الأمير خالد الفيصل: لماذا ينتظر المثقف العربي أن تبحث عنه المؤسسات المانحة؟

قال لـ «الشرق الأوسط»: سوق عكاظ يسعى لأن يكون إحدى قوى الدفع للحركة الثقافية المحلية

الأمير خالد الفيصل
TT

كانت «عكاظ» في عرف العرب الذين ابتكروها قبل سبعين عاما من الهجرة وعلى مدى قرنين من الزمان، أكثر من مناسبة للمبارزة الشعرية، والتفاخر بالأنساب والبطولات، فقد مثلت ملتقى سنويا لإنشاد الشعر والتعريف بالنوابغ الأدبية ووضع موازين للقوافي ومعايير للأدب الرفيع، حيث ينتخب منه أفضل القصائد لتصبح من المعلقات، ويتم فيه إجازة الشعراء والاعتراف لهم بالسبق، فقد كانت تضرب للنابغة الذبياني، مثلا، قبة حمراء من أدم، فتأتيه الشعراء لتعرض عليه أشعارها، كما مثل السوق موسما لاستعراض مواهب القبائل العربية في الحكمة والتقاضي واستعراض المنجزات.

وبعد غفوة طويلة، امتدت لنحو 1300 سنة، نهض سوق عكاظ في نفس موقعه التاريخي بالطائف غرب السعودية، ليمثل من جديد حالة ثقافية تمد جذورها للماضي، وتنصب فروعها في فضاء المستقبل، كما هي صورة عكاظ منذ أعيد إحياؤه قبل أربع سنوات على يد الأمير المثقف، خالد الفيصل بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة.

وفي حواره التالي، الذي خص به «الشرق الأوسط» بمناسبة انطلاق مهرجان سوق عكاظ، يعبر الأمير خالد الفيصل، رئيس اللجنة الإشرافية لسوق عكاظ، عن تطلعه لأن يصبح السوق حاضنة حقيقية للإبداع الإنساني، وأن يصبح جزءا من كيان كبير تسهم مؤسساته في تحقيق نهضة حضارية قوامها الإنسان «القوي الأمين».

في قضية مهمة، تحدث الأمير عن حجب جائزة «شاعر عكاظ» وجائزة «شباب عكاظ»، وقال إن «حجب الجوائز لا يعني عدم وجود شعراء يستحقونها في العالم العربي، لكن الأعمال المقدمة لم ترق إلى مستوى الجائزة».

في ما يلي الحوار مع الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة، ورئيس اللجنة الإشرافية لسوق عكاظ:

* بعد مرور أربعة أعوام على إطلاقه، أين يمكن أن تضعوا «سوق عكاظ» في قائمة المواسم الثقافية السعودية والعربية؟

- سوق عكاظ ليس حدثا ثقافيا فحسب، وإنما مشروع حضاري إنساني متكامل، يستلهم فكرته الأساسية من الدور ذاته الذي كان يؤديه السوق في الماضي، من خلال تقديمه طيفا متعدد الألوان من الأنشطة والبرامج المتنوعة في مجالات الثقافة والأدب والفكر والعلوم والتقنية الحديثة والتراث والتجارة.

والبرنامج الثقافي للسوق ما هو إلا حلقة في سلسلة العطاء الإبداعي الذي تحاول مختلف الفعاليات الثقافية الدورية السعودية والعربية تقديمه للجمهور ورعايته وتشجيعه، ولا يهم بعد ذلك أي موسم ثقافي يحل في موقع الصدارة، طالما تنتظم جميعها في السلسلة ذاتها، وإنما الأهم هو حجم الأثر الإيجابي الذي تتركه هذه المواسم مجتمعة على الثقافة السعودية والعربية.

* دعوات إحياء سوق عكاظ قديمة بقدم مؤتمر الأدباء الأول، لكن هذا الحلم أبصر النور على يديكم، حين تصديتم لهذه المهمة، ماذا كان يمثل لكم هذا السوق، وهذه المناسبة؟

- نفس ما يمثله لجميع المثقفين والمبدعين العرب من إحياء لحالة رمزية ثقافية وإنسانية أصيلة، حفظ التاريخ مكانتها، وإن غيبها الزمن طويلا.

