10 سنوات على رحيل إبراهيم أبو اللغد

اعتبره إدوارد سعيد أستاذه وملهم نضاله

إبراهيم أبو اللغد
TT

قبل شهور قليلة، احتفت جامعة نورث ويستيرن (ولاية إلينوي، قرب شيكاغو) بذكرى مرور 10 سنوات على وفاة إبراهيم أبو اللغد، من كبار المثقفين الأميركيين الفلسطينيين، ولد في فلسطين، ثم هاجر إلى أميركا، ووصل إلى منصب أستاذ في الجامعة، ثم عاد إلى فلسطين أستاذا في جامعة بيرزيت، وتوفي ودفن هناك.

ولد في سنة 1929 في يافا (في ظل الانتداب البريطاني)، وتوفي ودفن فيها سنة 2001.

ولا يذكر أبو اللغد إلا ويذكر صديقه وزميل كفاحه إدوارد سعيد الذي ولد في القدس سنة 1935 وتربى في مصر، ثم هاجر إلى أميركا حتى وصل إلى منصب أستاذ في نفس جامعة كولومبيا. وتوفي وهو أستاذ فيها سنة 2003، ودفن رماد جثمانه في لبنان.

ولد إدوارد سعيد بعد أبو اللغد بست سنوات، وتوفي بعده بسنتين، هاجرا إلى أميركا في الخمسينات. درس الأول في جامعة برنستون، ثم نال الدكتوراه من جامعة هارفارد. ودرس الثاني في جامعة إلينوي، ثم نال الدكتوراه من جامعة برنستون. وبينما كان الأول أستاذا في جامعة كولومبيا لأربعين سنة، كان الثاني أستاذا في جامعة إلينوي لقرابة أربعين سنة.

غير أن إدوارد سعيد كان يقول دائما إن أبو اللغد هو أستاذه (رغم عدم وجود فرق كبير في السن)، وملهم نضاله (رغم أن الاثنين اشتركا في النضال). وعندما توفي أبو اللغد، قال إدوارد سعيد: «إنه الأكاديمي والمثقف الفلسطيني الأول».

وقال رشيد الخالدي (أكبرهما سنا، لكنه درس في بريطانيا، وقضى ثلاثين سنة أستاذا في الجامعة الأميركية في بيروت): «كان أبو اللغد من أوائل الأميركيين العرب في تغيير المفاهيم الأميركية الخاطئة عن فلسطين».

وربما كان إدوارد سعيد صائبا عندما أعطى أولوية النضال لأبو اللغد، بينما انتمى سعيد لعائلة أرستقراطية في القدس، وكان والده رجل أعمال هاجر إلى أميركا ونال الجنسية الأميركية، ثم نقل العائلة إلى مصر مع تأسيس إسرائيل، وسهل لابنه الدراسة الثانوية في أميركا، كان والد أبو اللغد عاملا. ومنذ المدرسة المتوسطة اشترك الصبي في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني الذي كان يمهد لإعطاء فلسطين لليهود، بل اشترك في مظاهرات ضد أوائل المستوطنين اليهود. وحتى بعد أن تركت العائلة المنزل إلى لبنان مع اقتراب تأسيس إسرائيل، قضى الصبي فترة في يافا يتظاهر، وتركها على آخر سفينة غادرتها، «برنس ألكسندر»، قبل 10 أيام من إعلان دولة إسرائيل.

وبينما جاء سعيد إلى أميركا لدخول مدرسة خاصة (وكان حصل على الجنسية الأميركية من والده)، جاءها أبو اللغد لاجئا، ولم ينل الجنسية إلا بعد عشرين سنة.

وبينما كان سعيد مسيحيا، كان أبو اللغد مسلما، وكتب كثيرا عن الإسلام في أفريقيا، وعن الطرق الصوفية. غير أن سعيد كتب أيضا كتاب: «تغطية الإعلام الأميركي للإسلام»، وانتقده، حتى قبل هجوم 11 سبتمبر (أيلول) بسنوات.

غير أن الدين لم يكن مجال تركيزهما بقدر ما كانت القومية العربية والوطنية الفلسطينية.

بعد هزيمة العرب في حرب 1967، أسسا جمعية خريجي الجامعات الأميركيين العرب. وبعد 10 سنوات، أسسا دورية الدراسات العربية، ودخلا المجلس الوطني الفلسطيني. وبعد ذلك بـ10 سنوات أخرى، قابلا جورج شولتز، وزير الخارجية الأميركية في عهد الرئيس ريغان. كان ذلك بعد غزو إسرائيل للبنان، بضوء أخضر من الرئيس ريغان.

في سنة 2001، عندما توفي أبو اللغد، كتب سعيد عن تلك المقابلة: «قلنا لشولتز إن الشعب الفلسطيني مستعد ليعيش في سلام مع إسرائيل، إذا ضمن له حق تقرير مصيره في خطة سلام (أميركية) للشرق الأوسط». وأضاف: «قلنا إن هناك إمكانية تقسيم فلسطين التاريخية بين الجانبين».

