شباب الربيع العربي

كتاب جماعي عن «ظاهرة العنف الجامعي»

غلاف الكتاب «الشباب وعالم جديد» مجموعة من الباحثين مراجعة وتقديم: تيسير أبو عرجة مؤسسة «عبد الحميد شومان» - الأردن
TT

يحتوي هذا الكتاب على خلاصات فكرية مهمة، نتجت عن ندوة تحت عنوان «ظاهرة العنف الجامعي»، شاركت فيها مجموعة من الباحثين والمحاورين.

وتم التركيز على الشباب من زوايا متعددة، تجمع على الحرص على إطلاق طاقات الشباب وقدراتهم، في مناخات علمية ملائمة، خصوصا في هذا الربيع العربي الذي انطلق في مشرق الوطن العربي ومغربه، معبرا عن أمة شابة تحاول أن تستعيد عافيتها وألقها لتتمكن من حاضرها، وتتطلع إلى مستقبلها لتثبت حضورها على خريطة العالم المعاصر.

لقد ارتبط هذا الربيع العربي بالظهور القوي للشباب، وبالمناداة بالتغيير، والسعي إلى رفع الغبن والظلم والتهميش. يساعدهم في ذلك عصر إعلامي معلوماتي يتوسع، ومعرفة متشعبة واسعة تتفجر، وانفتاح على العالم المعاصر بلا حدود، وتواصل يتخذ أشكالا غير مسبوقة في التنوع والحداثة، وإمكانية التعبير الذاتي عن الأفكار والآراء، عبر المواقع والصحف الإلكترونية والمدونات ووسائل النشر الشخصي والتواصل الاجتماعي.

لقد نبه هذا الواقع الجديد على أهمية القطاع الشبابي الحيوي، الذي يفرض تغييرا جذريا في مناهج التعامل معه، والبحث عن كيفية إطلاق واستيعاب قواه الكامنة وقدراته الخلاقة، خصوصا أن هذه الجموع الشابة خرجت تنادي بالتغيير، بعد عقود من التجاهل والنكران، وأرهقها الترفع عن الاقتراب من عالم التفاعل والحياة، وقد حصدت الكثير من التنظير والدوران على تخوم المسألة، دون الدخول إلى جوهرها والمشاركة في عواملها وتفاعلاتها، في صياغة الحاضر والمستقبل.. هذه الحشود تعلن عن عالم جديد يولد لأمة تعود لها روحها، وتجدد شبابها، وتصعد بآمالها، وترتقي بتطلعاتها.

وأكثر ما يوجع هذه القطاعات الشابة هو العودة إلى تكرار المشكلات والتنظير لها وإيراد التوصيات، دون الوصول إلى حلول تداوي التمزقات النفسية وتجابه العوارض الاجتماعية التي يتم التعبير عنها بالعنف الجامعي، أو العنف المجتمعي.

يقول الدكتور عادل الطويسي، رئيس الجامعة الأردنية، إن «ثمة اتفاقا على أن العنف ظاهرة اجتماعية عُرّفت بأنها أي سلوك جسدي أو لفظي يؤدي إلى إيذاء الآخرين. وهي ظاهرة لا بد من تشخيص أسبابها لوضع الحلول لها. لكن يُطرح السؤال: هل العقوبات كافية للقضاء على ظاهرة العنف الجامعي، أم لا بد من ممارسة الجزء الآخر من معادلة العقاب والثواب؟.. والثواب لا يعني بالضرورة أن نعطي الطلبة أشياء مادية حتى يصبح ثوابا، بل إن ذلك يتحقق بالبرامج التي تفيدهم في سلوكياتهم وتؤدي إلى تطوير مفاهيمهم وتعزيز بناء شخصيتهم، وتطوير إحساسهم بمواطنيتهم بحيث يحافظون على المؤسسة التي تقدّم لهم العلم، ويحترمونها».

أما الدكتور عبد الرحيم الحنيطي، رئيس جامعة مؤتة، فيرى أن أسباب العنف الجامعي تشمل أسبابا اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، ويمكن تلخيصها في التالي:

- تغليب الانتماءات الضيقة العشائرية والجهوية على المواطنية.