فالكل ربما شعر قبل عودة سوق عكاظ بحاجتنا، كعرب وكسعوديين ضمنا وخاصة، إلى حاضنة حقيقية للإبداع الإنساني في مجالاته المختلفة أدبيا وفنيا وعلميا واجتماعيا، إلى غير ذلك من مجالات الإبداع العديدة.

وذلك كانت فكرة إحياء السوق، التي تبنتها إمارة منطقة مكة المكرمة، برعاية كريمة ودعم كبير من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله يحفظه الله، لاحتضان إبداعات المفكرين والمثقفين العرب وتكريمهم، وقبل ذلك وبعده جمع المثقفين العرب في خيمة سوق عكاظ للتعارف والتحاور.

ولا يفوتني أن أشكر الدعم الكبير الذي قدمته جهات عديدة، منها وزارة التربية والتعليم وهيئة السياحة والآثار ووزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة والإعلام وجامعة وأمانة الطائف، مما ساهم - وبشكل كبير - في إنجاز برامج السوق ومشاريعه.

* ما استراتيجيتكم لإعادة سوق عكاظ، ثقافيا، وتراثيا، وفنيا؟

- منذ سنوات، بدأنا في إمارة منطقة مكة المكرمة إعداد خطة تنمية استراتيجية للمنطقة، فكرتها الأساسية بناء الإنسان وتنمية المكان على حد سواء، ولذلك جاء سوق عكاظ كواحدة من المبادرات العملية المطبقة على أرض الواقع لبناء الإنسان معرفيا وثقافيا وعلميا وفنيا وتراثيا.

وفي الحقيقة، نتطلع إلى أن يكون السوق جزءا من كيان كبير تسهم مؤسساته على امتداد البلاد العربية والإسلامية، في تحقيق نهضة حضارية قوامها الإنسان «القوي الأمين»، قويا بعلمه وثقافته، وتمكنه العملي في كل ما يعمل، مدربا بشكل جيد، ماهرا فنيا، متعافيا بدنيا، وقادرا على أداء مهماته بإتقان، يتميز بتقواه وصدقه وأمانته وتفانيه وتعاونه وإيجابيته وتفاهمه وتحمله المسؤولية، وبفكره الوسطى وبمبادرته ومشاركته الاجتماعية وطموحه وتفتحه الذهني. يقوم العمل أيضا على جعل السوق صورة مشرقة للنهضة الحضارية التي تعيشها المملكة في المجالات الاجتماعية والعلمية والاقتصادية، وهي نهضة تخطو ثابتة لنقل مجتمعنا السعودي إنسانا ومكانا إلى «العالم الأول»، متمسكا بالثوابت الدينية، ومنفتحا على العلوم والمعارف الجديدة، في آن.

* بين الأصالة والحداثة

* هل يمكن لسوق عكاظ الذي يستنهض تراثا يمتد مئات السنين في الماضي، أن يعكس صورة للثقافة والوعي المعرفي المعاصر؟

- بالتأكيد، هذه واحدة من أكثر الجزئيات التي حرصنا على معالجتها في سوق عكاظ، بأن نأخذ من الماضي أحسن ما فيه ونبني عليه ما ينفع حاضرنا ويفيد مستقبلنا. ولذلك حرص السوق على أن يحقق لزواره قيمة معرفية مضافة وأن يفتح لهم نافذة جديدة تتيح لهم إلقاء نظرة على المستقبل، في المجالات الثقافية والعلمية على حد سواء.

ولعل من المناسب الإشارة إلى أن سوق عكاظ سيشهد في هذا العام - لأول مرة - تنظيم برنامج «عكاظ المستقبل»، يركز على مستقبل الإنسان وتقديم الأفكار الثقافية والفنية والتقنية الجديدة، ويشتمل على ندوات ومعارض ويخصص له جزء من جادة عكاظ، إلى جانب تكريم المتميزين والمبدعين علميا وتنظيم معرض «الإبداع والابتكار»، وقد استحدثت هذه السنة أيضا جائزة جديدة للإبداع والتميز قيمتها 100 ألف ريال.

