السعودية.. مسرحيون بلا مسرح

من ضعف التمويل إلى عدم الإيمان بدوره

جانب من عرض مسرحي سعودي
TT

ما إن تفتح سيرة المسرح السعودي، حتى يتدفق الحديث عن الهموم التي يحملها المسرحيون فوق أكتافهم، بدءا من غياب استراتيجية للعمل الثقافي الوطني، وانعدام التمويل، وضعف المؤسسات الحاضنة، وانتهاء بانعدام البنية التحتية التي تجمع شملهم وتتيح لهم تقديم عمل فني أمام الجمهور، فحتى الآن لا تملك كبريات المؤسسات الثقافية مسرحا صالحا لتقديم العروض.

مسرحيون سعوديون، يعيدون في التحقيق التالي سرد العقبات التي يواجهونها:

* الهذيل: غياب الأرضية

* في البدء، يقول أحمد بن عبد الرحمن الهذيل، رئيس مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين: «إن أهم التحديات التي تواجه المسرحيين السعوديين بصفة عامة، وجمعية المسرحيين السعوديين بصفة خاصة، هي عدم وجود أرضية يمكن أن يقوم عليها مسرح حتى هذه اللحظة، في ظل وجود دعم محدود من قبل الجهات المسؤولة عن المسرح (وزارة الثقافة والإعلام)، ومع استمرار غياب البنى التحتية التي يمكن أن يقوم عليها مسرح حقيقي».

ويبين الهذيل أن هناك تحديات أخرى تتعلق بعدم وجود دور عرض مسرحي بمواصفات مهنية، وعدم وجود معهد أو أكاديمية متخصصة، كما هو سائد في الدول الأخرى، وإنّ ما يتوفر من دورات أو ورش عمل قصيرة وغيرها حتى الآن غير كافية، ولا تصل إلى الجميع.

وعن النظرة الاجتماعية السلبية للمسرح، يرى الهذيل أن هذه النظرة ما زالت قائمة، ومن الصعب أن تتغير ما لم يوجد حراك مسرحي متواصل يستهدف جميع العقول ويتحاور معها بلغة مفهومة تستوعب أهمية دوره وتتقبله.

وعن مسؤولية جمعية المسرحيين السعوديين، يقول الهذيل: «إن هذه ليست إلا جهة إشرافية تنظم الحراك المسرحي، وفق ما تنص عليه لائحتها التنظيمية التي تأسست وفقها، والجمعية ليست جهة إنتاجية كما يظنها البعض، وقد قدمت الكثير من الأنشطة وفق ما توفر لها من دعم مالي من وزارة الثقافة والإعلام».

وشدد الهذيل على ضرورة وجود شراكة مؤسساتية مع القطاعات الاستثمارية، من خلال الدخول معها في حوار مبني على الجدوى الاقتصادية التي يبحث عن مردودها أي مستثمر.

* العسيري: لا غياب للمسرحيين

* من جانبه، ينفي عبد العزيز العسيري، أمين جمعية المسرحيين السعوديين، بشدة، غياب المسرحيين السعوديين عن الساحة الثقافية، مبينا أن تهمة غياب المسرح عن الحياة الثقافية تهمة باطلة ومجحفة، مؤكدا أن الواقع يقول إن المسرحيين السعوديين موجودون طوال العام بما يقدمونه من أعمال مسرحية ودورات تدريبية ومحاضرات وندوات وورش عمل، كلها تخدم النشاط المسرحي بشكل عام، إلا أنه أنحى باللائمة على محاولات يقودها البعض (على حد تعبيره)، هدفها تغييب المسرحيين ونفيهم من المشهد الثقافي، وقال إن هذه المحاولات تلقى مباركة من بعض وسائل الإعلام وبعض المتحكمين في مفاصل الفعل الثقافي.

ويعتقد العسيري أن ضعف البنية التحتية، ليست رؤية فردية لبعض المهتمين بالشأن المسرحي بل هي محل إجماع، موضحا أن هذا هو الواقع المرير الذي يعيشه المسرح السعودي.

ويرى أن أهم التحديات التي تواجه المسرح وصناعته في السعودية، تتمثل في كيفية انتزاع الاعتراف الفعلي بالواقع المسرحي الذي بناه المسرحيون بجهودهم الذاتية من قبل المؤسسات الرسمية المعنية والمهتمة بالثقافة. يأتي هذا التحدي، بحسب العسيري، إلى جانب الحاجة الماسة لبناء قاعات مسرحية يمارس عليها المسرحيون نشاطهم اليومي، وليست مرتبطة بالعرض أو بروفات ما قبل العرض التي لا تتوفر إلا بشكل موسمي، أو عندما يرغب البعض في توفيرها، كما تبرز الحاجة الماسة، كما يضيف، إلى إنشاء معهد أو قسم أكاديمي لتدريس المسرح، في ظل إيمان المسرحيين بجدوى منجزهم الإنساني والاجتماعي الذي صنعوه.

وهو يؤكد أن الفترة الراهنة ستشهد حضورا مسرحيا قويا في المجتمع السعودي، مدللا على قوله «بالعروض المسرحية المنتشرة في كل مكان والحضور الجماهيري من الجنسين وكثافة عروض مسرحيات الأطفال التي هي مقياس حقيقي وشفاف لعلاقة المسرح والمجتمع، وزاد بأنه لا يمكن تجاهل وجود فرق مسرحية نسائية تقدم عروضها السنوية في كل مكان وترتحل من مدينة لأخرى».

ويرى العسيري أن ما تقوم به وزارة الثقافة والإعلام لإنجاح المسرح السعودي غير كاف، مبينا أن الوزارة تعلم ما عليها القيام به، وأن ترديد هذه العبارة في رأيه أصبح مملا وأحيانا غير مجد.

