الكاتبة العمانية هدى الجهوري: المهمة الأكبر هي تغيير وعي المرأة

قالت لـ «الشرق الأوسط» المشهد الثقافي في عمان يجاهد لكي يغادر منطقة الإحباط

هدى الجهوري
TT

الأديبة العمانية، الشابة، هدى الجهوري، أو هدى حمد، كما أصبحت تسمى حديثا بعد أن أسقطت اسم قبيلتها في خطوة نادرة، قالت عنها في حوارها التالي مع «الشرق الأوسط» إنها جاءت «محاولة جادة لنسف فكرة الانتماء إلى نظام القطيع»، واعتبرت أن «القبيلة تشكل ثقلا إضافيا على كاهل الكاتب». هدى حمد الجهوري، قاصة وروائية عُمانية، خريجة جامعة حلب السورية، أحرزت الكثير من الجوائز في القصة القصيرة في المسابقات والملتقيات الأدبية في عمان. وصدرت لها مجموعة قصصية بعنوان «نميمة مالحة»، ومجموعة أخرى بعنوان «ليس بالضبط كما أريد»، وفازت روايتها الوحيدة «الأشياء ليست في أماكنها» بجائزة الشارقة للإبداع عام 2008، شاركت في عدد من الملتقيات القصصية العربية.

وعلى هامش مشاركتها في معرض الشارقة الأخير للكتاب، التقتها «الشرق الأوسط» وأجرت معها الحوار التالي:

* كيف ترين صورة المشهد الثقافي في عمان؟

- أراه يجاهد لكي يخرج من شرنقته، ليتحول إلى فراشة مكتملة بعد أن كان صبورا على مدى سنوات طويلة في عزلته تلك، محروما أو حارما نفسه من فرص النشر والكتابة والانتشار في الداخل والخارج، كما أراه يتفتح على أيدي جيل يسعى للتجديد، ويحاول هضم التجربة العربية والعالمية الطويلة، عبر ما ينتجه من أعمال لم تبدأ من الصفر الكبير بل من حيث وصلت مدارس الكتابة الحديثة. وأراه أيضا يغادر قليلا منطقة الإحباط تلك التي ربما كانت سببا في انقطاع كتاب كتبوا في السبعينات وأوائل الثمانينات، وراهنا على أسمائهم ثم ما لبثوا أن اختفوا وانقطعوا.. بينما المشهد اليوم يؤسس لأسماء جديدة تتبنى الكتابة كمشروع حياة، وليس مسألة اندفاع أو إلهام شيطاني ينتهي بانتهاء المحرضات..

* بالنسبة لجيلك من الشباب، كيف تقرأين التحولات الثقافية داخل المجتمع العماني؟

- هنالك تحولات تسير ككل شيء في عمان ببطء يشعرنا أحيانا بأن خطواتنا مدروسة، وأحيانا أخرى يشعرنا بأننا السلحفاة بينما الآخر هو الأرنب الذي يسبقنا في العدو، إلا أن النهاية تبقى مفتوحة على عدة احتمالات.

لا يبدو لي الشاب العماني مختلفا كثيرا عن الشاب في أي بلد عربي، إلا أن ما أستشعره جيدا أنه معزول أو ربما منعزل، بحكم الجغرافيا أو بحكم أمور أخرى.. لذا تجد الآخر - وأقصد هنا الإنسان العربي - يسأل عنه، وكأنه لا يعرفه، لا يعرف الكثير عما يشغله، لا يعرف الكثير عن مشهدنا الكتابي وحياتنا.

ربما ما خدم وعي الآخر بالكاتب العماني هو الوسائط الإلكترونية، المنتديات والمدونات والمواقع، نظرا لأن حركة النشر بطيئة وقليلة، خصوصا قبل عام 2006، أي قبل أن تكون مسقط عاصمة للثقافة، وقبل أن يبدأ الحراك الحقيقي في عملية الاتجاه لدور نشر في الخارج.

* ماذا ينقص جيلك من الشباب للتعبير عن ذواتهم، وابتكار وسائل جديدة للإبداع الأدبي؟

- اعتقد أن أهم ما ينقص الجيل الشاب هو القراءة ثم القراءة، إذ تغيب القراءة لدى الجيل الجديد الذي وجد البديل السريع عبر الشبكة الإلكترونية التي باتت تعطي الأشياء كلها بسهولة، وطبعا هذه مشكلة عربية إن لم تكن عالمية وليست حكرا على عمان، وبرأيي لو أن الجيل الشاب يقرأ ويفهم ما يقرأ، والكلام ينطبق على الغالبية أيضا، لكان وضعنا مختلفا.