وكذلك يشهد السوق للمرة الأولى معرض «الكتاب الإلكتروني»، كما يتضمن البرنامج الثقافي للسوق عناوين مستقبلية، إذ خصصت اثنتان من ندواته لمناقشة قضيتي «الإعلام وتحديات المستقبل»، «والخطاب الأدبي في عصر المعلوماتية».

* ألا تخشون في ظل غياب قوة حراك ثقافية محلية أن يتحول السوق إلى مجرد إعادة إنتاج الماضي بقوالب جديدة؟

- الحركة الثقافية المحلية بحاجة إلى قوى دفع تحفزها على التفاعل والتسارع، وبالطبع فإن سوق عكاظ يسعى لأن يكون إحدى قوى الدفع هذه عبر جوائزه وبرامجه واستقطابه الأسماء الثقافية الفاعلة محليا وعربيا للمشاركة، وإتاحة الفرصة للمثقفين السعوديين والعرب للاجتماع والتواصل، مما يضيف إلى الساحة المعرفية المحلية، ويحقق الحراك الثقافي المنشود، ولعلك توافقني على أن أي قوة فاعلة في المشهد الثقافي ليس بإمكانها إعادة قولبة عقل الفرد أو المجتمع وإخراج نتاجه الثقافي والأدبي في قوالب جديدة جوهرا ومظهرا، لكن هذا العقل حتما يتأثر بما يتعرض له من الخارج، ونشاطات السوق توفر الحافز لتحديث الإبداع في كل المناشط بالتشجيع الدائم والمستمر على التجديد في العطاء ليكون السوق بذلك أحد المؤثرين والمشجعين على الإبداع والتحديث في العالم العربي، ومنذ البداية.. قامت استراتيجية السوق على ألا يُختصر على محاكاة الماضي فحسب، وإنما يكفل كذلك النظرة إلى المستقبل ومحاكاة القادم.

* تصوركم عن السوق له أبعاد اقتصادية وتنموية وإنتاجية كاملة، وهناك الآن اتجاه لبناء خيمة ضخمة متعددة الوظائف كمقر دائم للسوق، هل يمكن المراهنة على إمكانية تحويل الثقافة والتراث إلى قوة استثمار ناجحة؟

- لا يعول على استثمار سوق عكاظ لتحقيق عوائد مالية للسوق فحسب، هذا هدف ثانوي في قائمة الأهداف والطموحات، وبل نسعى جاهدين للاستثمار في بناء الإنسان، وأن نمكنه من الاستفادة من السوق اقتصاديا، إلى جانب استفادته ثقافيا ومعرفيا واجتماعيا.

لذلك، يركز السوق على تحقيق عوائد اقتصادية مجزية للمجتمع المحلي من خلال المبادرات والأفكار الجديدة.. وهناك مشروع متكامل للسوق تشرف عليه الهيئة العامة للسياحة والآثار، هدفه إنشاء مدينة متكاملة لعكاظ تشمل جميع متطلبات زائر الطائف من فندق ومنتجع وقاعات ومراكز ترفيهية، وهذا بدوره سيساهم عند تنفيذه في عوائد اقتصادية جيدة لسكان الطائف.

وفضلا عن ذلك كله، فالسوق ناد عربي يلعب دورا مهما في التواصل بين المبدعين العرب.

* حجب جائزة الشعر

* فوجئنا هذا العام بحجب جائزتي الشعر عن جوائز «سوق عكاظ»، وهناك أكثر من تفسير تم تقديمه، لكنكم كأحد رعاة الثقافة وكشاعر، ألا ترون أن غياب الجائزة مهما كانت الأسباب يفرغ المهرجان من أهم مضامينه؟

- حجبت الجائزة ولم يحجب الشعر، فلدينا في هذا العام برنامج ثقافي حافل، من أبرز أنشطته الأمسيات الثقافية بمشاركة مجموعة من الأسماء الشعرية المتميزة في عالمنا العربي.

أما جائزة «شاعر عكاظ» وشقيقتها الصغرى جائزة «شباب عكاظ» فستعودان في العام المقبل - بإذن الله - أكثر قوة وحضورا، سواء في الجوانب التنظيمية في ما يخص لجنة الجائزة وعضويتها وآليات عملها، أو في أعداد المتنافسين وأسماء الفائزين بها.. كما أن لدى السوق هذا العام مسرحية متكاملة عن الشاعر زهير بن أبي سلمى وفقرة فنية وندوة عن شعره.

