التقرير الثقافي العربي .. معدل قراءة العرب ست دقائق سنويا

TT

احتفى مؤتمر «فكر» في دورته العاشرة، التي اختتمت الخميس الماضي في دبي، بحضور نخبة من المفكرين العرب والشباب، بالتغيرات التي تعصف بالعالم العربي، وخصص محوره الرئيسي لدراسة تأثيرات «الربيع العربي»، تحت عنوان: «ما بعد الربيع؟».

محاور الجلسات التي تناولت ظاهرة «الربيع العربي» اهتمت بدراسة ما اعتبرته دوافع الثورة لدى الشباب العربي وأهمها، البطالة، وإيجاد فرص عمل للشباب الخريجين. في حين بدا الشباب مشغولين بالبحث تحليلا وقراءة عمن أطلق شرارة ثورتي تونس ومصر، وفي جلسات «يوكي توكي»، وهو برنامج حواري نقاشي بين الشباب العربي على هامش المؤتمر.

هل كان «فيس بوك» هو الذي أطلق شرارة الثورة؟ أم فعلها في تونس البوعزيزي بعد أن أحرق جسمه في لحظة يأس..؟ هل كانت تلك الثورة استجابة «الشعب الفيسبوكي» في تونس؟ أم أن الثورة كانت استجابة لعوامل نضجت من الإحباط السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟

ثم، كيف وصلت العدوى للشقيقة الكبرى، مصر، هل يمكن استنساخ الثورات؟ وأين كان دور الإعلام؟

وكان الأمير خالد الفيصل أشار إلى أن مؤسسة الفكر العربي لا تتبنى سياسة منحازة لأي طرف، بل هي تهيئ المناخ لحوار علمي حضاري يهدف إلى التغيير السلمي الداخلي بعيدا عن التدخلات الخارجية، وأكد أن موضوع نقاش المؤتمر العاشر هو «الربيع العربي» لتقييم الوضع الراهن واستشراف تداعياته المستقبلية والتحذير من سلبياته، لأن الربيع فرض نفسه كونه ينطوي على أحداث غير مسبوقة مما جعل المشهد العربي تسوده الضبابية.

وأكد الفيصل أن التغيير سنة كونية وضرورة حتمية ولا أحد ينكر ذلك، وتساءل: «هل نحن في الوطن العربي قادرون على الاقتناع بثقافة التغيير والإصلاح.. إن هذا السؤال مطروح منذ سبع سنوات وما زال معلقا بانتظار الإجابة».

من جهة أخرى، كشف تقرير التنمية الثقافية عن تدهور نسبة القراءة بين العرب، ففي التقرير السنوي الرابع، اتضح أنه في الوقت الذي يشكل فيه متوسط اطلاع الفرد الأوروبي نحو 200 ساعة سنويا، تتناقص القراءة لدى الفرد العربي إلى ست دقائق سنويا، وهي نتيجة ليست فقط محبطة وإنما مخيفة أيضا.

وفي استطلاع لمؤسسة الفكر العربي، بدا أن الشباب العرب يعانون من فجوة معرفية أبقتهم في دائرة التابع، المتلقي، المستهلك، غير المستفيد من موارده الطبيعية والبشرية وجعلته غير عابئ بإنتاج المعرفة بلغته العربية، إلا في مساحات اجتهادية محدودة، من خلال قائمة تضم 27 أديبا وأديبة لقياس معرفة الشباب بهم ومدى اطلاعهم على هؤلاء الأدباء. وفي هذا السياق، قال الدكتور سليمان عبد المنعم، الأمين العام لمؤسسة الفكر العربي، إن هذا التقرير يمثل إشارتين هامتين؛ الأولى أنه عمل اتسم بالدوام والانتظام، إذ يصدر هذا العام وللمرة الرابعة على التوالي، وثانيهما أن المؤسسة التزمت في هذا التقرير منهجية علمية تعتمد على رفض وتشخيص واقع الثقافة والمعرفة في الوطن العربي دون تفضيل أو تأصيل آيديولوجي، مشيرا إلى أن الأمة العربية اليوم تحتاج إلى مثل هذه النوعية من التقارير بشدة.

والملف الثاني تم تخصيصه لرصد قضايا الشباب العربي على الإنترنت. وأضاف أنه «كان لافتا للنظر ما تم كشفه من خلاله من أرقام ومؤشرات في غاية الأهمية، ومن ذلك مثلا اكتساح التدوين النسائي في مجتمعات الخليج والجزائر مقارنة بالتدوين لدى الذكور منها، كما كشف هذا الملف نوعا من القضايا التي شغلت بعض المجتمعات العربية»، مبينا أنه في دولة الإمارات العربية كان مثلا الاهتمام الأول منصبا على الاقتصاد، وفي دولة قطر كان الاهتمام الأول منصبا على التعليم، فيما كانت القضايا السياسية مثل قضية فلسطين مثلا كان حجم الاهتمام بها متفاوتا من دولة عربية لأخرى.