* السعيد: صناعة المسرح لم تنضج بعد

* من ناحيته، أكد علي السعيد، مؤسس الأرشيف السعودي، أن وجود المسرحيين في الساحة الثقافية مطلب مهم، ولكن تقدير وجوده من عدمه أمر يصعب قياسه بالمفهوم السابق للثقافة التي تنحصر في الأندية الأدبية أي الساحة الأدبية، مبينا أن الساحة الأدبية في واقعها الحالي متسعة ومتنوعة، فهي المسرح وشاشة التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، والمسرحيون في السعودية موجودون وبشكل مؤثر في معظم تلك القنوات، ناهيك عن أن طبيعة العمل المسرحي والدرامي (بروفات طويلة وعروض ومواقع تصوير.. إلخ) تجعل المسرحيين منهمكين أكثر في إنتاج أعمالهم عن الوجود في الساحة الثقافية.

ويقر السعيد بأنه ما زالت البنية التحتية للمسرح السعودي ضعيفة، وخصوصا لدى المؤسسات التي تعنى بالمسرح بشكل مباشر، كجمعيات الثقافة والفنون وجمعية المسرحيين ووزارة التربية والتعليم، لافتا إلى أن الجامعات فقط هي التي تكاد تكون هي الوحيدة التي لديها منشآت مسرحية.

ومع ذلك، يرى السعيد أن التأهيل الأكاديمي للمسرحيين في السعودية منعدم؛ فمن حصلوا على تأهيل أكاديمي قلة، ولم يتم الاستفادة منهم كثيرا، لأنهم يمارسون أعمالا إدارية ولا يوجد مبتعثون يدرسون في هذا التخصص (المسرح بمختلف جوانبه)، إلا شخص أو شخصان، وهذا رقم مخيب للآمال.

وأما على صعيد التحديات التي تواجه المسرح وصناعته في السعودية، يعتقد السعيد أنه لا بد من توالد إيمان حقيقي من قبل المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام عن أهمية المسرح ودوره وأثره، وكذلك المسؤولون في وزارة التربية والتعليم، عن دور المسرح المدرسي كمكون رئيسي ضمن المنهج الدراسي، مع أهمية ترجمة هذا الإيمان إلى برامج عمل، مثل تهيئة قاعات عرض مسرحية مناسبة، تأهيل المعلمين في مجال المسرح المدرسي، توفير بعثات من قبل وزارة الثقافة والإعلام للمسرحيين، وإقامة دورات وورش تأهيلية متخصصة في مختلف جوانب المسرح عالية المستوى.

* البقمي: مسرح أفراد

* إلى ذلك، يقول الناقد المسرحي نايف البقمي أن المسرحيين السعوديين مغيبون، وليسوا غائبين عن الساحة الثقافية، مبينا أن الكثير منهم لا يتم توجيه الدعوة له لحضور البرامج والفعاليات الثقافية التي يتم إقامتها في الكثير من المؤسسات الثقافية، وعلى رأسها معرض الكتاب وسوق عكاظ.

ويرى البقمي أن السؤال ينبغي أن يوجه للمثقفين السعوديين عن سبب انقطاعهم عن النشاط المسرحي، وتساءل: ما سبب بُعد المثقفين عن المسرح؟

ويقول البقمي إن المسرح السعودي «لم يتجاوز مرحلة السباعي على مستوى التكوين البنائي الهندسي، وإن كنا تجاوزنا ذلك فيما يقدم على المستويين النوعي والكمي)، وأضاف أن «المسرحيين يقدمون مسرحهم بلا مسرح، وفي السعودية لا يوجد قاعات مهيأة للفعل المسرحي والمسارح المتوفرة تكون تحت مسؤولية جهات ليست معنية بالمسرح، فوزارة الثقافة والإعلام تفتقد للقاعات المسرحية المهيأة لذلك باستثناء مركز الملك فهد الثقافي، مع العلم أن أجهزته بحاجة إلى التغيير والتطوير».

ويضيف: «البقمي أن هناك تحديات كثيرة تجعل من المسرح ليس مشروعا واضح الملامح على المستوى المؤسساتي، حتى مع وجود جمعية المسرحيين السعوديين. إن المسرح لن يكون كيانا مؤسساتيا واضحا إلا إذا كان أحد المشاريع المهمة للدولة، مثله مثل الجانب الأدبي من خلال الأندية الأدبية. ولا بد أن يكون هناك تنظيم واضح القوانين واللوائح والميزانيات المحددة له للنهوض به، من أهم التحديات الاعتراف الحقيقي بالمسرح على المستوى التنظيمي الوزاري والاجتماعي والإعلامي. إن المسرح السعودي مسرح أفراد إن حضروا حضر وإن غابوا غاب». وعلى مستوى الجيل المقبل، يعتقد البقمي أن هناك إيمانا بدور المسرح وأهميته في المجتمعات، مبينا أن هناك من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي من تسبب بهذا التأخر للمسرح السعودي، إلا أنه في الوقت الحالي يجد المتابعة من الشباب بشكل خاص. وعن دور جمعية المسرحيين السعوديين في صناعة مسرح حقيقي، يعتقد البقمي أن الجمعية قدمت ما في وسعها للمسرح، مبينا أنها تعمل في ظروف صعبة، منها أنها تعمل بلا ميزانية منذ زمن، وأنها نجحت على مستوى الأنشطة والفعاليات، إلا أنها أخفقت على مستوى التنظيم الإداري الجيد للجمعية وتنظيم العمل المسرحي في السعودية، ووضع الخطط والرؤى التنظيمية للمسرح والمسرحيين والاهتمام بالمسرح كمشروع.