مهتمون: لا وجود لاستراتيجية موجهة لصناعة كتاب الطفل

أقروا بندرته في المكتبات السعودية محملين وزارتي الثقافة والتعليم المسؤولية

TT

قال بعض مديري وأصحاب مكتبات عامة وخاصة وكذلك مهتمون بشؤون ثقافة الطفل في السعودية، إن هناك شحا مؤسفا في كتاب أدب الطفل بشكل مريع، وحمّلوا المسؤولية لصانعي ثقافة الطفل، بداية من الأسرة والمدرسة ووزارتي الثقافة والإعلام ووزارة التعليم بشكل خاص بجانب المكتبات العامة، ودور النشر، التي يهمها المردود المادي كما يرون.

* الحمدان: قصور المكتبات العامة

* يرى أحمد بن فهد الحمدان رئيس جمعية الناشرين السعوديين أن الساحة الثقافية تعاني شحا حادا في كتاب أدب الطفل، معزيا السبب في ذلك إلى أن الدور الرئيسي لدور النشر المردود المادي قبل خدمة الثقافة.

ومن هذا المنطلق يعتقد الحمدان أن دور النشر في معظمها تغفل الاهتمام بكتاب أدب الطفل ذلك لأنه لا يحقق لها مردودا ماديا كبيرا كما هو الحال في غيرها من المطبوعات الأخرى. ويعتقد الحمدان أن الطفل في عصر التقنية والسرعة أخذ تشغله عن الكتاب الألعاب الحديثة سواء عن طريق أجهزة الكومبيوتر أو الإنترنت أو الـ«آي باد» أو «فيس بوك»، هذا بالإضافة إلى الفضائيات.

هذا الواقع، كما يضيف الحمدان، صعّب مهمة كاتب أدب الطفل وبالتالي مهمة دور النشر. وحمّل وزارة التربية والتعليم مسؤولية تشجيع إنتاج وتدريس وتوزيع كتاب الطفل في المدارس على اختلاف مستوياتها التعليمية المرحلية، كما ألقى بالمسؤولية على وزارة الثقافة والإعلام، التي ينبغي، كما يقول، أن تشجع أدب الطفل. ويقول بهذا الصدد: «للأسف، لا توجد في السعودية أية مكتبة عامة تشجع كتاب أدب الطفل ما عدا مكتبة واحدة، وهي مكتبة الملك عبد العزيز، التي تلعب دورا بارزا في هذا الجانب تقوم به بشكل جدي ومسؤول، أما بقية المكتبات العامة فتفتقر لعنصر الاهتمام بأدب الطفل وذلك لأنها تفتقر في الأصل للكوادر المؤهلة والمتخصصة في أدب الطفل وتربية الطفل وأطباء الطفل النفسيين الذي يتلمسون نوعية المادة المناسبة للطفل، كما أن هناك حاجة لكوادر تعي هذه المسؤولية وتشجع كتاب الطفل ونشره وتوزيعه». ويعتقد أن للقطاع الخاص دورا في هذه الحلقة من الاهتمام بأدب الطفل ولكنه شبه غائب، مستثنيا الدور الذي تطلع به شركة «أرامكو» في هذا الصدد.

ويقول الحمدان إن القطاع الخاص في البلاد المتقدمة يلعب دورا رياديا في هذا المجال، لا نجد له مثيلا في الدول العربية، عدا قبسات بسيطة، كتلك الجائزة التي تصدت لها الشارقة لكتاب الطفل سنويا، حيث تقدم الاتصالات هناك جائزة المبدع في هذا المجال بما يتجاوز المليون درهم، في الوقت الذي تشجع فيه دور النشر للظفر بها.

وعن دور جمعية الناشرين السعوديين في هذا الصدد، قال الحمدان: «كنا قد حاولنا أن ننظم معرضا خاصا لكتاب الطفل وقدمناه لوزارة الثقافة والإعلام لأكثر من مرة ولكن للأسف لم نتلقّ لحد الآن أي رد على هذا الطلب».