* هل كانت الأعمال الشعرية التي تقدمت للجائزة، أقل مستوى أم أن الشعراء البارزين أحجموا عن المشاركة، كيف يغيب شعراء العرب عن جائزة بهذا المستوى؟

- قلت في المؤتمر الصحافي الخاص بإعلان أسماء الفائزين بجوائز عكاظ وأعود الآن لأؤكد أن حجب الجوائز لا يعني عدم وجود شعراء يستحقونها في الوطن العربي، لكن الأعمال المقدمة لم ترق إلى مستوى الجائزة.

وقد يتساءل بعض المثقفين بشكل عام والشعراء بشكل خاص عن السبب، وبكل صراحة أرى أن المثقف والشاعر العربي لا يسعى بنفسه إلى المنافسة على الجوائز، بل يتطلع لأن تبحث المؤسسات المانحة للجوائز عنه وتطلع على إنتاجه، وتضج بالشكوى ساحة الجوائز العربية من أن المؤسسات الثقافية لا تتفاعل مع دعوات الجوائز لها لترشيح المبدعين، وإذا تفاعلت لا تعطي أحيانا الجهد الكافي لفرز المستحقين الحقيقيين للفوز بالجائزة، كما قد يكون للظروف والأوضاع التي يمر بها العالم العربي الآن في قلة الترشيحات. وهكذا كل الاحتمالات واردة.

* في عصر مسابقات الشعراء، وشاعر المليون، من يتحمل مسؤولية غياب عمالقة الشعر عن جائزة «شاعر عكاظ»؟ ألا ترون أن هذه الجائزة بحاجة للتعريف عن نفسها لكي يصبح الفوز بها حلما يراود الشعراء؟

- دعني أوضح شيئا من تفاصيل، ما حدث في شأن حجب الجائزتين عله يجيب عن تساؤلات شارع المثقفين والأدباء والشعراء.

بعد اختتام سوق عكاظ أعماله في العام الماضي، بادرت اللجنة الثقافية إلى نشر إعلانات على صفحة كاملة في جميع الصحف المحلية وبعض العربية، كما قامت اللجنة بتصميم إعلان تعريفي بالجائزة على قناة «العربية»، وكذلك طلبت من الأندية الأدبية في السعودية كافة ومن وزارات الثقافة والمؤسسات الثقافية العربية تقديم ترشيحات الجائزة، كما وضع ملف كامل عن جوائز عكاظ على الموقع الإلكتروني الرسمي للسوق، يوضح آلية الترشيح وشروطه ومواعيده، وتم توزيع أكثر من 4 آلاف نسخة من الكتاب التعريفي عن الجائزة في العالم العربي.

ومع ذلك، لم تتلق اللجنة سوى عدد محدود من الترشيحات، وأكرر الأسف مجددا لأن جميعها لم ترق للمستوى المنشود.

والآن، يعاد النظر في الجوانب التنظيمية الخاصة بلجنة الجائزة وعضويتها وآليات عملها، ولكننا في المقابل نأمل من المؤسسات الثقافية والشعراء أن يتفاعلوا ويبادروا إلى ترشيح أنفسهم أو من يرونه أهلا للفوز بالجائزة، كما نرجو من الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية في المملكة والدول العربية أن تبادر بتقديم ترشيحاتها وتبذل للجائزة عنايتها.

وأؤكد للجميع أن تحكيم القصائد المرشحة لجوائز عكاظ يخضع لمعايير دقيقة وآليات صارمة تضمن حيادية الجائزة.

* المرأة في عكاظ

* أين هي مشاركة المرأة في سوق عكاظ؟ ما المساحة التي يرسمها السوق للمرأة المبدعة، شعرا ونثرا وفنا، وتنظيما ومشاركة وحضورا؟

- المرأة كانت - وما زالت - موجودة في سوق عكاظ منذ عامه الأول إبداعا ومشاركة وحضورا، ولم تغب عنه إطلاقا، فالبرنامج الثقافي للسوق وبرنامج «عكاظ المستقبل»، يتضمنان عددا كبيرا من الأسماء النسائية سواء المشاركات في الفعاليات أو المدعوات للحضور.. كما أن المرأة حاضرة بقوة في جادة عكاظ، من خلال عروض الحرفيين والأسر المنتجة.