لكن، كان واضحا أن هذا الرأي «أميركي» أكثر منه «فلسطيني». واتهمت قيادات فلسطينية الرجلين بأنهما «باعا القضية». كانت هذه قيادات معتدلة وسلمية، ناهيك عن القيادات العسكرية المتطرفة التي كانت تخطف الطائرات وتقسم بإزالة دولة إسرائيل.

في سنة 1991، استقال الاثنان من المجلس الوطني الفلسطيني. وقالا إن اتفاقية أوسلو لن تقود إلى دولة فلسطينية.

في نفس تلك السنة، لأن أبو اللغد كان يحمل الجنسية الأميركية، سمحت له إسرائيل بأن يعود إلى وطنه لأول مرة منذ أن غادره قبل أكثر من خمسين سنة. وبعد تلك العودة، قرر أن يستقر في فلسطين، أستاذا جامعيا. وكتب: «يجب أن يعتمد الفلسطينيون، أولا، على خبراء وأساتذة جامعات فلسطينيين. يجب تخريج هؤلاء من جامعات فلسطينية».

في نفس تلك الفترة، عاد سعيد أيضا إلى فلسطين لأول مرة، وعاد إلى أميركا، وكتب أن المستوطنات اليهودية غيرت فلسطين. وكتب عن «الأمر الواقع»، وعن إمكانية التعايش بين دولتين يهودية وفلسطينية، وانتقده فلسطينيون بأنه ما كان يجب أن يعارض اتفاقية أوسلو.

مثل سعيد، خلط أبو اللغد بين الهويتين الأميركية والفلسطينية. لكن، بينما تزوج سعيد عربية، مريم (أنجب منها وديع، اسم والده، ونجلاء)، وقضى معها حياته، تزوج أبو اللغد أميركية، جانيت (أنجب منها: مريم، دينا، جواد)، وطلقها في نفس السنة التي عاد فيها إلى فلسطين لأول مرة (ليس معروفا وجود علاقة بين الطلاق والعودة).

وسارت دينا على خطى والديها، وصارت أستاذة جامعية تهتم بالمواضيع العربية، وهي الآن أستاذة في جامعة كولومبيا (جامعة إدوارد سعيد).

ومن أروع ما كتبت: «عودة والدي إلى فلسطين».

كتبت: «عرفت أن والدي سيعود إلى فلسطين يوم دخلت شقته ووجدت أنه علق على الحائط ملصقا كبيرا: «صورة يافا سنة 1936».

وكتبت: «أعتقد أن والدي قرر العودة إلى فلسطين بعد الانتفاضة الأولى، وعندما اشتد عليه مرض الرئة، وأجريت له عملية جراحية».

وكتبت: «عندما زرت والدي في رام الله، مع زوجي وأولادنا، في سنة 1993، قال: إنه يريد إحضار كل كتبه من أميركا. قال: إن رام الله، عندما كان صبيا، كانت مصيفا للفلسطينيين الأغنياء، ولم يكن هو أو والده يحلمان بالعيش فيها. وقال: إنه لم يكن يتوقع أن يعيش في رام الله أو في الضفة الغربية التي لم يزرها عندما كان صبيا في حيفا. لكنه قال: إنه سعيد أن يعيش وسط الفلسطينيين في أرض فلسطينية».

وكتبت: «كان حريصا على أن نزور حيفا. وذهب معنا، وكأنه يريد أن يثبت دائما أنه جاء وكأنه يريد استعادة المدينة التي كان قد ولد فيها. أشار إلى البحر، وقال: إنه كان يسبح كصبي فيه. وأشار إلى مكان المنزل ألذي اضطر إلى الفرار منه عام 1948. وقال لنا إنه عندما زار المنزل خلال زيارته الأولى في عام 1991 لم يجده، وطرق منازل قريبة ليسأل، وفتح الأبواب مهاجرون يهود روس وبولنديون ومغاربة ويمنيون».

وكتبت: «أخذنا والدي إلى المسجد الذي كان يصلي فيه وهو صبي. قال: إنه كان ينافس أخاه الأكبر في حب المسجد، وإنه مرة تسلق درجات المئذنة، ورتل الأذان. ولم يكن أخوه فعل ذلك. اسمه مسجد حسن بك».

وكتبت «كرر والدي عبارة: فلسطين لا تزال هنا، عندما سأل أطفالا فلسطينيين عن شارع الملك فيصل. وأخذوه إلى الشارع. لم يكن اسمه شارع الملك فيصل، لكن، لأن الأطفال الفلسطينيين عرفوا الاسم رغم أن اسمه غير قبل ستين سنة، قال: (فلسطين لا تزال هنا). كرر ذلك رغم أنه كان يرى بعينيه أن فلسطين قد قتلتها إسرائيل، ودفنتها، ومسحتها من خريطتها».