على سبيل المثال يمكننا التفاهم مع جيل آبائنا الذي خسر أغلبه فرصة التعليم، حيث نجدهم أكثر تفهما واستيعابا، من الجيل الشباب الذي تعلم ودرس ولم يفتح عقله لرياح التغيير قليلا.

* لكن الشباب العمانيين كغيرهم من شباب الخليج عاصروا تحولات كبيرة.. كيف استوعبوا تلك التحولات؟

- المشكلة الكبيرة أن الجيل الشاب غير قادر بعد على هضم التحولات السريعة التي أصابت منطقة الخليج قبل أربعين عاما ونيف، وتجده حائرا بين الحياة الجديدة، وبين القيم البدوية المترسخة في عمقه.

الأزمة مشتركة يمارسها الذكر والأنثى معا.. أحدث سيارة.. أحدث هاتف جوال.. أحدث بيت، وسفر في الصيف، بينما العقلية لا تزال تحمل ممارسات القمع، وثقافة «العيب»، وأيضا ثقافة بتر النص القرآني لكي يتناسب مع الرغبات الذكورية، من دون بذل الجهد لمحاولة الفهم، فالقراءة وحدها لا تكفي في غياب الفهم، وأظن أن الانشغال على مواضيع تافهة، وتفصيلية نيابة عن التفكير بما هو مهم، يجعل المجتمعات لا تغادر تقوقعها، وجغرافيتها الضيقة.

تغير المجتمع من ناحيته الشكلية كثيرا، بل إنك تكاد لا تعرفه في ظرف أربعة عقود، لكن ماذا عن تغير الخطاب الاجتماعي، ماذا عن تغير الخطاب الديني، ماذا عن تغير عن الخطاب السياسي، وإن كنا نشعر بالتفاؤل بالربيع العربي الذي نتمنى أن لا يعقبه خريف، وإنما وعي جديد، يثمن الشاب وحقه في الحياة الكريمة.

* أين تقف المؤسسات الرسمية من الحركة الثقافية.. هل يجدها الشباب قادرة على الاستجابة لتطلعاتهم؟

- المؤسسات تحاول أن تدعم العمل الثقافي، تحاول أن تقوم ببعض الفعاليات من حين لآخر، ولكن كثيرا ما يحبطها قلة الجمهور والحضور من المثقف نفسه ومن المجتمع أيضا.. لذا نراها تفتر في أنشطتها من حين لآخر، كما أن من يدير المؤسسة في الغالب يحمل عقلية الموظف أكثر مما يحمل عقلية المثقف الراغب في التغيير. والحق يقال إن المؤسسات الأهلية أيضا التي راهنا عليها، وعلى قدرتها على إحداث نقلة في عمان تعاني هي الأخرى من ذات التذبذب في طرح الأنشطة، ونوعية الأنشطة.

* أنشطة مثل ماذا؟

- لدينا أنشطة كثيرة أراها في غاية الأهمية، ولكن تفتقد إلى عمودها الفقري.. مثلا.. لدينا مهرجان كبير اسمه مهرجان المسرح وليس لدينا خشبة مسرح مجهزة إلى الآن، لدينا مهرجان سينما، ولا ننتج أفلام سينما، لدينا كتاب وإصدارات، ونفتقر إلى وجود مكتبة غير مكتبات القرطاسيات.. مما يغيب التسويق داخل عمان، ليبقى القارئ في انتظار معرض الكتاب من عام لآخر.

ما نفتقر إليه إلى الآن هو البنية التحية التي تؤسس لمشاريع فكرية وثقافية، ولكننا الآن أكثر تفاؤلا بمشروع المجمع الثقافي الذي سيحتوي على مسرح ومكتبة، وسينما.

* نلاحظ أن الشباب في معظم العالم العربي أصبح يبتكر أدوات تعبيرية مثل الفنون البصرية والتعبيرية، ولكنه في عمان ما زال بعيدا عن المبادرة.. كيف تفسرين ذلك؟

- أختلف معك تماما فيما ذهبت إليه، فالشاب العماني، وخلال سنوات قصيرة جدا تمكن من أن يحصل على ألقاب، وجوائز عالمية في التصوير الضوئي، ويكاد يكون هذا الفن من أبرز الفنون الذي نقل ثقافة المكان، والحياة في عمان إلى الخارج، وأيضا لا يقل الفن التشكيلي عنه في ذلك، ولدينا قائمة طويلة لا تنتهي من الأسماء المبدعة في المجالين.