وبالطبع، فإن أبواب سوق عكاظ مفتوحة لجميع الزوار الراغبين في حضور أنشطته وبرامجه، بلا أي تمييز بين الرجال والنساء، فالهدف من السوق تنمية المجتمع بأكمله، ولا جدال في أن المرأة نصفه.

* المثقف السعودي

* شاهدنا أن الحدث الثقافي في سوق عكاظ يعبر الحدود عبر مشاركات الشعراء العرب في مسابقاته وبينهم شاعر عكاظ العام الماضي اللبناني شوقي بزيع، لكنه على الصعيد الداخلي لا يزال بحاجة إلى توطيد التواصل مع المثقفين المحليين، هل لديكم توجهات في هذا الشأن؟

- سوق عكاظ حريص جدا على أن يعطي المساحة الأكبر في المشاركة والحضور للمثقف السعودي، فجائزة عكاظ متاحة بالطبع للشعراء السعوديين، كما تم استحداث جائزة «شباب عكاظ» للشباب السعودي، وكما يلاحظ فإن المثقف السعودي دائم الحضور والمشاركة في السوق بكثافة عاما بعد آخر، وهذا ما تثبته قوائم المشاركين في الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية والثقافية وفي غيرها من الأنشطة.

أما عن مشاركة المثقف العربي، فلا شك في أنها حيوية ومهمة، وتزيد من حضور السوق وانتشاره عربيا، وتعزز قيمته ومكانته، كما تجسد تطلعه إلى تسجيل حضوره كمشروع حضاري سعودي المنطلق عربي الهوية، وهذه المشاركة توظف أيضا لخدمة الداخل الثقافي.

* والسوق يخرج من بوتقة التأسيس مع دورته الحالية. إلى أين يتجه في المواسم المقبلة؟

- يجري العمل في سوق عكاظ عاما بعد آخر، وسقف الطموح يطاول الانتشار عالميا، بعد أن نكون أسسنا قاعدة من النجاح والتميز على النطاق المحلي أولا والعربي ثانيا. لكن هذا الانتشار الحلم لن يتحقق في العام أو العامين المقبلين، ولا دون مشاركة حقيقية وفاعلة من المثقف السعودي ومتابعة دقيقة من الإعلام المحلي، هذا ما يجب أن يدركه الجميع. ولا يزال السوق يستكمل أعماله الإنشائية، ويتدرج في تطوير أنشطته وبرامجه، ويتوسع بحذر في الانفتاح على مجالات جديدة، ويحرص عاما بعد آخر على استقطاب المزيد من القامات الثقافية العربية، ليحقق قيمة مضافة للسوق والمشاركين فيه، ولزائريه أيضا.

* هل ثمة اتفاقيات وربط بمؤسسات ثقافية إقليمية وربما دولية، وهل سيكون هناك انفتاح على شعر وتجارب الشعوب الأخرى؟

- كما أشرت في إجابة سابقة، طموح سوق عكاظ سيتفاعل تدريجيا، والانفتاح على تجارب الشعوب الأخرى ضرورة ملحة، ومحل عنايتنا انطلاقا من أن الثقافة والأدب والفكر والعلوم مشتركات إنسانية، وخلاصة تجارب الشعوب وحصيلة تطورها، وأن الاطلاع عليها يفيد ولا شك في تنمية الإنسان وزيادة معارفه.

ومجتمعنا السعودي يمثل أحد المجتمعات الوارثة للحضارة الإسلامية، التي ما وصلت إلى الازدهار المعروف عنها إلا بانفتاحها على بقية حضارات العالم السابقة والمعاصرة لها، حيث لم ينغلق المسلمون الأوائل، وعلينا نحن ألا نفعل.

فلا سبيل لنا في مشروعنا الحضاري إلا أن ننفتح على الشعوب الأخرى ثقافيا وعلميا وفكريا، ونتعامل معها بإيجابية، فننقل منها ما يفيدنا - فحسب - ونزيد عليه ونطوره، لنبني حضارة إسلامية جديدة عمادها الإنسان القوي الأمين.