وخصص الملف الثالث في التقرير للإبداع، فيما خصص الملف الرابع لكتابات الشباب العربي لعالم في 2010، إضافة إلى أن الملف الخامس كان قد اهتم بالحصاد الثقافي، فيما تضمن التقرير الرابع ملفا خاصا اعتمد على استطلاع رأي قامت به مؤسسة الفكر العربي حول أزمة اللغة العربية لدى الشباب وعنوانه: «اقتراب اللغة.. أم اغتراب الشباب».

ولفت عبد المنعم النظر إلى أن ما كشفه هذا الملف أن الشاب العربي يؤثر المراسلة بالحروف العربية، مبينا أنه أمر لا يوجد له نصير في اللغات الأخرى، موضحا أن هذا التقرير اعتمد على خبرات عربية خالصة غاية في التخصصية من حيث المهنية العلمية واللغوية والصحافية، بجانب مجموعة من الخبراء والمتخصصين العرب في الهيئة الاستشارية للمؤسسة، حيث ضمت أسماء كثيرة، مثل الدكتور صالح عبد الرحمن، الرئيس السابق لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، والكاتب المعروف الدكتور زياد الدريس، والكاتب المصري المعروف الدكتور أيمن الصياد، والمفكر والوزير التونسي السابق الدكتور عبد السلام المسبي، بالإضافة إلى أسماء عربية كبيرة من المفكرين والخبراء في المجالات المختلفة.

كما كان لفريق عمل مؤسسة الفكر العربي جهد آخر مواز في إنجاز هذا التقرير، حيث عقد في دبي حفل لإطلاق التقرير بحضور الأمير خالد الفيصل رئيس المؤسسة ووزراء الثقافة في كل من قطر ولبنان والأردن، إذ كان التقرير محل إشادة من قبل الكثيرين، كونه أول مشروع معرفي عربي يتسم بهذه الدرجة من الشمول والانتظام من مؤسسة عربية وبتمويل عربي خالص وأقلام عربية كبيرة.

كشف التقرير، تصدر ثلاثة شعراء من عصور زمنية مختلفة من الجاهلية والعصر العباسي والعصر الحديث، قائمة الشعراء الذين يعرفهم الشباب العربي، حيث تقدم الشاعر أحمد شوقي طليعة الأدباء الذين يعرفهم جيل الشباب، وبنسبة 38.8 في المائة، يليه عنترة بن شداد بنسبة 27.8 في المائة، بينما حل المتنبي ثالثا بنسبة 24.3 في المائة، فيما تذيل الترتيب وداد سكاكيني بنسبة 0.4 في المائة، وأدونيس بنسبة 1.9 في المائة، واحتل غازي القصيبي المرتبة العشرين بنسبة 3 في المائة.

أما لماذا تمكن شوقي من اعتلاء القائمة..؟ فيعود إلى شاعريته المتجددة وغناء محمد عبد الوهاب لقصائده، وهو ما أعطاه بعدا للانتشار وتعلق اسمه في الأذهان، بينما جاء وجود الشاعرين عنترة والمتنبي بسبب انتشار أخبارهما على ألسنة «الحكواتية» في المقاهي الشعبية، في مراحل ما قبل التلفزيون ووسائل الإعلام الحديثة وتجسد سيرهما في أعمالهما البطولية بأفلام سينمائية، وإدراج بعض نصوصهما الشعرية في مراحل مختلفة من المناهج التعليمية في الوطن العربي. وبينت الدراسة أن المناخات والعطاءات الإبداعية لكل من عبد الرحمن منيف وغازي القصيبي في النثر الجميل والرواية والدراسات الأكاديمية لم تشفع لهما بالحضور في النتائج بشكل جيد، فعلى الرغم من توفر نتاجهما المطبوع بالحصول على بطاقة تعريف تمكنهم من دخول دائرة اهتمام الشباب، فإن ما قدماه لم يشفع لهما بذلك.

وفي خانة «لم أسمع به»، أظهر الجدول الاستقرائي، أن عشرات الأدباء العرب غير معروفين لدي الشباب، حيث تصدر قائمة «لم أسمع به» خمسة أدباء هم: وداد سكاكيني بنسبة 67.3 في المائة، وزكريا تامر بنسبة 66.5 في المائة، و«بنت الشاطئ» بنسبة 59.7 في المائة، وغازي القصيبي بنسبة 57 في المائة، وجابر عصفور 56.5 في المائة.