقررة علي في الدراسة الجامعية». أنس قد لا يعرف أيا من أنشطة هذا المركز الثقافي، وقد لا يحضر ندوات أو أي أنشطة أخرى في المركز لأنه يراه مجرد وسيلة للحصول على لغة جديدة من أجل الحصول على وظيفة جيدة في مجال السياحة. وهو رأي غالبية ساحقة من المصريين.