السينما الخليجية.. الواقع والتحديات

TT

بداية، أريد أن أبدي تحفظي على مفهوم أو مصطلح «السينما الخليجية» لأنه مصطلح غير دقيق جغرافيا، هل هي السينما المنتجة في دول مجلس التعاون الخليجي، أو الدول التي تقع حول الخليج، أو الدول العربية المطلة على الخليج؟!

وغير دقيق فنيا لأنه يوحي بأن هناك، في دول الخليج، سينما ملتحمة عضويا، لها ملامح فكرية وفنية وجمالية واضحة وملموسة، في حين أنها مجرد محاولات وتجارب فردية، متباينة المستوى والقيمة، طرحت نفسها في فترة قصيرة زمنيا.. لا توحدها سمات معينة أو ملامح خاصة أو شخصية متفردة تميزها عن السينما في أقطار عربية أخرى.. لا من حيث الأشكال والأساليب، ولا المضامين التي تطرحها.

الأفلام المنتجة في دول الخليج لا تزال - تاريخيا - في طور النشوء والتكون. لقد أنتجت دول الخليج، منذ السبعينات - من القرن الماضي - وحتى الآن عددا قليلا جدا من الأفلام الدرامية الطويلة، أما الأفلام القصيرة فكانت تنتج في فترات متباعدة وبوسائل متواضعة إن لم نقل فقيرة، ولم تتزايد وتنتعش إلا منذ سنوات قليلة.

فنيا، أغلب هذه الأفلام لم ترق إلى المستوى الذي نحلم به أو نطمح إليه، أي تلك التي تتناغم فيها الرؤية العميقة للواقع وللحياة، مع الأبعاد الجمالية التي تحققها عناصر فنية بارعة وواعية. كانت محاولات فردية، بجهود ذاتية طموحة وتكاليف بسيطة، لم تستطع أن تؤسس لحركة سينمائية قادرة على أن تفرض نفسها على الواقع، وأن تخلق كوادر فنية مؤهلة، وأن تستقطب التمويل اللازم، سواء من الحكومات أو القطاع الخاص لدعم هذه الفعالية أو حتى للاستثمار في هذا المجال.

هذا لا يعني أن تلك المحاولات ساذجة وبدائية ولا قيمة لها. بالنظر إلى كل محاولة كحالة مستقلة، كفيلم قائم بالعناصر الفنية المتاحة والإمكانات المادية المتواضعة، يتحتم علينا القول بأنها محاولات شجاعة، جريئة، جديرة بالثناء والإعجاب. وفنيا، هي لا تخلو من ومضات والتماعات لافتة، قدمها شباب شغوفون بالفعل السينمائي.

في السنوات الأخيرة شهدت أقطار الخليج طفرة في إنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية، وهذا ما لاحظناه بجلاء من خلال مشاركات المخرجين الشباب في المسابقات والمهرجانات، حيث شاهدنا العشرات من الأفلام القصيرة ذات المستويات المتباينة فنيا وتقنيا، المتنوعة في مواضيعها، والتي تتفاوت في الجودة والضعف، العمق والسطحية، الجدة والاستسهال.

من المؤكد أن هذه الطفرة هي نتاج المسابقات المحلية والخليجية، حيث إن هذه المسابقات تشكل دوافع وحوافز تشجع السينمائيين على الإنتاج والمشاركة، كما أنها توفر مناخا حيويا يتحرك فيه الشباب بحماسة ظاهرة. لقد ساهمت المهرجانات في إبراز مواهب عدد من السينمائيين الشباب في مجالات الإخراج وكتابة السيناريو والتصوير والعناصر الفنية الأخرى، هذه المواهب قدمت عددا من الأعمال الجيدة واللافتة، على مستوى الموضوع أو الشكل الفني الجمالي، بلغة بصرية متقنة.

لكن المهرجانات عادة هي فعالية تهدف إلى إقامة مسابقات، وتسويق الأفلام، مع الاهتمام بتظاهرات معينة وإتاحة الفرصة للسينمائيين للالتقاء بالجمهور والنقاد والصحافيين، لكن لا يمكن للمهرجان أن يعوض عن النقص الأكاديمي، أو يكون بديلا عن غياب المعهد أو الثقافة السينمائية.

