هادي الجاوشلي يروي ذكرياته مع ملوك ورؤساء العراق

قابل فيصل الثاني وعبد الكريم قاسم والعارفين والبكر وآخرين

TT

عن «الدار العربية للموسوعات» ببيروت صدر الكتاب السادس من مؤلفات الكاتب والصحافي الكردي المعروف طارق إبراهيم شريف بعنوان «ذكريات هادي الجاوشلي مع ملوك ورؤساء ورجالات العراق في العهدين الملكي والجمهوري» وهو يوثق لذكريات أول وكيل لوزارة الداخلية العراقية، الذي كان من المناصب الرفيعة في العهد الجمهوري، رواها الجاوشلي للمؤلف الذي اعتاد أن يوثق شهادات عدد من الشخصيات السياسية العراقية في كتب أصدرها تباعا، منها حوارات أجراها مع عدد من رواد الصحافة العراقية (حسن العلوي وفائق بطي وغيرهما)، وكتابه عن السيرة الذاتية لآخر ملوك العراق فيصل الثاني.

ويعرف المؤلف في مقدمة كتابه شخصية هادي الجاوشلي الذي اعتبره «شخصية كردية عراقية معروفة ومسؤولا بارزا في عهد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، الذي تولى في عهده منصب وكيل وزارة الداخلية الذي استحدث لأول مرة في تاريخ العراق السياسي الحديث».

ولد الجاوشلي في مدينة أربيل عام 1920 وأكمل دراساته الابتدائية والمتوسطة فيها، قبل أن ينتقل إلى بغداد لإكمال دراسته الإعدادية، ثم التحاقه بكلية الحقوق متخرجا منها عام 1943.

وعين أول مرة مديرا لعدة نواح بمحافظة السليمانية، ثم قائممقاما لأقضية الزيبار وقلعة دزة وكويسنجق حتى قيام ثورة 14 تموز عام 1958، ثم نقل إلى أربيل ليعين مديرا لبلديتها قبل أن يعين متصرفا للواء السليمانية عام 1958.

يتحدث الجاوشلي في حواره مع المؤلف عن أول لقاء له بملك العراق فيصل الثاني عند زيارته إلى أربيل في أواخر شهر أبريل (نيسان) من عام 1958 أي قبل أشهر من الإطاحة به، ويتحدث عن مراسيم استقباله الحافل في أربيل عندما احتشدت جماهير المدينة بشكل فاق التصور وهي تنثر الزهور والحلوى على موكبه، مشيرا إلى أن تلك الجماهير سرعان ما انقلبت بين عشية وضحاها بعد قيام ثورة 14 تموز وهي تندد بالملكية وتهتف بحياة الجمهورية، مختتما قوله «هكذا هي حال الجماهير التي تنقلب حسب أهوائها مع تقلبات الأوضاع السياسية».

وعن لقائه الأول بالزعيم عبد الكريم قاسم يتحدث الجاوشلي قائلا: «في أواخر شهر سبتمبر (أيلول) من عام 1958 توجهت إلى بغداد لمتابعة احتياجات لواء السليمانية، وزرت المرحوم طاهر يحيى مدير الشرطة العام الذي سألني هل زرت الزعيم، فأجبته بأنني قابلت عبد السلام عارف أولا، وسوف أقابل الزعيم أيضا، فقال لي «كان يجب عليك أن تقابل عبد الكريم قبل عبد السلام» وقد استنتجت من كلامه أنه من مؤيدي قاسم، ولكني ما زلت أجهل حتى الآن كيف أنه بعد أيام قلائل غير موقفه وأصبح مع عبد السلام عارف في اتجاه مغاير مع اتجاه قاسم». وعن انطباعه عن الزعيم قاسم بعد أول لقاء به يقول الجاوشلي «خرجت بانطباع عن الزعيم أنه شديد الحرص على خدمة العراق والعراقيين جميعا بغض النظر عن اختلاف قومياتهم ومذاهبهم أو أديانهم».

وبحسب الجاوشلي، فقد عرف عبد السلام عارف في مرحلتين، الأولى بعد ثورة 14 تموز عندما كان نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية، والثانية بعد 8 فبراير (شباط) عام 1963 حيث أصبح رئيسا للجمهورية.