أما فيما يتعلق بالسينما، وإن لم يكن لدينا أفلام تعرض في السينما للجمهور العادي إلى الآن، إلا أنه وعلى مستوى المهرجانات، فإن الشاب العماني تمكن - بأدوات بسيطة للغاية، وبعيدا عن الدعم المؤسسي الذي يناله الشباب في دول أخرى - تمكن من أن يحوز جوائز مهمة ومتقدمة، وهو منافس مهم في المسابقات الخليجية.. يبقى الدعم المؤسسي، والتسويق الجيد هو ما ينقص الشاب العماني.

* برزت في عمان أصوات نسائية تعبر عن خطاب متميز، أمثال: فاطمة الشيدي، وجوخة الحارثي، وحصة البادي، وخولة الظاهري، وبدرية الشحي، وبشرى خلفان، وآمنة ربيع، وأيضا هدى الجهوري، وأخريات.. أي دور ثقافي ممكن أن تلعبه المرأة؟

- الكثير ممن ذكرت من الأسماء استطعن أن يضعن أيديهن على الكثير من الأوجاع التي تتعلق بالمجتمع، عبر المسرح والشعر والقصة والرواية والفن.

وبرأيي الشخصي على المرأة الكاتبة إضافة إلى دور الكتابة أن تقوم بدور فاعل في التغيير في المجتمع الساكن والراكد لأفكار من الجيد تجاوزها.. حيث ترقد الكثير من القرى في الخرافة، وفي العادات والتقاليد التي يكون أغلبها جائرا في حق المرأة، كالمهور المرتفعة، وتأويل النص القرآني بما يسيء للمرأة في الفهم المجتمعي، واضطهاد المطلقات، والدور الأكثر أهمية ليس المتعلق بمحاججة الرجل، وإنما بتغيير وعي المرأة، التي للأسف هي «الأبطأ» في فهم واختزال الطفرة التي حدثت قبل أربعين عاما بسبب النفط، حيث تغيرت من الجانب الشكلي، وبقت من العمق عائمة.

* كأنك تطلبين كاتبات يحملن قضايا وليس مبدعات؟

- لا، طبعا.. لا أعني أني من أنصار النص الهادف أو ذاك الموجه الذي يحمل رسالة، طبعا لا، أنا مع النص الذي يحاول أن يكتمل فنيا دون اشتراطات كالتي ذكرت سابقا، فالسرد لا يقدم درسا في الأخلاق، وليس اختصاصيا اجتماعيا يحل ويحلل المشاكل، وأيضا ليس واعظا في خطبة الجمعة.. إلا أن نص الكاتب بالمقابل لا ينفصل عن الحياة، والمرأة الكاتبة التي نعرف عنايتها الفائقة بالتفاصيل كما تعتني بأظافرها، وبوجعها الداخلي، يمكنها أن تقدم إشارات من خلال النص عن أوضاع نرفضها من دون أن تتحول لتهمة الأدب «النسوي»، يمكنها أن تنشط في كتابة المقالات، فكم ينقصنا وجود النقد الاجتماعي، والنقد السياسي، وليس فقط النقد الثقافي.

* هل نجحت النساء في عمان في تقديم تجربة إبداعية خارج سطوة المجتمع والقبيلة؟

- عندما أقيس حراك المرأة في المجتمع العماني، أجد أن عمان في مصاف الدول التي تسن القوانين التي تحاول أن تنصف المرأة، ولكن كثيرا من هذه القوانين تبقى في حيز الشكلانية لأن المرأة لم تفعلها لتصبح واقعا في حياتها.

وبصدق أكثر، لا أجد صورة الرجل قاتمة في مجتمعنا، بمعنى أنها تحاول أنها لا تحاول بذكورية عالية نسف ما تنجزه المرأة، بل إن الرجل كثيرا ما يأخذ بيدها لتصعد السلم، وإن لم يخل المشهد من تجارب فشلت فيها المرأة في أن تستمر في الحراك الإبداعي، إما لأنها محبطة من المجتمع ولا تستطيع أن تدفع القليل من الضرائب لمواجهته، وإما لأن الكتابة لا تمثل لها مشروع حياة متكامل.

