أشهر قصيدة حب جزائرية على إيقاع «الروك»

فرقة «دزاير» تعولم التراث الجزائري

فرقة « دزاير» الجزائرية
TT

فرقة موسيقية عصرية جدا تغني الروك اسمها «دزاير»، وهو الاسم الشعبي لمدينة الجزائر، لكن المستمع إليها يكتشف استخدام كلمات ليست غريبة عنه، بدايتها: «عزوني يا ملاح في رايس لبنات». إنها قصيدة حيزية الشعبية البدوية التي تحيل إلى واحدة من أشهر قصص الحب في جزائر القرن التاسع عشر الميلادي.

تمكنت فرقة «دزاير» من لفت الانتباه وانتزاع مكانة معتبرة من بين عشرات الفرق الموسيقية الجزائرية. وعند تأسيسها سنة 1998 اختارت موسيقى الروك العالمية الشهيرة، غير أنها لم تحظَ بالنجاح المطلوب في البداية، ثم طورت أسلوبها وبحثت عن لمستها الخاصة التي وجدتها أخيرا في مزج التراث الموسيقي الجزائري وتقديمه بأحدث أساليب موسيقى الروك. وجاء قصيدة «حيزية» لتكون ذروة هذا النجاح، وأصبحت مطلوبة كثيرا للغناء في مختلف المدن الجزائرية وخارجها، وبلغ نجاحها حسب رئيس الفرقة حكيم لعجال إلى درجة أن الكثير من أبناء الأجيال الجديدة ممن لم يسمعوا إطلاقا بالنص الأصلي إلى البحث عنه واكتشاف كاتبها الشاعر الشعبي الكبير محمد بن قيطون الذي توفي في أوائل القرن العشرين، والتعرف على الصيغ المختلفة التي غنّاها بها كبار المطربين في الجزائر على مر السنين.

إنها أغنية الروك على الطريقة الجزائرية التي أعادت إلى الأذهان واحدة من أشهر قصص الحب في تاريخ المجتمع الجزائري. قصة الفتاة المسماة حيزية مع ابن عمها سعيد، التي تقول الروايات بشأنها، انطلاقا من القصيدة الشعبية التي سردت حياتها، إنها وليدة مدينة سيدي خالد قرب بسكرة (بوابة الصحراء الجزائرية من الجهة الشرقية). اسمها الكامل حيزية بوعكاز بنت أحمد بن الباي، وعاشت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، لكنها لم تعِش طويلا وماتت في ريعان الشباب بعد أن ارتبط اسمها بابن عمها سعيد، قصة يشبهها الكثيرون بما وقع بين جميل بن معمر وبثينة، حب ممنوع في مجتمع قبلي صارم. لكن الفارق بين الحكايتين أن العاشق سعيد لم يكن شاعرا، ومن حسن الحظ أن جاء في الفترة نفسها واحد من أكبر الشعراء الشعبيين وهو محمد بن قيطون ليخلد القصة بهذا الشكل، ويسردها على لسان العاشق بعد أن توفيت عشيقته، الرحلة التي كان ينتظرها كل سنة، رحلة البدو صيفا بخيامهم إلى المناطق الشمالية، والعودة من حيث جاءوا مع اقتراب موسم البرد. وكانت تلك الفرصة الوحيدة التي يرى فيها سعيد عشيقته عن كثب، وهو الذي يحرم من رؤيتها بالنظر إلى القوانين القبلية الصارمة بقية أيام السنة.

وتتضارب الروايات بشأن موت حيزية، من قائل إنها مرضت مرضا شديدا وقضت إثره، وبعض المحدثين يتحدثون عن فرضية الانتحار، لكن الجميع يقول إن العاشق سعيد هام على وجهه على طريقة قيس بن الملوح وانتهى ضائعا.

لقد تمكن الشاعر محمد بن قيطون من تأريخ تلك القصة الحقيقية ببراعة، وتسابق المغنون البدويون على أدائها كل بطريقته الخاصة، وأشهرهم رابح دراسة وخليفي أحمد والراحلان البار عمر وعبد الحميد عبابسة (والد الفنانة فلة الجزائرية). وفي سبعينات القرن الماضي وبإصرار من المخرج الشاب (حينها) محمد حازورلي تحولت الحكاية إلى فيلم تلفزيوني، أثار جدلا استمر إلى الآن وهو يحول الحكاية التي اقتربت من الأسطورة إلى مشاهد متحركة ويضطر إلى إعطاء قراءات خاصة في بعض المفاصل، وهي القراءات التي خالفه فيها الكثير من الناس الذين رأوا فيها رومانسية زائدة تبتعد عن قسوة الواقع الذي عاش فيه الحبيبان. لكن الفيلم استطاع تقديم الحكاية إلى فئات واسعة من جمهور التلفزيون.

ومن محمد بن قيطون الذي أرّخ للحكاية بالقصيدة الشعبية، إلى خليفي أحمد وعبد الحميد عبابسة وغيرهما من الذين أرخوا لها بالأغنية البدوية، إلى محمد حازورلي الذي كتبها بلغة التلفزيون، تأتي فرقة «دزاير» برئاسة الفنان حكيم لعجال لإيصالها إلى جمهور جديد، جمهور «يوتيوب» و«فيس بوك». تتجدد قصة حيزية عبر الزمن، لكن عمل فرقة «دزاير» لم يتوقف عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى الكثير من التراث الموسيقي المحلي الجزائري، الذي تحول في جزء منه إلى لغة موسيقى الروك العالمية على طريقة الفنان الراحل ألفيس بريسلي. وباستعمال آلات عصرية جدا، تغني فرقة «دزاير» مقاطع مهمة من قصيدة موغلة في بدويتها ومحليتها، يقول فيها الشاعر ابن قيطون منذ أكثر من قرن من الزمان:

عزوني يا ملاح في رايس لبنات

سكنت تحت اللحود ناري مقديا

ياخي انا ضرير بيا ما بيا

قلبي سافر مع الضامر حيزيه

يا حصراه على قبيل كنا في تاويل

كي نوار العطيل شاو النقصيا

ما شفنا من أدلال كي ظل الخيال

راحت جدي الغزال بالجهد عليا

وإذا تمشي إقبال تسلب العقال

أختي باي المحال راشق كميا

طلقت ممشوط طاح بروايح كي فاح

حاجب فوق اللماح نونين بريا

عينك قرد الرصاص حربي في قرطاس

سوري قياس في يدين حربيا