وأهاب بوزارة الثقافة والإعلام النظر في هذا الطلب بشكل جدي، داعيا للاستفادة من إمكانيات المنظمة العربية لحقوق الطفل التي تدعمها الغرفة التجارية الصناعية بالرياض وتقوم على أمانتها العامة الدكتورة مشاعل العتيبي، لافتا إلى ضرورة أن يقوم الإعلام بمسؤوليته في هذا الجانب بشكل أكثر مهنية.

* فاطمة الحسين: أدب الطفل

* في الخليج يتيم الوالدين

أما فاطمة الحسين مديرة المكتبة النسائية ومكتبة الطفل بمكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض، فذكرت بأن هناك شحا كبيرا في كتاب أدب الطفل، موضحة أن الأسباب متعددة منها النظرة الدونية لكاتب كتب الأطفال متسائلة: هل سبق أن انبرى أحد النقاد لتحليل ما صدر من كتب أدب الطفل؟ وهل حدث أن تم الاحتفال بأي كاتب لأدب الطفل؟

وترى الحسين، المشرفة على نشر كتب الأطفال ونادي كتاب الطفل بالمكتبة، أن هناك أسبابا همشت كتاب أدب الطفل، منها ضعف صناعة كتب الأطفال بشكل عام لأسباب منها ما يتعلق بالمردود المعنوي والمالي المتدني المقدم للكاتب، ومنها ما يتعلق بضعف الاهتمام بكاتب أدب الطفل من ناحية التأهيل، مشيرة إلى أنه لا يوجد دورات تأهيلية ولا دورات بالجامعات أو غيرها. وفيما يتعلق بتقييمها لدور المؤسسات الثقافية وخاصة المكتبات من أدب الطفل، أوضحت الحسين أنه في ظل النظرة الدونية لأدب الطفل، وخصوصا في مجتمعات ذكورية، وكأنه جزء خاص بالنساء، للنساء، فإن هذه المؤسسات أسيرة هذه النظرة القاصرة، وبالتالي لم تقدم ما يرقى لمستوى الطموح أو المطلوب.

وعن دور مكتبة الملك عبد العزيز تحديدا في أدب الطفل والاهتمام بكتاب الطفل، قالت الحسين: «تقوم مكتبة الملك عبد العزيز العامة بعدة أدور فقد أنشأت مكتبات متخصصة للأطفال تقدم خدماتها على مدار السنة لعموم جمهور الأطفال وللزيارات المدرسية، كما تقدم مراكز صيفية وبرامج متنوعة من خلال هذه المكتبات، وتقوم بدور الناشر لكتب الأطفال فهي تصدر سنويا عددا جيدا من كتب الأطفال المتميزة».

بالإضافة إلى ذلك، تقوم مكتبة الملك عبد العزيز، كما تقول فاطمة الحسين، بالتعريف بأدب الطفل السعودي من خلال ترجمة بعض كتب الأطفال للغات أخرى، في الوقت الذي تقوم به بعقد ندوات عن أدب الطفل.

وأشارت إلى أن المكتبة توجت جهودها بمشروع «نادي كتاب الطفل» وهو مشروع نادر في العالم العربي، فهو مشروع غير ربحي يهدف لإيصال الكتاب الممتع والنافع لأيدي الأطفال حيثما كانوا.

وأما نادي كتاب الطفل فهو، وفق الحسين، يتيح للطفل الاشتراك مقابل رسوم رمزية، ويرسل له بالبريد كتابين شهريا مما يشكل نواة لمكتبة منزلية للطفل، موضحة أن هذه الكتب يتم اختيارها بعناية ومنتقاة من جميع دور النشر في العالم العربي، كما أن النادي يخدم الفئات العمرية من عمر السنتين إلى الخامسة عشرة.

