ماذا حدث في البحرين؟

الطويان يقدم قراءة «في عين العاصفة»

غلاف الكتاب
TT

الهدف الرئيسي من كتاب «أيام في البحرين» لأحمد محمد الطويان، الذي صدر مؤخرا عن «طوى» للنشر والإعلام، هو «كشف حقيقة ما يجري في هذا البلد»، حسب ما جاء في المقدمة. والأمر يتعلق بقضية الطائفية التي يروج لها «عدد من الطامعين في تمزيق الأوطان لحسابات طائفية ضيقة ومصالح خاصة باتت معروفة للجميع»، والتي «لا تستهدف البحرين وحدها، وإنما الخليج كله». ومعرفة المؤلف الجيدة بالبحرين، كما يقول، تؤهله لتقديم شهادة موضوعية، مستندا إلى التاريخ الحديث لهذا البلد، وقراءة الواقع المعاصر. يقول الطويان: «من يراجع معي تاريخ البحرين سيدرك أن كل الطوائف والجماعات تعايشت دوما معا في قدر كبير من الوئام على هذه الأرض الطيبة، لتصبح البحرين نموذجا يحتذى في التعايش والمحبة بين طوائفها ومكونات شعبها، واحترام كل طائفة للأخرى، واحترام كل جماعة للأخرى»، منذ تشكل المجتمع البحريني الحديث بعد عام 1932، لتكون البحرين أول منطقة في الخليج يكتشف فيها الذهب الأسود. وأدى ذلك بالضرورة إلى ظهور طبقة جديدة ساهم نتاجها في تطوير المجتمع البحريني. وأدى التراكم الاقتصادي والاجتماعي شيئا فشيئا إلى حدوث تغييرات كبيرة في السنوات اللاحقة، توجت بإصدار مشروع ميثاق العمل الوطني، الذي قدمه الشيخ حمد بن عيسى بتحويل البلاد إلى مملكة دستورية لها برلمانها المنتخب، وجهازها القضائي المستقل.

يقول المؤلف: «لقد عزز ميثاق العمل الوطني جهود التحديث، مما ساهم في توسيع المشاركة الشعبية، وإشراك المرأة بشكل فاعل في الحياة السياسية، إذ نص الميثاق على حقوق البحرينيات السياسية كاملة ترشحا وانتخابا، ومساواتهن بالرجل في جميع ميادين الحياة، من دون الإخلال بمبادئ الشريعة الإسلامية».

كل ذلك أدى إلى زيادة تماسك اللحمة الاجتماعية بين مختلف مكونات المجتمع البحريني، وتواكب ذلك مع تطور الإعلام على مختلف المستويات والاتجاهات من خلال صدور أعداد جديدة من الصحف تتناسب مع كل أطياف المجتمع البحريني وتنوعاته ونسيجه الاجتماعي. والأرقام تبين الحقيقة. ابتداء من 1999، تاريخ تولي ملك البحرين مقاليد الحكم، زاد عدد الصحف من أربع صحف يومية إلى 14 صحيفة يومية وأسبوعية حتى عام 2010، أي بإضافة عشر صحف جديدة في 11 عاما، حسب الكتاب.

اقتصاديا، يورد المؤلف معطيات موثقة.. «تعتبر البحرين الدولة الأسرع تقدما في العالم العربي، بحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في يناير (كانون الثاني). وجاءت البحرين، وفقا لـ(تقرير درجة الحرية الاقتصادية)، الذي أعلن في مطلع عام 2011، من ضمن المراكز العشرة الأولى في المؤشر، الذي يضم 183 دولة حول العالم، متقدمة بثلاثة مراكز نسبة إلى موقعها السنة الماضية، وعلى بعد موقع واحد خلف الولايات المتحدة، وستة مواقع أمام بريطانيا. والبحرين الدولة الوحيدة المستديمة على قائمة العشرين الأوائل هذه منذ إطلاقها عام 1995 على المستوى العالمي». ويظهر التقرير نفسه، أن البحرين هي «الدولة الأولى ضمن الدول العشر على قائمة المؤشر في مجال تحسن النقاط التي تسجلها على المؤشر (إذ تحسنت نقاطها بمعدل 104 نقاط من 7707 نقاط إلى 100)». أما بالنسبة إلى المجتمع المدني، فقد «اتسم بكونه أكثر اتساعا وتنوعا من دول المنطقة، من حيث عدد المؤسسات ومجالات الأنشطة، إذ إن هناك مؤسسات خيرية وتطوعية وثقافية بالإضافة إلى الجمعيات المهنية والنقابات والاتحادات العمالية والطلابية المختلفة». وتمتلك هذه المؤسسات «القدرة على التأثير في توجهات الرأي العام وبعض القرارات والسياسات الحكومية، كما أن خطابها يغلب عليه الطابع المطلبي الحقوقي، وهو ما يجعله أقرب إلى الخطاب السياسي الاجتماعي الناقد والساعي إلى تطوير الواقع». إذن، ما الذي حصل حتى تحولت حالة البحرين، المتآخية المتناغمة مع نفسها، إلى «حالة حرب»، حسب تعبير المؤلف؟ في رأي الطويان، أن ما حدث ليس ثورة شعب، ولا مظاهرات مطلبية، وإنما محاولة لفتح المجال للراديكالية الطائفية على حساب العقلانية والمواطنة، والأمر كله «كان أكبر من مجرد معارضة ومطالب مدنية مشروعة. كان الهدف الحقيقي ببساطة افتعال فوضى إقليمية، وفي غبار هذه الفوضى يتحرك الطامعون بهدف فرض وقائع جديدة على الأرض، تغير معادلات القوة في الإقليم».

إن هناك، كما يضيف، قوى معارضة لها صلات خارجية وتصر إصرارا كبيرا وبلا حدود على الاستقواء بالخارج، مما تسبب في إرباك الموقف، وإشعال نار الفتنة، وتصعيد الأمور. وهذا لا ينفي أن هناك ثغرات تسلل منها مشعلو الفتنة.

وهذا ما تنبهت إليه قطاعات واسعة من المجتمع البحريني، فدعت إلى سد هذه الثغرات من خلال «إحداث الإصلاح الجذري، وإزالة عناصر التفرقة والعنصرية، ومحاربة الفساد المستشري، وإتاحة فرص التوظيف، وحل مشكلة السكن، وتعزيز قيمة المجتمع المدني، والبعد عن القبلية والطائفية».