لقد ساعدت التقنيات الحديثة، وخصوصا كاميرا الديجيتال، في تطوير العملية السينمائية، سواء في ما يخص التصوير أو المونتاج أو تسجيل الصوت، وحلت مشكلات كثيرة، وهي متوفرة بسهولة. ومع أنني أشجع استخدام مثل هذه التقنيات، إلا أنني أربط استخدامها بضرورة وجود رؤية حديثة أيضا، فهذه الرؤية هي التي تحدد للمبدع ما يريد أن يقول.

عندما يلجأ الشباب، في الخليج كما في بقاع أخرى من العالم، إلى استخدام كاميرات الفيديو للتعبير عن ذواتهم وواقعهم، عن مشاعرهم ومواقفهم، فإنهم لا يؤخذون بجدية، بل يواجهون وافرا من صيحات الاستهجان والسخرية لأنهم لا يستخدمون كاميرات السينما.

عند الحديث عن الأفلام المنتجة في دول الخليج، كيف يمكن أن نقيم - نقديا - تجارب سينمائية (تشمل الأفلام الطويلة والقصيرة معا) لا تزال تعيش طفولتها.. طرية وهشة لا تزال (رغم أنها تعد بالكثير).

هل يمكن لهذه التجربة، محاطة بما لا يحصى من عقبات وعراقيل ومشكلات، أن تصمد أمام نقد صارم لا يكترث بالمبررات والمعطيات، بل بالنتائج، بما هو معروض على الشاشة كعمل منجز، منته، مكشوف أمام النقد والتقييم، أمام استجابات وردود فعل الجمهور والنقاد على سواء؟

لكن، من جهة أخرى، هل حداثة التجربة وطراوتها، بحكم البدايات، تشفع لمنتج الفيلم (أعني من يحقق الفيلم) كل أخطائه وشوائبه ونواقصه؟ هل تكون ذريعة للتغاضي عن ضعف عمله أو سلبياته؟

إذا كان النقد الصارم عاملا حاسما في إلحاق الضرر بمنتج العمل، وربما تدمير موهبته الغضة التي لم تتبلور وتتقو وتتماسك بعد، ألا يمكن للنقد المتساهل، المتعاطف، المتغاضي عن الأخطاء، أن يمارس الضرر نفسه؟

أخيرا، عندما نلاحظ حجم المشاركات من النتاجات المحلية في المهرجانات، نكتشف أننا إزاء ظاهرة جديرة بالتقدير والاهتمام، وأننا إزاء جيل شجاع يعرف كيف يتحدى، وكيف يجسد أو يصوغ أحلامه بالصورة والصوت والضوء، وإزاء حركة سوف تفرض حضورها في الفضاء السينمائي.

لا بد أن هؤلاء الشبان، منتجي الأفلام، يتمتعون بروح عالية من الشغف بالفن السينمائي من جهة، ومحاولة فرض أنفسهم وأفلامهم، وإثبات حضورهم في الساحة الثقافية، وانتزاع اعتراف الآخرين بهم. وهم يعلمون جيدا أن أمامهم طريقا طويلا وشاقا من النضال.

والمطلوب، دعم المواهب الشابة، وتحفيزهم على فتح آفاق جديدة في التعبير والاتصال، وتحريضهم على اكتساب المعرفة النظرية في الثقافة السينمائية، ودراسة الأفلام عبر المشاهدة والتحليل، والمعرفة العملية والتطبيقية، وذلك من خلال ورش العمل المختلفة، والدورات التدريبية المكثفة.. وأن تتاح لهم حرية العمل بلا كوابح أو محاذير.

* مقتطفات من ورقة ألقاها الكاتب في ندوة أقيمت الاثنين (16-1-2012) في جمعية الثقافة والفنون بالدمام (شرق السعودية) بعنوان «الفيلم القصير: الواقع والمأمول».-