ومع ذلك اعترفت الحسين بتراجع وضعف صناعة كتاب أدب الطفل في الخليج العربي بشكل عام وفي السعودية بشكل خاص. وقالت: «ليس لدينا تاريخ عريق في إنتاج كتب الأطفال. فالتعليم العام لم يؤسس إلا قريبا ونجد أن دولا أخرى لديها مؤسسات ومنظمات تعنى بثقافة الطفل وكتب الأطفال قبل أن تظهر مدارس نظامية لدينا. ولكن هذا لا يبرر عدم تأسيس جمعيات وطنية تعنى بثقافة الطفل. وسبق وقدمت بهذا الشأن دراسة متكاملة لتأسيس الجمعية السعودية لثقافة الطفل».

وشددت الحسين على ضرورة تضافر الجهود تحت مظلة واحدة للعناية بثقافة الطفل بمختلف أشكالها: الكتاب، والمسرح، والسينما، والتقنية، مؤكدة أن عدم وجود جمعية أو مؤسسة حكومية أو مدنية تعنى بثقافة الطفل يعني عدم وجود جوائز سنوية للإبداع في مجال الطفل وعدم وجود برامج تدريبية وتطويرية، متسائلة: كيف تتوقع لطفل يتيم أن يكبر دون عناية؟ وأدب الطفل في الخليج كالطفل اليتيم.

وتضيف: «لا بد من دعم حركة النشر من قبل الحكومات وذلك بتأسيس مكتبات مدرسية في كل مدرسة وتزويدها بالكتب الجيدة ولا ننسى أن حركة النشر بأميركا للطفل في الخمسينات من القرن الماضي لم تزدهر إلا من خلال اهتمام الحكومة الفيدرالية بتزويد مكتبات المدارس ومكتبات الأحياء بكتب الأطفال مما أنعش حركة النشر للطفل».

وتعتقد الحسين أن المشكلة تكمن في أن كثيرا من دور النشر تريد الاستمرار بالنشر بعقلية القرن الماضي، فهي لا تريد التجريب والمغامرة، كما أنها لا تريد دفع تكاليف الإبداع والابتكار، مشيرة إلى أنها قد تكون هذه الدور معذورة حين نعلم أن حجم المبيعات للكتب في العالم العربي بسيط جدا، ما يعني أنه استثمار غير مجدٍ.

وطالبت مديرة مكتبة الطفل بمكتبة الملك عبد العزيز بضرورة توعية الآباء بأهمية القراءة للأطفال عن طريق برامج توعوية للأهالي، وضرورة جعل القراءة الحرة أحد متطلبات الانتقال من صف لآخر ومن متطلبات التقييم السنوي للطالب، كما أنه لا بد من وضع برامج تدريبية وتأهيلية للكاتب والرسام والمخرج والناشر أيضا، ومن ثم تسهيل حركة الكتب بالعالم العربي بتقليص أجور الشحن والجمرك، كما دعت إلى تأسيس جمعية تعنى بثقافة الطفل، بحيث يكون لهذه الجمعية أثر ملموس على حركة التأليف للأطفال، وتخصص هذه الجمعية جوائز سنوية مجزية بالاشتراك مع الشركات الوطنية الكبرى، وعبر مبادرات يقوم بها القطاع الخاص والعام كأن تكون هناك، مثلا، جائزة «سابك» لأفضل كتاب أطفال، وجائزة «أرامكو» لأفضل ناشر كتب أطفال، وجائزة «الاتصالات» لأفضل فيلم للأطفال، متسائلة أخيرا: ما الذي يمنع أن تقدم الشركات الكبرى دعما لتدريب عشرات من المبدعين الشباب في مجال الكتابة والرسم للأطفال؟