ويروي الجاوشلي مقابلته الأخيرة مع عبد السلام يوم الأول من شهر مارس (آذار) عام 1966 في القصر الجمهوري وكيف أن عبد السلام حدثه عن واقعة مقتل الملك فيصل الثاني ودوره في إعدام قاسم إذ قال له: «إن بعض أفراد الشعب العراقي يعتقدون أنني السبب في قتل الملك فيصل الثاني، وإنني أقول بأن قتله جرى خلافا لإرادتي، كما أن البعض الآخر منهم يعتقدون أنني السبب في إعدام الزعيم عبد الكريم قاسم، وأقول بأني بريء من ذلك، وإنني أسعى دائما إلى الخير وليس الشر، لأن الذي يظلم فإن الله سوف ينتقم منه، وتأكيدا لما أقول سأروي لكم مثالا على ذلك.. في اليوم الثاني لثورة 14 تموز قتل نوري السعيد من قبل أفراد الشعب، ونقلت جثته إلى وزارة الدفاع، وكنت في تلك الأثناء أداوم في مكتبي، فلما علمت بالخبر ذهبت إلى وزرة الدفاع وأثناء صعودي درجات السلم المؤدي إلى الطابق الثاني وجدت سريرا خشبيا عليه جثة نوري السعيد، وشاهدت العقيد وصفي طاهر يركل الجثة بقدمه، فقلت له: لا يجوز ذلك.. إنه ميت، عيب شتريد منه؟ ثم طلبت من أحد ضباط الصف الموجودين هناك أن يجلب غطاء من أفرشة الجنود ليغطي به الجثة. وبعد مضي أربع سنوات ونصف أي في يوم 9 فبراير 1963 قتل وصفي طاهر، ونقلت جثته إلى دار الإذاعة، وقد شاهدتها ملقاة على أرض وأحد الضباط من ذوي الراتب الصغيرة يركلها بقدمه على نفس الشاكلة، فصرخت بوجهه ومنعته من ذلك وأمرت بوضع غطاء على الجثة ثم دفنها، وهكذا الله ينتقم من الظالم مهما طال الزمن» وينقل المؤلف عن الجاوشلي قوله «لم أجد في حينه تفسيرا للأسباب التي دعته للحديث عن تلك الأمور التي لم تكن لها أي صلة بأهداف زيارتنا له حول شؤون نقابة المحاميين».

وعن شقيق عبد السلام، عبد الرحمن عارف يقول الجاوشلي «إنه زاره مرتين، الأولى في بدايات توليه منصب رئيس الجمهورية خلفا لشقيقه، والثانية عندما أقام مأدبة إفطار بمناسبة شهر رمضان في يناير (كانون الثاني) عام 1967». ويقارن الجاوشلي بين الرئيسين الشقيقين عبد السلام وعبد الرحمن بالقول «كان الأول كثيرا ما يتخذ الإجراءات قبل دراستها ثم يندم عليها بعد ذلك، بينما كان شقيقه عبد الرحمن لا يتخذ إجراءات معينة إلا بعد دراستها، ثم إن الأول لم يتصف بالحلم والصبر، بينما كان ذلك من شيم الثاني».

ويروي الجاوشلي لقاءاته مع أحمد حسن البكر قبل توليه رئاسة الجمهورية وبعدها. يقول عن زيارته الأولى: «حملت رسالة من صالح اليوسفي إلى البكر، ولم أكن أعرف مضمون الرسالة لكني أعتقد أنها كانت تخص قضية الأكراد أو مسألة تنسيق المواقف بين حزبي البعث والديمقراطي الكردستاني. والمرة الثانية التقيته أوائل عام 1968 وحملت إليه أيضا رسالة من صالح اليوسفي تتعلق بانتخابات نقابة المحامين وإمكانية مشاركة ممثلي الأحزاب في قائمة ائتلافية». ويروي الجاوشلي حادثة طريفة أثناء زيارته لمنزل الرئيس البكر: «كان مجلس البكر يغص بالزوار في اللقاء الثاني حيث كان هناك نحو 25 شخصا كان البعض منهم يتحدث في شؤون السياسة وبكل صراحة، وفي أثناء الحديث ورد اسم الزعيم عبد الكريم قاسم فسألني البكر عن رأيي فيه، فقلت إن الحاكم في العراق أو في أي بلد آخر قد يخطئ، لكنه لا يتحمل المسؤولية وحده، إذ ربما أن المحيطين به يدفعونه أحيانا إلى طريق مسدود لغرض معين بقصد أو دونه، وإن أكثر أخطاء قاسم على قلتها يتحمل مسؤولية بعضها أولئك الذين كانوا محيطين به، ولم أكن أعلم أن المقدم الركن المتقاعد جاسم العزاوي السكرتير السابق للزعيم قاسم كان من بين الحاضرين وهو بملابسه المدنية، ويبدو أنه أخذ ملاحظاتي بشأن الزعيم على نفسه، فسألني أمام الحاضرين وهو متأثر من كلامي «هل أنا المسؤول عن ذلك؟» فقلت له «لم أكن أعلم أنك موجود، وإذا كانت العبارة قد شملتك فإنها تشملني أيضا».

