صرح أسسه بونابرت واغتاله المصريون مرات عدة

في بداياته ضم نحو 2150 باحثا فرنسيا

غلاف «في وصف مصر»
TT

في يوليو (تموز) عام 1798 بدأت الحملة الفرنسية على مصر، وبدأت ترسو سفنها على شواطئ الإسكندرية. وبعد فترة لا تزيد على الخمسين يوما من دخولها مصر أسس نابليون بونابرت «المجمع العلمي»، معتمدا في تأسيسه على نحو 150 عالما فرنسيا وأكثر من 2000 متخصص من خيرة الفنانين والرسامين والتقنيين الذين رافقوه خلال أعوام 1798 – 1801، من كيميائيين وأطباء وفلكيين وعلماء آثار. أسهم هؤلاء جميعا في وضع أول مجموعة مجلدات دقيقة تضم 11 مجلدا من الصور واللوحات و9 مجلدات من النصوص من بينها مجلد خاص بالأطالس والخرائط. قام هؤلاء العلماء بعمل مضن غطى كل أركان القطر المصري من شماله إلى جنوبه خلال سنوات وجودهم في مصر. كما قاموا برصد وتسجيل كل مناحي الحياة آنذاك وكل ما يتعلق بالحضارة المصرية القديمة ليخرجوا إلى العالم 20 مجلدا لكتاب «وصف مصر»، الذي يعتبر أكبر وأشمل موسوعة للأراضي والآثار المصرية، كونها أكبر مخطوطة يدوية مكتوبة ومرسومة برسوم توضيحية. كما تشتمل هذه المجموعة على صور ولوحات لأوجه نشاط المصري القديم وأيام الحملة نفسها بالإضافة إلى التاريخ الطبيعي المصري وتوثيق كل مظاهر الحياة والكنوز التاريخية والفنية والدينية المصرية وتسجيل جميع جوانب الحياة النباتية والحيوانية والثروة المعدنية آنذاك. وقد نشر هذا الكتاب الضخم بين عامي 1809 و1829.

اختار نابليون لعلمائه بعد أن استقر في القاهرة بيت السناري ومجموعة من البيوت المجاورة ليكون مكانا للمجمع العلمي، حيث ذكر الدكتور خالد عزب المشرف على مشروع ذاكرة مصر المعاصرة أن مجلة «الهلال» نشرت بتاريخ‏ الأول من‏ مايو (أيار) ‏1925‏ خبرا يشير إلى أن الفرنسيين اتخذوا من منزل إبراهيم كتخدا السناري سكنا لمجموعة من «الرسامين والفنانين من أعضاء البعثة العلمية التي جاءت برفقة الجيش الفرنسي عام‏ 1798»‏. وعقب جلاء الحملة أدخلت لجنة الآثار العربية «بيت السناري» في عداد الآثار وأجرته بقيمة اسمية «لشارل جالياردو بك» فأنشأ فيه متحفا ومكتبة أطلق عليها اسم «متحف ومكتبة بونابرت‏».‏ يقع هذا المنزل حاليا في حي الناصرية بالسيدة زينب في نهاية حارة مغلقة.

كان عدد أعضاء المجمع العلمي المصري في بدايته 12 عضوا. كما تم تقسيمه إلى أربعة أقسام، هي الرياضيات، والعلوم الطبيعية، والاقتصاد، والآداب والفنون. وكان مقر المجمع عند تأسيسه مجموعة من بيوت المماليك في الناصرية بالسيدة زينب فيما كان يعرف بتل العقارب، واتخذ من بيوت بعض المماليك مقرا له، كان أشهر هذه البيوت بيت إبراهيم كتخدا السناري، المعروف ببيت السناري، وبيت ذي الفقار بك، وكان أهمها بيت السناري، الذي كان مقرا للرسامين.

قوبل المجمع في بداية عمله بدعاوى التحريم والتكفير من غالبية علماء الدين لكن بعض علماء الأزهر أعجبوا به كثيرا وكانوا يترددون عليه مثل الشيخ العطار الرياضي المصري المعروف والشيخ رفاعة الطهطاوي وكان العطار أحد الذين شجعوه على السفر إلى باريس للبعثة العلمية.

في عام 1801 خرج الفرنسيون من مصر. وفي عام 1842 تم إنشاء «الجمعية الأدبية المصرية» برعاية القنصل البريطاني آنذاك والعالم الفرنسي بريس دافين. لكن في عام 1856 أعاد الخديوي سعيد تأسيس المجمع العلمي المصري في الإسكندرية. وفي 1880 عاد المجمع العلمي المصري مرة أخرى إلى القاهرة. وأعيد تقسيمه في 1914 مرة أخرى إلى أقسام الآداب والفنون الجميلة، والآثار، والعلوم الفلسفية والسياسية، والعلوم الطبيعية، والرياضيات، والطب والزراعة والتاريخ الطبيعي. ومع ثورة يوليو 1952 تم نقل تبعية المجمع إلى وزارة الشؤون الاجتماعية كما تم سحب الوقف الذي كان مخصصا للمجمع والجمعية الجغرافية. وفي 17 ديسمبر (كانون الأول) 2011 أحرق «المجمع العلمي المصري».