* د. خضير: جهود على الطريق

* الدكتور أحمد بن عبد الله بن خضير رئيس مجلس إدارة جمعية المكتبات والمعلومات السعودية اعتبر أن المكتبات هي مصدر المعرفة الأول لدى الطفل، وهي المؤشر الحقيقي لحضارة الدول والأمم، مضيفا أن المتتبع يجد أن نشأة المكتبات وازدهارها على مختلف العصور دليل على الارتقاء المعرفي. وقد أولى العصر الحديث، كما يضيف، اهتماما مشهودا بمكتبة الطفل وأدبه وكذلك بالأدوات والسبل التي تساعد على ازدهارها ونمائها، ولم يقتصر ذلك على النواحي المادية، وإنما كان الاهتمام بالطفل وتنوع معارفه وسلوكياته التي تحدد نمطية تلقيه للمعلومات وتأثره بها في حياته. لذلك اعتنى المتخصصون الجادون في مجال المكتبات والمعلومات بأدب القصص والروايات وطرق إلقائها، فعلى سبيل المثال: ما زالت تدرس في برامج الماجستير في الولايات المتحدة الأميركية مادة «Story - telling»، أي حكاية القصص.

ومن هذا المنطلق، كما يضيف، شكلت جمعية المكتبات والمعلومات السعودية، فريق عمل لوضع نموذج لمكتبة الطفل سواء مكتبة مستقلة أو مدرجة مع المكتبات العامة. وسيرفع التقرير الخاص بذلك للأمير سلمان بن عبد العزيز الرئيس الفخري لجمعية المكتبات والمعلومات، كذلك يبحث فريق العمل عن إيجاد منهجية للتعاون مع أقسام المكتبات والمعلومات في الجامعات السعودية والدولية لتطوير المقررات الدراسية المتعلقة بمكتبة الطفل والحكايات القصصية المرتبطة بمنهجيات التعلم.

وجمعية المكتبات والمعلومات السعودية تسعى لإيجاد التعاون المثمر في هذا المجال مع أصحاب المال والأعمال والمؤسسات الثقافية والتعليمية.

* العفالق: فاقد الشيء لا يعطيه

* من جانبه، أقر مشاري العفالق مدير عام دار الكفاح للنشر والتوزيع بأن المكتبة العربية تفتقر لكتب الأطفال، خاصة الكتب التي تجمع بين القيمة البنيوية والمعرفية وكل ما يتعلق بالمضمون من جانب مع مناسبة الأسلوب لعمر وحاجات الطفل وكل ما يثير اهتمامه من جانب آخر.

وعن مسؤولية دور النشر في نشر ثقافة التعاطي مع أدب الطفل وكتابه، أكد العفالق أن دور النشر والمؤسسات الثقافية والمكتبات تختلف فيما بينها من حيث الاهتمام بأدب الأطفال، لكنها عموما تظل مقصرة من حيث الإنتاج وحسن العرض، مبينا أن هذه ظاهرة ملحوظة في العالم العربي عموما وعلى مستوى دول الخليج العربي. ومع ذلك يعتقد العفالق أن هناك جملة من العوامل المؤثرة في ذلك، منها مثلا ارتفاع التكلفة مقارنة بالعائد وندرة المؤلفين القادرين على تقديم مضامين رائعة بأسلوب جذاب ومناسب للطفل إضافة إلى تعدد الوسائل التعليمية والترفيهية المطروحة للطفل، وقلة وعي كثير من الأهالي بأهمية تعويد أبنائهم على القراءة، بالإضافة إلى عدم وجود جهة رسمية قوية ومهتمة بتنشيط الكتاب والنشر للأطفال.

ويرى العفالق أن بداية تصحيح مسار النشر للأطفال ودعمه تبدأ بوضع استراتيجية واضحة تحقق هدفا طموحا وواقعيا. ولا بد أن تقوم هذه الاستراتيجية على وضع حوافز لدور النشر والمؤلفين للاستثمار بالمال والجهد والوقت في هذا المجال.

وقال: «من خلال خبرتنا في دار الكفاح في الاستثمار في مجال إنتاج وتوزيع كتب الأطفال أستطيع أن أؤكد أنه لو تم التخطيط بشكل صحيح وبمشاركة خبراء وممارسين للنشر لا بد أن يصبح أدب الأطفال سوقا منتجة في غضون سنوات قليلة».