* من العسير التعرف على أصوات إبداعية نسائية في عمان.. أليس كذلك؟

- هناك فجوة زمنية في الإبداع بين الجنسين، فقياسا على أن أول مجموعة قصصية عمانية صدرت في 1981 للقاص أحمد بلال، فإن أول قاصة عمانية ظهرت بعده بـ18 عاما، وهي القاصة خولة الظاهري في مجموعتها «سبأ»، وفي الرواية كانت أول رواية للطائي أيضا «ملائكة الجبل الأخضر» في عام 1958، بينما أول رواية للمرأة كانت «الطواف حيث الجمر» لبدرية الشحي عام 1999. نلاحظ وجود فجوة زمنية كبيرة نتيجة لطبيعة الحياة قبل السبعينات من القرن الماضي، وربما خروج الرجل للدراسة والعمل في الخارج مكنه من أن تنضج تجربته أسرع من المرأة القابعة بين جدران منزلها من دون تعليم، ولكن دخول المرأة إلى الجامعة، أفرز الكثير من الأسماء المهمة في المشهد القصصي والروائي، ولم تتأخر كثيرا عن الرجل في معرفة التقنيات الكتابية الجديدة.

* وماذا بشأن مشاركتها في الحياة العامة؟

- المرأة في عمان تشغل المناصب، وتكتب، وتسافر، إنها أفضل بكثير من حال قريناتها في دول الجوار، ولكن برأيي الشخصي فإن كان ثمة ما يجب أن نستفيد منه وأن لا نقع في فخاخه فهو التصفيق المجاني لكل امرأة تباشر في الكتابة، لا لشيء إلا لأنها امرأة، وجسد وفقط.. لذا النقد الجاد والحقيقي الذي يغيب عن ساحتنا وعن الساحة العربية أيضا – باستثناء المسترزقين من وراء النقد - هو الذي يستطيع أن يفرز الكتابة الجيدة من تلك الرديئة، وأيضا علينا أن نراهن على مفرزة القارئ.

* بالنسبة إليك، هناك من اتهمك بالخروج عن أسر القبيلة حين غيرت اسمك من هدى الجهوري لـ«هدى حمد».. ماذا كان يعني لك إسقاط اسم القبيلة من لقبك الأدبي؟

- حسنا، لم يكن هذا الخيار خيارا سهلا، خصوصا بعد أن صدرت لي مجموعتان قصصيتان، ورواية مهدت لاسمي (هدى الجهوري) في عالم الكتابة، إضافة أيضا إلى عملي الصحافي والثقافي في ملحق «شرفات» الثقافي. القرار جاء بعد زمن من التفكير ومن المحرضات أيضا، في محاولة جادة لنسف فكرة الانتماء إلى نظام القطيع، وأعتذر إن كانت هذه المفردة لا تروق للبعض.. بمعنى أن القبيلة تشكل ثقلا إضافيا على كاهل الكاتب، فهي إما أن تصفق له، لا لأنه يقدم عملا جديرا بذلك التصفيق، وإنما لأنه يساهم في رفع سقفها عاليا جدا بين القبائل الأخرى، وقد تلومه وتعذله القبيلة أيضا لا لأنها تختلف مع وجهة نظره، وإنما لأن أفكاره تلطخ سمعة القبيلة البيضاء أمام قريناتها.

هذه الفكرة التي تجعلك مسؤولا وأنت تكتب أمام جماعة متشابهة ومتناسخة، في الغالب، في أفكارها، فكرة مربكة للغاية، فكيف لك أن تكتب بحرية وعفوية وجرأة، وأنت تضع كل هؤلاء في ذهنك؟ المسألة بالتأكيد أكثر تعقيدا من ذلك ببعديها الاجتماعي والسياسي، ولدينا في عمان أسماء وعت باكرا «لمزلق» القبيلة فانسلخت عن قبيلتها منذ السبعينات من القرن الماضي من أمثال عبد الله حبيب، وسماء عيسى، وثمة أسماء شابة أيضا تعلن هذا الموقف.. طبعا هذا الحذف من الاسم يمثل الجانب الشكلي من التمرد الذي يمكنه أن يأخذ أشكالا أخرى أكثر عملية مستقبلا من أجل الوصول إلى مجتمع متمدن، يتخفف قليلا من بداوته التي لم تعد مناسبة لطبيعة حياتنا اليوم.

* حازت روايتك الوحيدة «الأشياء ليست في أماكنها» جائزة الشارقة للإبداع عام 2008، ولكنها بقيت تجربة يتيمة، لم تلحق بها أعمال روائية؟

- «الأشياء ليست في أماكنها» هي نتاج عام 2009، ولا يزال مبكرا جدا الحديث عن عمل روائي لاحق، خصوصا أني أفكر دائما في أن أتجاوز كل عمل أقدمه بعمل آخر مختلف من ناحية الموضوع ومستوى التجريب أيضا.

