أشجان هندي: إيقاع قصيدة التفعيلة يسرقني

قالت لـ «الشرق الأوسط»: البوح النسوي السعودي يعيش اليوم في مناخ يكثر فيه الأكسجين

أشجان هندي
TT

تعتبر الشاعرة والناقدة السعودية الدكتورة أشجان هندي التقسيمات الأدبية القائمة على التصنيف النسوي أو الذكوري مجرد دعاوى «جندريّة» بحتة، مؤكدة في الوقت نفسه أن البوح الإبداعي الذي تكتبه المرأة السعودية يعيش اليوم في مناخ يكثر فيه الأكسجين، وما على المبدعات إلا متابعة التنفس بهدوء وأناقة وعمق شديد.

هندي تقول في هذا الحوار لـ«الشرق الأوسط» في الرياض إن استعانتها بمجموعة كبيرة من الدواوين الشعرية لنحو 28 شاعرة في رسالة الدكتوراه، وقبلها لعدد من الدواوين الشعرية لشعراء في مرحلة الماجستير، علمتها أن الأسلوب الشعري المميز الذي يصنع بصمة كل شاعر أو شاعرة هو نتاج موهبة شعرية فذة صقلتها كتب التراث وأنضجها التعلّم والخبرة والانفتاح على العالم إنسانيا وإبداعيا.

* يقولون إن الإنسان ابن بيئته، فأين تظهر بيئة مدينة جدة في تشكلّ أدواتك الشعرية، وأين نلمس ذلك؟

- لا شك أن لمدينة جدة وأجواء الحجاز تأثيرا كبيرا في تشكيلي وفي تشكيل ذائقتي الشعرية وتلوينها بألوان الحارات العتيقة الطيبة، بأزقتها الضيقة، ورواشينها وأبواب منازلها الخشبية الغارقة في النمنمات والزخارف المنحوتة بعبق الزمن ورائحة المطر الحنون ورطوبة البحر التي تغرق فيها أحجار البيوت، وأصوات الدانات الحجازية الأصيلة التي تردد صداها في الكثير من قصائدي.

* يلاحظ أن دراستيك للماجستير والدكتوراه ركزتا على دراسة كم كبير من دواوين الشعراء.. إلى أي حد ساهم ذلك في صقل موهبتك الشعرية وإنضاجها؟

- دراسة الدكتوراه أو أي معلومة قرأتها أو خبرتها أو تلقيتها بأي شكل من أشكال التلقي أثرت في تشكيلي وفي شعري بالتأكيد. أحب اليوم الذي أتعلم فيه خبرة جديدة، فأنا مخلوقة لأتعلم كل يوم ومن كل شيء. دراستي لمجموعة كبيرة من الدواوين الشعرية لنحو 28 شاعرة في الدكتوراه، وقبلها لعدد من الدواوين الشعرية لشعراء في مرحلة الماجستير، علمتني أن الأسلوب الشعري المميز الذي يصنع الشاعرة أو الشاعر (البصمة) هو نتاج موهبة شعرية فذة صقلتها كتب التراث وأنضجها التعلّم والخبرة والانفتاح على العالم إنسانيا وإبداعيا.

* يلاحظ انشغالك بدراسات الشعر النسوي.. ما السرّ في ذلك؟

- هذا غير صحيح تماما، فعندما درست شعرا لشاعرات في رسالتي للدكتوراه كنت قبلها قد أصدرت دراسة تناولت مجموعة من الشعراء فقط. وهذا يؤكد أنني لا أنشغل كثيرا بهذه التقسيمات والدعاوى «الجندريّة» البحتة، فالكون كله وكما خلقه الله تعالى يقوم على صنفين، ذكر وأنثى، بعيدا عن انشغالاتنا بتحديده وتصنيفه وفقا لأمزجتنا.

* يلاحظ أن قصيدة التفعيلة هي المهيمنة في ديوانك الأول «للحلم رائحة المطر».. لماذا؟

- قصيدة التفعيلة طرب وموسقة وانتقالات إيقاعية رشيقة داخل القصيدة.. كتبت القصيدة العمودية وجرّبت في قصيدة النثر، ويبقى إيقاع قصيدة التفعيلة الساحر يسرقني، خصوصا إن تم غزل التفعيلة بإتقان وجِدة وتنويع وتطوير في الإيقاع.

* ما عناصر التقاطع والتداخل في ديوانك «ريق الغيمات»؟

- في ديوان «ريق الغيمات» امتزجت قصائد التفعيلة التي سبق نشر وقراءة معظمها في الصحف والأمسيات الشعرية بأخرى نثرية نُشرت لأول مرة كلون شعري لم أكتب فيه من قبل. وإلى جانب أن جرعة جرأة النشر وحريته تظهر بوضوح في هذا الديوان، فإن الكثير من قصائده تظهر التنويع والتجديد الذي أحاوله في قصيدة التفعيلة نفسها، من مثل تغيير البحر في المقطع الواحد، ومعالجة ربط المقطع إيقاعيا بالمقاطع التي تسبقه وتليه، والخروج والدخول في البحور وتنويعها وتعددها في القصيدة أو في المقطع الواحد أحيانا.