* المرغلاني: ندرة اختصاصيي أدب الأطفال

* أما فيصل طاهر المرغلاني مدير المكتبة العامة بأبها والمشرف على المكتبات بمنطقة عسير، فيرى هو الآخر أن هناك نقصا كبيرا في كتاب الطفل بالدول العربية عموما، وذلك يعود إلى ندرة الإعداد الكافي للمختصين في هذا المجال. وأن كتب الأطفال المتوفرة حتى الآن، كما يضيف، تقتصر على الكتب التاريخية البسيطة وقصص الأطفال التي «عفا عليها الدهر»، وهي لا تتماشى مع متطلبات العصر الحديث وأساليبه التربوية والتثقيفية.

وفي هذا الصدد، حمل المرغلاني المكتبات ودور النشر والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الثقافية الأخرى جزءا من المسؤولية، بينما يرى أن المسؤولية الرئيسية تقع مناصفة على الكتاب والمؤلفين أنفسهم ودور النشر التي أصبحت تهتم بالكم وليس بالكيف.

وأشار المرغلاني إلى أن هناك نوعا من التوجه للاهتمام بالطفل وثقافته بدأ يظهر في المؤسسات الثقافية، وفي مقدمتها وزارة الثقافة والإعلام ومكتبة الملك عبد العزيز، إلا أنه لا تزال هناك حاجة ماسة لتضافر الجهود في صناعة هذا الأدب في منطقة بالخليج العربي بما لها من خصوصية دينية وتربوية وثقافية.

ويضيف المرغلاني أن «ضعف الوعي الثقافي والتربوي في العالم العربي ودول الخليج بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة، يعتبر من أهم التحديات التي تواجه كتاب الطفل، الذي لا يمكن الارتقاء بصناعته إلا بتوفير كل المقومات لذلك من مؤلفين وكتاب مع ضرورة توفر دعم لدور النشر للقيام برسالتها في نشر ثقافة أدب الطفل بين جميع فئات المجتمع».

ويرى أن «عدم التواصل بين المؤسسات الثقافية والمهتمين بهذا الأدب وصناعته هو السبب الرئيسي في إيجاد هذه الفجوة، في ظل غياب الرؤية الاستراتيجية نحو الطفل كثروة قومية».

* الصقعبي: الاهتمام بالكاتب أول الغيث

* ويرى الروائي السعودي عبد العزيز صالح الصقعبي أن الكتابة للطفل وكتب الأطفال تقبع في آخر اهتمامات الكتاب والناشرين، في الوقت الذي تعتمد فيه بعض دور النشر على ما يترجم.

وحول تقييمه لدور وموقف المؤسسات الثقافية وخاصة المكتبات من أدب الطفل، يعتقد الصقعبي أن هناك موقفا سلبيا تجاه أدب الأطفال، فأغلب المؤسسات ومن ضمنها المكتبات يهمها الربح المادي، لذا فهي تبحث كما يعتقد عن الكتب التي تحقق رواجا ولو على حساب القيمة الفنية.

ويضيف: «هناك أفراد مهمومون بإبداع الطفل، ولكنهم قلة، وبالطبع من الصعوبة أن يكون لدى فرد واحد القدرة على الكتابة والنشر، إذ لا بد من وجود مؤسسات معنية بإبداع الطفل، يكون في آخر قائمتها الربح المادي، وهذا ما نفتقده».

وبرأيه، فإن الارتقاء بصناعة الكتاب الموجه للطفل، يمر عبر ثلاث خطوات؛ الأولى: التأليف، إذ لا بد أن يملك الكاتب الذي يمارس الكتابة للأطفال خيالا خصبا، وكذلك وعي جيد بعالم الأطفال بفئاته العمرية المختلفة، أما الخطوة الثانية، فهي صناعة كتاب الطفل نفسه، وهذه تحتاج لمتخصصين قادرين على إنتاج متميز وجاذب للأطفال، من حيث الصورة، والألوان، والورق وزنه وحجمه، والغلاف.. إلخ، والخطوة الثالثة هي مسألة التسويق والترويج للكتاب، والتوجه للأطفال في أماكن وجودهم المختلفة والتعريف بذلك النتاج، وتشجيعهم على اقتنائه، دون أن يكون ذلك عبئا على أهلهم، شريطة أن يكون الكتاب للجميع وليس لمن يقدر على الدفع فقط.