- التغيير الذي طرأ على التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة، حيث إنها الركيزة الأولى التي يتعلم منها الفرد أنماط السلوك والتصرف، وقد أدى انشغال الأسرة بالمشاكل الاقتصادية إلى إهمال دورها التربوي.

- وجود حواجز ومعوقات اجتماعية واقتصادية وسياسية تحول دون طموحات الشباب وتفريغ طاقاتهم في أعمال إيجابية.

- فقدان الشعور بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتفشي البطالة.

- أسس القبول الجامعي التي تزج بالأعداد الكبيرة من أبناء التجمعات القريبة في الجامعة ذاتها وعدم توزيعهم على الجامعات المختلفة لخلق مزيج شبابي وطني.

- الفراغ عند الطلبة، وشعور بعضهم بأنهم فوق القانون.

أما المقترحات والحلول فيرى الدكتور الحنيطي أن معالجة العنف الجامعي لا يمكن أن تتأتى من منظور عقابي فقط، ومن خلال تغليظ العقوبات التأديبية، بل يجب أن يكون للإجراءات الوقائية الدور الأكبر من خلال تضافر كل جهود مكونات المجتمع من الأسرة والمدرسة والجامعة والمجتمع، وذلك لحث الطلبة على الانخراط في برامج نافعة تحول دون وقوع الأحداث وتفاقمها. وأهم الحلول التي اقترحها:

- مساعدة المدارس لوضع برامج للارتقاء بالتنمية الاجتماعية للطلبة، كنشر ثقافة التسامح والتعاون.

- إعداد برامج تثقيفية للأسر لاعتماد لغة الحوار والتدرب عليها وغرس قيم التكافل واحترام الغير.

- توفير وتدريب الشباب على وسائل الحوار والاتصال للتعبير عن آرائهم السياسية والثقافية وإتاحة لقاءات مستمرة مع مسؤولي المجتمع المدني.

- تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين فئات المجتمع وفرض سيادة القانون.

- الاهتمام بالإعلام ووضع برامج إعلامية هادفة.

- تفعيل مسؤولية الجامعات، التي لا تقتصر على الناحية الأكاديمية فقط، بل تتعداها نحو التغيير والإصلاح والتربية وصناعة القيم، من خلال سياسة المشاركة الجماعية وحرية الرأي والتعبير لدى الطلبة، ومحاربة الواسطة والمحسوبية. وتنظيم لقاءات جماعية للطلبة الجدد لتوجيههم نحو المفاهيم والقيم التي تربطهم بالجامعة والمجتمع المدني الذي يعزز الانتماء الوطني ويعيد صياغة شخصية ثقافية مدنية بعيدة عن الانتماء العشائري الأعمى.

أما الدكتور إبراهيم عثمان، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، فيرى أن «العنف أو السلوك العدواني هو من الخصائل المكتسبة التي يمكن التغلب عليها من خلال تهيئة الظروف المناسبة. وقد يكون من عوامل وجود مثل هذا العنف أن الطالب يأتي إلى الجامعة ويبقى ضمن مجموعة من أعضاء الجماعة التي ينتمي إليها بالطبيعة. ويندر أن تهيئ الجامعة الظروف المناسبة لنقل هذه الروابط الطبيعية إلى روابط مدنية. وهذا ما يحول الفعل الفردي إلى فعل جماعي وبالتالي إلى عنف جماعي. كما أن سياسات التمييز تعكس مسألة الاحتواء مقابل الإقصاء. ومثل هذه السياسة، في الواقع، تؤدي بالذي يُحتوى إلى ألا يفكر ولا يختار بنفسه، وهو يعرف أن أفعاله لن يعاقب عليها فيقوم بأعمال مخلة بالنظام. والمُقصى يشعر بالإحباط والتهميش، وهذا ما يؤدي إلى السلوك العدواني».

