هل تستطيع السينما أن تغير ذهنيات الفرنسيين؟!

على هامش اكتساح فيلم «المنبوذون» لقاعات العرض

مشهد من الفيلم
TT

هل يستطيع فيلم ما، مهما كانت جودته وجماهيريته، أن يغير عقليات شعب ما؟ هل يستطيع فيلم ما أن يساهم في الحد من العنصرية، مثلا، ويساعد على تقبل الآخر، الغريب والأجنبي؟ ليس من جواب شاف ونهائي.

لقد جرب الفرنسيون الأمر، في ميدان آخر مختلف، نوعا ما، ونقصد به فوز فرنسا بكأس العالم لكرة القدم سنة 1998، فهل استطاع هذا الإنجاز الكروي الفريد الذي ساهمت فيه أغلبية من لاعبين من أصول سوداء وعربية أن يحد من غول العنصرية المقيتة، أو أن يغير من نظرة الفرنسيين إلى مواطنيهم من غير ذوي الأصول الغالية، وخصوصا من السود والعرب؟

لم نكن نحن من طرح السؤال، بل إن الطبقة السياسية الفرنسية هي التي طرحته، وكان أملها، وهي ترى فرحة الانتصار على وجوه الجميع، أن تساهم هذه الفرحة في الحد من الاحتقان الاجتماعي، وخصوصا في الضواحي الملتهبة.

ولكن الأمر ليس ورديا، بأي حال، فما إن مرت أسابيع قليلة على الاحتفال بهذا المنجز الكروي، حتى عادت الأمور إلى سابق عهدها، أي إلى اليومي الصعب، وإلى الكليشيهات والأفكار المسبقة، وتناسى الناس أن زين الدين زيدان من أصول عربية. ووصل الأمر، هذه الأيام، إلى أن أكثر من 30 في المائة من الفرنسيين، حسب استطلاعات للرأي، لا يجدون أي غضاضة في التصريح باستعدادهم للتصويت لمرشحة الحزب العنصري الفرنسي مارين لوبين.

وقد طرح سؤال السينما وتغيير الذهنيات أكثر من مرة في الثقافة الفرنسية، لعل من أبرزها وأكثرها رمزية، عرض فيلم «أندجين»، الذي دفع رئيس الجمهورية الفرنسية، آنئذ، جاك شيراك، إلى ذرف بعض الدموع، مما دفعه لإصلاح حيف كان يعاني منه المحاربون القدامى من الأصول العربية والأفريقية.

ولكن لا يجب الحديث عن علاقة آلية بين الفيلم وإصلاح ضرر تاريخي، فالمطالبة بهذا الحق، لم تتوقف منذ عقود، وخاضت في الأمر جمعيات قدماء المحاربين ومؤرخون وساسة. إذن، فإن الفيلم جاء في وقت مناسب، سمح للقانون بأن يمر في ظروف تقبل من الجميع.

وفي سياق آخر، جاء عرض فيلم «أهلا بكم في بلاد النورماندي»، الذي ينتصر للكنة فرنسيي الشمال في فرنسا، وقد عرف الفيلم نجاحا منقطع النظير، غيّر، قليلا، من نظرة الفرنسيين إلى هذه اللكنة التي كانت دوما محط سخرية وتنكيت، ولكنه لم يكن حاسما، إذ سرعان ما ظهرت شعارات الاحتقار لهم في ملاعب كرة القدم الباريسية.

وللتذكير فقد كانت السينما الفرنسية، في بلد يعقوبي كفرنسا، لا تعترف إلا بلغة واحدة (إلى الساعة تتملك الساسة الفرنسيين حساسية كبيرة حين يتم الحديث عن لغة كورسيكية أو بروتانية أو باسكية وغيرها، وهم لا يتورعون عن البحث عن الاختلاف والتعدد اللغوي في مستعمراتهم السابقة واللعب على أوتارها) ولكنة واحدة، تؤدى بنفس الرنة، ونقصد اللكنة الباريسية، وامتد الأمر على مدى عقود طويلة، ولم تسمح المؤسسة السينمائية، إلا في السنوات الأخيرة، بظهور لكنة سكان مارسيليا مثلا، وأصبحنا نراها مع المسلسل اليومي الفرنسي الناجح «Plus belle la vie» الذي تبثه القناة «الثالثة».

المثال السينمائي الثالث يتعلق بفيلم «المنبوذون»، وقد تجاوز، إلى الآن، رقم 18 مليون مشاهد، وهو رقم لم تصل إليه في تاريخ السينما الفرنسية سوى ثلاثة أفلام: «تايتانيك»، و«أهلا بكم في بلاد النورماندي»، و«بيضاء الثلج»، فهل يمكن المراهنة على شيء ما في الفيلم، غير الإمتاع والتسلية والإضحاك؟ أي من قبيل إحداث تغيير جوهري في العقليات الفرنسية؟

صحيح أن الرئيس نيكولا ساركوزي بادر، مقلدا الرئيس جاك شيراك مع فيلم «أندجين الجمهورية»، إلى دعوة طاقم الفيلم من أجل مشاهدته في الإليزيه.. فهل كان الأمر بسبب رسالة الفيلم الإنسانية النبيلة أو محاولة منه لاحتواء فيلم جماهيري مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي؟

وإذا كان هذا الفيلم قد حظي بكل هذا الإقبال (هو الأول، أيضا، في قاعات العرض الألمانية)، وبتقريظ من النقد، باستثناء مقال أميركي لاذع نشر في مجلة «Variety»، اتهمه بالعنصرية، ووصف دور عمر سي «بقرد المرافقة»، وسخر من السيدة التي تخاطبه في الفيلم وتقدم له بدلة وتقول إنها تشبه بدلة الرئيس أوباما، كما لو أنه «الرجل الأسود الوحيد الذي يمتلك بدلة»، فلا شيء يدل على أنه سيساهم في تغيير عقلية المشاهدين، على الرغم من أن عمر سي، جاء ثالثا في ترتيب الشخصيات الأكثر شعبية في فرنسا. وعلى الرغم من دموع البعض وتأثرهم، فالأمر لا يتعدى لحظات مشاهدة الفيلم، وينتهي الأمر.. إذ سرعان ما ينتصر الواقع العنيد، واقع الأزمة الساحقة، البطالة، التي تجعل كل ما هو غريب وأجنبي ومختلف ينظر إليه وكأنه من افتعل الأزمة وسرق وظائف الفرنسيين وأرزاقهم!

باختصار، لا يمكن التشكيك في الدور الإيجابي للثقافة، ولكنها ليست كافية لإحداث التغيير من دون ساسة يمتلكون الجرأة وبعد النظر، وقد كان الجنرال ديغول، وتلميذه شيراك، منهم!

«المنبوذون» فيلم كوميدي، يطرح مشكلة الطبقية في فرنسا من خلال النظرة السلبية للفرنسيين تجاه المهاجرين المغاربة والأفارقة الذين يسكنون الأحياء الفقيرة، وهو للمخرجين إريك توليدانو وأوليفيه نقاش، ويروي قصة الأرستقراطي المشلول الذي يجد سعادته بفضل خادم بوهيمي وخريج سجون، ابن حي فقير.