كما أنه داخلني الشك والخوف في آن بعد إنجاز هذه الرواية أن لا أعود قادرة على كتابة القصة القصيرة، تلك التي أرى نفسي فيها أكثر.. فأنا أعشق لعبتها المكثفة، وما يقبع خلف سطورها الشهية، وما ينسل بخفة إلى المتلقي من تأويلات وأسئلة.. أعشق ذلك النفاذ والتلوين بين حكايات جدتي عن الجن والعفاريت والفتيات المسكونات بالحب، والرجال الممتلئين بالشجاعة، وبين حكاية اليوم عن المدينة والحياة المعقدة.

أنجزت إلى الآن 13 نصا قصصيا بعد هذه الرواية لذا يمكنني القول، عكس ما قالت لي الكاتبة السعودية بدرية البشر لقاء حميمي ذات يوم: «من يسبح في الأشواط الطويلة - قاصدة الرواية - لا يمكنه العودة للسباحة في الأشواط القصيرة، قاصدة القصة القصيرة»، وكنت بصدق أخشى أن لا أعود قادرة على كتابة القصص، لكن التجريب والممارسة والحب أيضا أثبتت أنه يمكنني ذلك، وإن كان بشكل يختلف عما اعتاد القارئ أن يقرأه لي.

سأقول شيئا ربما لم أقله من قبل: «الأشياء التي ليست في أماكنها» كتبتها من أجل محاولة جادة لإعادة ترتيب الأشياء في داخلي أنا كإنسان، وكامرأة.. كانت مغامرة لذيذة، وربما فوزها بجائزة الشارقة خدمها بشكل ممتاز لكي تصل إلى الداخل والخارج أيضا، فقد أعدت طباعتها أيضا مع كتاب نزوى مع الصديق سيف الرحبي عندما نفدت نسخها بسرعة.

أنا الآن أحضر لمجموعتي القصصية الثالثة، بهدوء بعيدا عن اندفاع البدايات، أما العمل الروائي، فيتطلب الكثير من الصبر، والتجربة والخبرة، ولدي رغبة حقيقية بمعاودة كتابة الرواية، لكني سأترك الأمور تأتي على طبيعتها.. رهن الظرف والزمن.

* لماذا تسير الرواية في عمان ببطء مقارنة بالإبداعات الأخرى؟

- أرى أن الأمور تسير بصورة طبيعية للغاية، إذا ما عرفنا أن عمر الرواية في عمان هو عمر قصير نسبيا بالمقارنة مع التجربة العربية والخليجية.. فقد كتب عبد الله الطائي الرواية الأولى: «ملائكة الجبل الأخضر» في عام 1958، وبذلك فإن عمر الرواية في عمان لا يتجاوز الستة عقود.

نحن الآن في مرحلة ازدهار الفنون البصرية كالتصوير الضوئي والفن التشكيلي، وأيضا في مرحلة ازدهار القصة، على الرغم من أن ذلك لا ينفي أبدا العدوى العربية، فكم من كتاب القصة بدأوا الآن يمارسون هذا الشكل من التحول من شرنقة القص إلى أجنحة الرواية.

الرواية باتت مغرية لثلاثة: القارئ، والكاتب، وقبلهما معا يأتي الناشر الذي يرغب في الربح، لكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن، هل من الضروري أن يكون لدينا الكثير من الإصدارات إذا كان أغلبها نتاجا ساذجا، لا يغني ولا يشبع من جوع، وهذا ما نراه في تجارب من دول الخليج المجاورة، أم الأهم هو التحرك بخطوات مدروسة، وحذرة ناحية عملية النشر؟ أنا بصراحة أتحيز للنوع الثاني، وإن كنت أرى مشكلة أكبر من بكثير من حجم هذه المشكلة، أعني التباطؤ في النشر الروائي، فهي مشكلة التسويق والترويج لعمله داخل وخارج السلطنة، فحتى عندما يذهب إلى دار نشر خارج السلطنة، فهو يعاني كثيرا إلى الآن، على الرغم من أن بعض الأسماء استطاعت بجرأة أن تكسر حدود جغرافيتها.

أظن أن جوخة الحارثي في «سيدات القمر» قدمت نقلة مهمة وقوية في الرواية العمانية، وكذلك هو عبد العزيز الفارسي في «تبكي الأرض يضحك زحل»، وروايات علي المعمري التي تفتش في التاريخ والوثائق، وحسين العبري الذي يذهب إلى التابوهات المحرمة، وغيرهم.