أما الدكتور سالم ساري، أستاذ علم الاجتماع جامعة فيلادلفيا، فيرى أن «العصبيات تبني سلطات، لكنها لا تبني وطنا يتجاوزها. فالذي يجري في مجتمعنا أنماط متعددة من العنف والتعصب والتوتر، من العنف الفردي والجمعي، إلى العنف الأسري والشبابي، ومن العنف العشائري إلى العنف المؤسساتي، وألوان متباينة الحدة والتأثير من العنف الموضوعي والرمزي، وعنف الشوارع والشجارات والاحتجاجات، إلى عنف النظم والمؤسسات في الخطاب واللغة والرموز والكلمات والدلالات. فأنماط العلاقات والتفاعلات اليومية مجالات للتوتر (البارز والكامن) والعنف (الموضوعي والرمزي) والانفجار (الفعلي والممكن). فهل يمكن أن يوصف مجتمعنا بأنه: عنف الكل ضد الكل».

ويرى الدكتور ساري أن للعنف الفردي دوافع نفسية ذاتية داخلية، وللعنف الاجتماعي أسبابا مجتمعية خارجية، وهناك تفاعل دائم بين الفردي والاجتماعي والذاتي والموضوعي. أما عن أسباب تنامي ظاهرة العنف المجتمعي فيرى أنها تعود إلى «ضعف الوازع الديني والأخلاقي، وغياب دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية، وضعف الروابط الاجتماعية، وتغير مجموعة القيم والعادات والأخلاق، وبروز وتفشي ظاهرة النخوة، والبطالة. ومن الأبعاد والمظاهر التي تميز العنف المجتمعي المبالغة في ردود الأفعال والعصبية، والتطاول على القانون، والاستخدام الكبير للأسلحة النارية». ويضيف «يستدل من الدراسات جميعا أن مجتمعنا لا يشهد عنفا فرديا، وإنما هو عنف جمعي مشترك. الإشكالية، إذن، ليست ببساطة عنف أفراد منعزلين، وإنما هي عنف بنيوي لنظم ومؤسسات ممتدة اجتماعيا. ومن الطرق الملتوية التي تتيه فيها الجهود البحثية التركيز على شكليات دون مضامين:

- عنف الجماعات الاجتماعية، وليس عنف النظام الاجتماعي القائم نفسه.

- عنف التلاميذ والطلبة، وليس عنف النظام التعليمي العلمي المتجمد كله.

- عنف السياسات الأمنية الوطنية، وليس عنف السياسة العالمية برمتها.

- عنف الخطاب الإعلامي، وليس عنف الاتصال الكلي الجديد.

العنف لا يولد ولادة في أي مجتمع، وإنما يصنع فيه صنعا. ويكون نمطا ثقافيا شأنه شأن الأنماط الأخرى للانحراف الاجتماعي، لكنه يرتبط بثقافة فرعية - ثانوية - لبعض الجماعات الدينية المذهبية، العرقية الإثنية، الوظيفية المهنية، أي يرتبط إلى حد كبير بثقافة مجتمعية كلية. لذلك يجد مكانه الأوسع في الثقافة الشعبية المبنية على ثقافة تاريخية قبائلية تقوم على العنف، والعنف الجديد ليس مفارقة وإنما مطابقة لتاريخ القبيلة العربية. وثقافة انتقامية ثأرية، وتعيد القبيلة اليوم إنتاج هذا النمط في ما يسمى (جرائم الشرف).. ثقافة منغلقة على ذاتها تضخم ذاتها وتتجاهل حقيقة أن أسوأ أعدائها هو ذاتها.. ثقافة التصاقية لا تتيح للفرد الابتعاد عن تأكيداتها، ولا تشجع على الاستقلالية وإنما الاندماج فيها.. وتتبعها الثقافة الحمائية التي تقدم لأفرادها الرعاية والحماية مقابل التبعية والخضوع.. ثقافة تآمرية تملأها عقلية الشك التي تنبذ التجديد في العادات والتبديل في العلاقات والتفاعلات. هذه الثقافة الجمعية للعنف لم تنغرس في قلب الثقافة المجتمعية السائدة، لكنها تمتد وتتشكل وتتحول. فالعنف الجمعي لا ينمو إلا حيث تكون هناك مجتمعية للعنف وتربتنا خصبة. فليس علينا أن نعالج الجوانب المشخصة فقط، بل يجب البحث عن الملامح غير المشخصة التي يصمت الباحثون عنها: العنف، الفقر، القهر، الاستبداد. فهذه إشكالية تنموية في العمق تثير كثيرا من الأسئلة التي على الباحثين الإجابة عنها وإيجاد الحلول لها قبل تفاقمها».