النحت في السعودية.. الحاضر الغائب بين الفنون

ضياء عزيز لـ «الشرق الأوسط»: النحت لا يلقى قبولا.. ووزارة الثقافة: جاهزون لإقامة أي معرض لفن النحت

من أعمال الفنان النحات السعودي ضياء عزيز
TT

يبدو أن المساحة التي يحتلها فن النحت في السعودية لا تتمدد. بل تنسحر بانحسار رواد هذا الفن، وتتلاشى يوما بعد يوم. ثمة أسباب ثقافة أو فكرية تحول دون نمو هذا الفن في الإنتاج والعمل الثقافي على الرغم من عراقة تجربة بعض الفنانين النحاتين في السعودية الذين وصلوا إلى العالمية، وبينهم الراحل عبد الحليم الرضوي الذي ما زالت أعماله النحتية تنتصب في بعض ميادين جدة وينبع وجامعة الملك سعود بالرياض، وكذلك الفنان الراحل عبد الله العبد اللطيف، الذي درس النحت على الحجر في الولايات المتحدة، والفنان محمد السليم، الذي أبدع فنونا نحتية على البرونز، بالإضافة للفنان كمال المعلم، الذي وصلت أعماله النحتية للصين، وضياء عزيز ضياء، وبكر شيخون، وغيرهم.

ثمة من يرى أن تقييم فن النحت، على أساس ديني، ربما أسهم في إضعافه، ومحاصرة امتداده. وقد استند المعارضون له إلى آراء لا تجيز النحت، ولا ترى سائغا في استمراره أو الاحتفاء به، فضلا عن تخصيص موارد لرعايته.

النحات المعروف ضياء عزيز، قال لـ«الشرق الأوسط»، في لقاء معه، إن «فن النحت محارب في المدن السعودية، مع أن الحضارات التي سادت العالم عبر التاريخ كان مقياس قوتها هي الأعمال الفنية التي وجدت في آثارها. إن النحت فن راق يكرس معاني مختلفة، فكرية وفلسفية ووطنية وجمالية وتاريخية».

ويضيف عزيز ضياء: «إن فن النحت منحصر في مدينة جدة فقط، ويبدو أنه محارب في المدن الأخرى لأسباب عقائدية أو لأسباب مادية»، مشيرا إلى أن بناء عمل نحتي فني على أصول الصنعة مكلف ويحتاج لخبرات متخصصة، وهي موجودة محليا في جدة وربما في الشرقية فقط.

ويعتبر الفنان ضياء عزيز ضياء من أبرز النحاتين السعوديين المعاصرين، ونفذ الكثير من الأعمال النحتية محليا وعالميا، ومنها مجسم السلام الذي قام بتمويله الأمير فيصل بن عبد الله، وهو مجسم من البرونز نصب حاليا أمام نادي الفروسية بجدة، كما نفذ مجسم الصخرة، وهو المقام حاليا أمام مجمع الحرس الوطني بجدة، الذي يحكي قصة الحرس الوطني منذ توحيد المملكة. ونفذ أيضا مجسم مركز التدريب الخاص بالحرس الوطني بطريق مكة، وعملا فنيا برونزيا باسم «أرض الأصالة» للأمير محمد بن نواف الذي قام بدوره بإهدائه لخادم الحرمين الشريفين.

ونحت عزيز أيضا عملا يمثل النادي الأهلي لفوزه بكأس الملك لعشر سنوات متتالية، كما نفذ عملا برونزيا بارتفاع ثلاثة أمتار باسم المملكة العربية السعودية، أهدته المملكة لمدينة مكسيكو سيتي، وهو يمثل معاني السلام والتسامح والفن والتطور الحضاري، وهو موجود الآن في هذه المدينة. ومن بين أهم أعماله مجسم بوابة مكة المكرمة الشهيرة.

ويرى عزيز أهمية النظر للعمل المنحوت على أنه فن خالص، الغرض والهدف من ورائه هو تكريس فكرة جمالية أو وطنية أو تاريخية، ولا هدف غير ذلك، مبينا أن الحضارات التي سادت العالم عبر التاريخ كان مقياس قوتها هي الأعمال الفنية التي وجدت في آثارها، وقال: «إذا أردنا بناء حضارة تبقى عبر التاريخ يجب أن نجسد القيم التي نؤمن بها في أعمال فنية منحوتة ومرسومة».