* هل نستطيع أن نقول إن عهد القافية قد ولّى في هذا العصر السريع.. مما جعل قصيدة النثر تتسيّد الساحة الشعرية؟

- لا، ولم، ولن.. لا أفهم ما علاقة التكنولوجيا وعصر السرعة في أن نكتب قصيدة مقفاة أو غير مقفاة، أفهم ذلك حين نتحدث عن طول القصيدة وقصرها. ربما ونتيجة الطول الذي اعتدنا عليه في القصائد المقفاة في مقابل قصر قصائد النثر التي تُكتب أحيانا على هيئة ومضات، والتي تسود حاليا، ولا يتسيّد منها إلا ما كان شعرا، فهم البعض أن لذلك علاقة بالقافية. لا علاقة للقافية في هذا الموضوع، فالقافية لا تُحتّم ولا يشترط معها أن تكون القصيدة طويلة، ولا يشترط أيضا أن تكون قصيدة النثر قصيرة، وشاهد ذلك قصائد النثر التي تمتد الواحدة منها في صفحات لدى شعراء معاصرين من أمثال سيف الرحبي وحمدة خميس وغيرهما. ولذلك فإن الشعر لا يخضع لمقاييس المسطرة، والقصيدة هي القصيدة أيّا كان طولها، المهم أن تكون شعرا.

* تمت ترجمة بعض قصائدك إلى بعض اللغات الأجنبية، ومن بينها الإنجليزية والألمانية والفرنسية.. ماذا أضاف لك ذلك؟ وكيف ترين حركة الترجمة في حركة المشهد الثقافي والأدبي في السعودية؟

- نعم، تمت ترجمات لبعض قصائدي، وحاليا يتم ترجمة مجموعة من قصائدي إلى الإسبانية تمهيدا لمشاركتي في مهرجان شعري دولي في كوستاريكا في العام القادم. ولكن ثمة حقيقة أقولها، وهي أن الترجمة لا تصنع شاعرا، غير أنها بالتأكيد تضيف إلى الشاعر بمساهمتها في إيصاله إلى آخر لا يستطيع قراءته إلا عن طريق الترجمة. وبشكل عام فإن الترجمة هي قناة التوصيل التي تثبت منذ بداية التاريخ إلى الآن أننا جميعا كبشر نحتاج إلى فهم بعضنا بعضا حتى نتواصل، والأهم أننا يشكل بعضنا لبعض امتدادا إنسانيا ومعرفيا.

* هل لديك ميل إلى كتابة الرواية السيرة الذاتية؟

- لا أعلم، فقد يكون ما تخبئه الأيام أكبر وأكثر مما قد أفكّر به الآن. سأدع ما يتعلق تحديدا بكتابة سيرتي الذاتية للزمن.

* صدرت لك دراسة نقدية بعنوان «توظيف التراث في الشعر السعودي المعاصر»..كيف ترين ذلك؟ وهل هذا بداية للتوجه إلى النقد؟

- النقد والتحليل جزء من عملي الأكاديمي الذي أمارسه في الجامعة. ولكن هناك فرق بين أن تكون ناقدا وأن تكون باحثا أو دارسا، فدراسة النقد كنقد هي تخصص، وليس كل من يدرس الأدب يسمى ناقدا. فالنقد تخصص كما أن دراسة الأدب تخصص، ولكننا في ما يبدو نفترض أن كل من حلل قصيدة أو درس قصة أو ناقش رواية يعد ناقدا. مرة أخرى، لا.. الناقد الحقيقي ليس كذلك، وإنما هو من يدرس النقد ويتخصص فيه.

* كيف ترين تجربة الأدب النسائي في السعودية، وخصوصا مع غلبة ما يمكن أن نسميه «البوح الإبداعي»؟

- البوح الإبداعي الذي تكتبه المرأة السعودية يعيش اليوم في مناخ يكثر فيه الأكسجين، وما على المبدعات إلا متابعة التنفس بهدوء وأناقة وعمق شديد.

* سيرة ذاتية

- حاصلة على درجة الدكتوراه من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) بجامعة لندن عام 2005، وعملت في الملحقية الثقافية السعودية في لندن، وتعمل حاليا أستاذة مساعدة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.

- صدر لها:

- أول ديوان شعري سنة من دار «الآداب» البيروتية سنة 1998 تحت عنوان «للحلم رائحة المطر»، الذي طبع ثلاث مرات.

- ديوان بعنوان «مطرٌ بنكهة الليمون» عن النادي الأدبي بالرياض بالتعاون مع «مؤسسة الفكر العربي» سنة 2007.

- ديوان شعري ثالث بعنوان «ريق الغيمات» عن النادي الأدبي بالرياض بالتعاون مع «مؤسسة الفكر العربي» سنة 2007.

- دراسة نقدية بعنوان «توظيف التراث في الشعر السعودي المعاصر».

– دراسة تحت عنوان «توظيف التراث في شعر المرأة المعاصر بالجزيرة العربية والخليج»، تحت الطباعة.

- شاركت ضيفة الحلقة في الكثير من المهرجانات الشعرية العربية والدولية، كما شاركت في ملتقى «48 ساعة شعر»، الذي ضم شاعرات عربيات في دمشق.

- ترجمت بعض قصائدها إلى الفرنسية والألمانية والإنجليزية.

- شاركت بأوراق أعمال كثيرة في عدد من الملتقيات الخارجية والداخلية.