* د. صباح: كتاب الطفل في تطور

* أما الباحثة في مجال أدب الطفل، الدكتورة صباح عيسوي، أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة الدمام، الحاصلة على درجة دكتوراه في أدب الطفل بالسعودية، فتقول: «نعاني في عالمنا العربي من شح واضح في كتاب أدب الطفل.. بالطبع لدينا من يكتب للطفل ولكن المتميزين من بينهم قلة إذا ما قارناهم بعدد الدول العربية وعدد الأطفال فيها.. وما يزيد من المشكلة أنه على الرغم من التطور الملحوظ في كتب الأطفال خلال العقدين الأخيرين، فإننا ما زلنا نفتقر إلى كتّاب يملكون مهارات الكتابة للطفل ويواصلون الكتابة ليحققوا اسما لامعا ومكانة مميزة ككتاب للطفل.. هؤلاء عملة نادرة نفتقر إليها».

وتعتقد عيسوي التي أصدرت كتاب «ثقافة الطفل.. كيف ننميها» أن المؤسسات الثقافية تسهم بشتى أنواعها بدور جوهري في أدب الطفل عبر النشر والتوزيع والترجمة من ناحية، والتعريف بدور النشر والكتاب وتشجيعهم من ناحية أخرى، لكنها ترى أن هناك تقصيرا في أدوار أساسية للمؤسسات الثقافية في نواح حيوية مثل عقد دورات وورش عمل لأصول الكتابة للطفل، وفي فن رسم الصور، والتقنيات الحديثة في إخراج كتاب الطفل.

ومع ذلك لا ترى عيسوي تراجعا في صناعة كتاب الطفل، بل ترى العكس تماما، موضحة أن كتب الأطفال في تطور. وأرفف الكتب المعروضة في المكتبات تظهر هذا التطور في كتب الأطفال شكلا ومحتوى، وإن كان هناك أيضا كتب لا ترقى إلى المستوى المطلوب، لكن برأيها كتب الأطفال في العالم العربي عموما تسير نحو الأفضل.

وللارتقاء بصناعة الكتاب الموجه للطفل، ترى أننا «نحتاج بداية إلى الاعتراف بمكانة كتاب الطفل كوسيلة لا غنى عنها في تنمية ثقافته وصقل شخصيته، وفي ذات الوقت لا بد لنا من إعطاء صناع كتاب الطفل حقهم من التقدير فهذا أكبر دافع لهم حتى يعطوا فكرا وإبداعا. ولا بد من الاطلاع على الحديث على المستوى العالمي في هذا المجال والاستفادة من التجارب الناجحة حتى نوفر الوقت والجهد ولا نعلق في البدايات».

وأضافت: «لا شك أن جزءا كبيرا من مسؤولية الارتقاء بكتاب الطفل يقع على المؤسسات الثقافية والتربوية والأكاديمية ليس فقط في تقديم الدعم والتشجيع وتيسير صناعة الكتاب، وإنما في الرعاية والتنقيح والتوجيه بحيث لا يتم نشر الكتاب المقدم للنشر إلا بعد وصوله للمستوى المطلوب».

وفي نفس الوقت ترى عيسوي أن البون ليس شاسعا بين المؤسسات الثقافية والكفاءات والمبدعين في مجال أدب للطفل، مبينة أن قنوات الاتصال والتعاون مفتوحة للجميع، «ربما ما نحتاجه هو تنظيم هذا التواصل عبر مؤسسات ولجان وسبل التقنية الحديثة التي من شأنها أن تيسر هذا التواصل وتزيد من فاعليته».