ويضيف عزيز: «لا توجد عوائق تحول دون تنفيذ أعمال نحتية فنية تحمل المعاني التي ذكرت آنفا، سوى أن نحاول التحرر من المفهوم الخاطئ عن الأعمال المجسمة، الذي يمكن أن يصادر كل مجهود فني صادق، بل ويعم جمع أنواع الفنون التي هي المقياس الحقيقي للتجربة الإنسانية، وأن ننظر لأعمال المجسمة نظرة جمالية وفكرية مجردة».

وبرأي عزيز، فإن النحت يلاقي قبولا اجتماعيا في مدينة جدة الساحلية، حيث يوجد متحف الهواء الطلق، الذي يحوي أعمالا نحتية، كثير منها ذا قيمة فنية عالية محليا وعالميا، بالإضافة إلى أعمال فنية رمزية موجودة بمراكز الميادين والساحات المفتوحة والساحات المطلة على الشواطئ، وهي تختلف في مواضيعها وأحجامها والمواد المصنعة منها.

ووفق عزيز، فإن النحت فن يكرس معاني مختلفة، فكرية وفلسفية ووطنية وجمالية وتاريخية، ومثال على ذلك مجسم «حلم الإنسان» المقام أمام مبنى الخطوط السعودية بجدة، إذ هو في الواقع يكرس حقيقة تاريخية إسلامية علمية، وهي محاولة عباس بن فرناس الطيران، وفقد حياته في سبيل ذلك.

وأشار عزيز إلى أن هناك أعمالا أخرى تروي معاني وأفكارا تستحق التخليد والتكريس، مثل مجسمه «السلام» المقام أمام نادي الفروسية بجدة.

من جانبها، أكدت وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، حرصها على الاحتفاء بفن النحت، وتنظيم الفعاليات الخاصة به، ومنها المعرض المقبل في الدوادمي (وسط السعودية)، ودعت الفنانين النحاتين للمشاركة فيه.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور ناصر الحجيلان وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أهمية فن النحت في حياة المجتمع، مبينا أن النحت من الفنون التي تستحق العناية والاهتمام لما تتضمنه من الإبداع الذي يستثير الحس الجمالي لدى المتلقي.

وأوضح الحجيلان أن وكالة وزارة الثقافة والإعلام تحرص على إقامة المناسبات الخاصة بالنحت، وقال: «نحن حريصون على أن نتلقى من الفنانين الطلبات لإقامة مناسبات تبرز هذا الفن العريق، وتحرص وزارة الثقافة والإعلام، بالتعاون مع وزارة الشؤون القروية والبلدية وأمانات المدن لاستثمار الفنون، ومنها النحت، في تجميل مداخل المدن وميادينها، ونأمل أن يحقق هذا التعاون ما يفيد الفن ويبرزه للجمهور».

* نحاتون سعوديون

* من بين الأسماء اللامعة في النحت في السعودية: الراحل عبد الحليم الرضوي، وكذلك الفنان الراحل عبد الله العبد اللطيف، والفنان محمد السليم، الذي أبدع فنونا نحتية على البرونز، بالإضافة للفنان كمال المعلم، الذي عرضت أعماله النحتية للصين، وضياء عزيز ضياء، وبكر شيخون، ونبيل نجدي.. وبرز صديق واصل في أعمال النحت الحديدية.

في حين برز نحاتون استخدموا النحت الخزفي بينهم: صالح الزاير، ومها الغامدي، وسعد المسعري، ومحمد المعيرفي، ومحمد منصور الأعجم، ومهدية آل طالب.

ومن الأسماء التي ظهرت في النحت على الأحجار، والخامات المختلفة: علي الطخيس، وسعود الدريبي، وعبد الرحمن العجلان، ومحمد العمير، والدكتور محمد الفارس، ومحمد الثقفي، وعبد العزيز الرويضان، وفهد الدبيان، ومحمد الفارس، وشجعان الرويس، وأحمد الدحيم.