وعن لقائه الثالث والأخير بالبكر يتحدث الجاوشلي: «في أواخر شهر أغسطس (آب) 1968 تلقيت رسالة خطية من وحيد إبراهيم مدير عام الكمارك وهو يبلغني بأن ديوان الرئاسة يطلبني لمقابلة رئيس الجمهورية. فذهبت إلى بغداد وقابلني البكر في مكتبه الرسمي وفاجأني بسؤال (لماذا لا تتعاون معنا؟) قلت (إنكم تعلمون جيدا انتمائي السياسي، فإذا قبلت التعاون مع جماعتكم وقطعت صلتي بجماعتي فكيف ستعتمدون علي)، وقلت هل تريدني أن ألعب على الحبال كما يقول المثل البغدادي؟ فارتاح الرئيس جدا من صراحتي وقال (أثمن فيك هذه الروحية المستقيمة، لكن البلد يجب أن يستفيد منك، وأنا أفكر في تعيينك سفيرا للعراق في الخارج) قلت (لا أريد الابتعاد عن الوطن)، فقال (إذن سوف أنظر في اختيار منصب آخر لك وبما يناسبك) فلم أبد الموافقة أو الاعتراض على ذلك».

وعن انطباعه حول الرئيس البكر يقول الجاوشلي: «وجدت البكر والحق يقال يحترم ضيوفه كثيرا، وإكراما لهم كان يصب القهوة العربية بيديه ووجدته هادئا يقبل المناقشة برحابة صدر مع استيعاب لمشكلات العراق وتأكيده بأن اتخاذ القرارات الهامة في الدولة مبني على رأي القيادة الجماعية وليس على رأيه وحده».

ومن الزعماء الأكراد، يستذكر الجاوشلي لقاءاته مع الزعيم الكردي مصطفى البارزاني، التي بدأت فور وصول من المنفى إلى بغداد في ديسمبر (تشرين الأول) 1958، وكان الجاوشلي يومذاك متصرفا للسليمانية وكالة. وتسارعت الأحداث حين اندلعت شرارة الثورة الكردية في 11 سبتمبر (أيلول) عام 1961 وتولى قيادتها البارزاني، ثم أطيح بنظام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم وعلى أثر ذلك جرى اعتقال الجاوشلي مع بعض الوزراء وكبار المسؤولين. وبقي في المعتقل نحو عام واحد، ثم أطلق سراحه أوائل 1964 وبدأ بممارسة المحاماة ببغداد. وفي عام 1965 ارتبط بالحزب الديمقراطي الكردستاني من خلال أحد قادته آنذاك، صالح اليوسفي.

وتضم ذكريات هادي الجاوشلي لقاءاته بعدد آخر من كبار رجالات الدولة العراقية منهم، الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء الأسبق، وسعيد قزاز وزير الداخلية في العهد الملكي، ومحمد حديد وزير المالية وهاشم جواد وزير الخارجي بعهد قاسم، وخالد النقشبندي عضو مجلس السيادة، واللواء الركن علاء الدين محمود أول متصرف لأربيل، وأحمد محمد يحيى وزير الداخلية بعهد قاسم، وفائق السامرائي نقيب المحاميين، وحسن الطالباني وزير المواصلات، وأحمد صالح العبدي رئيس أركان الجيش بعهد الزعيم قاسم، ومع الشيخ العلامة محمد رضا الشبيبي.