الجنادرية: عين على الساحة العربية وأخرى على العالم

400 لوحة فنية تشكيلية ومعرض لفنون الخط العربي والتصوير الفوتوغرافي

مشهد من المهرجان
TT

قد يكون أقرب وصف لمهرجان الجنادرية في دورته السابعة والعشرين هذا العام، هو «عين على الساحة العربية وعين على القوى المحيطة بها»، فالمهرجان لم يتجاوز أحداث الساعة التي تعيشها الأمة العربية، كما لم يغفل الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الناهضة والمحيطة بالعالم العربي، حيث يستعرض دور هذه القوى وعلاقاتها مع عالم عربي تتشكل معالمه السياسية خلال هذه الفترة.

المهرجان تفاعل مع الأحداث الجارية بدراستها وتفكيكها من الناحية الثقافية، فأبرز المحاور تم تخصيصها للربيع العربي، ورسم علاقة المثقف بالمستجدات على الساحة العربية وما تموج بها من أحداث يختلط فيها السياسي بالثقافي، حيث خص المهرجان هذه الأحداث بمحوره الرئيسي في نشاطه الثقافي المنبري.

ويعكس طغيان أحداث الربيع العربي على فعاليات المهرجان الثقافية التجاوب السريع للمهرجان مع الأحداث المستجدة التي تشهدها الساحة العربية سياسيا وثقافيا، حيث عكست العناوين والمحاور للمناشط الثقافية دور الثقافة والمثقف في الأحداث التي تعيشها الساحة العربية منذ مطلع عام 2011.

ويشهد المهرجان هذا العام تميزا في العديد من الفعاليات والنشاطات، حيث تمت دعوة أكثر من 300 مفكر وأديب من مختلف دول العالم للمشاركة في إثراء النشاط الثقافي والنقاش، حيث تتضمن أجندة المهرجان إقامة العديد من الأنشطة في عدة مدن تناقش محاور ثقافية مختلفة.

واشتمل البرنامج الثقافي للجنادرية (27) الذي دشنه الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز مساء الخميس الماضي، على عدد من المحاور التي تعكس التغيرات التي تشهدها الساحة العربية، ومنها محور المثقف العربي والمتغيرات السياسية، للنقاش حول جدلية العلاقة بين السلطة والمثقف في العالم العربي، حيث يضم البرنامج الثقافي للمهرجان السنوي محور المثقف العربي والمتغيرات السياسية، ووضع المثقف العربي من المتغيرات. كما يناقش ضيوف المهرجان علاقات العالم العربي بالدول المجاورة، حيث تم تخصيص محاور لمناقشة علاقات العرب بالقوى الإقليمية، من خلال محور العرب وإيران، ومحددات العلاقة ومستقبلها، وفي المحور الثاني تتم مناقشة علاقة العرب مع تركيا لناحية الأمن الإقليمي، وتشخيص حالة العلاقات من النواحي السياسية والاقتصادية.

وفي محور العرب والقوى الإقليمية، يناقش ضيوف المهرجان وضع العرب من أفريقيا والبعد الاستراتجي للعلاقة القائمة والمطلوب، وعلاقة العرب مع القوى الناهضة في أفريقيا، وتوسيع أطر الشراكة العربية الأفريقية.

وفي الوقت الذي تطغى فيه حالة الربيع العربي، وقراءة العلاقات مع القوى المحيطة، يناقش المهرجان في المشهد المحلي وضع المرأة وإشكالية المشاركة الوطنية الفاعلة، إضافة إلى تسليط الضوء على واقع الشباب السعودي من حيث الطموحات والتطلعات والمعوقات، وذلك عبر محور مخصص للإعلام التفاعلي والشباب والمتغيرات، ومحور الجيل والإعلام التفاعلي والمجتمع.

مناشط المهرجان تخرج هذا العام من حيز المكان لتشارك مناطق أخرى في الفعاليات الثقافية عبر أمسيات شعرية ضمن جدول المهرجان في كل من مدينة جدة ومدينة أبها جنوب السعودية ومحافظة الأحساء في المنطقة الشرقية من السعودية.

واعتبر عبد المحسن التويجري، نائب رئيس الحرس الوطني المساعد ونائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان، أن المهرجان يواصل رسالته في تعميق العلاقة بين الماضي والحاضر، ويتفاعل مع القضايا الملحة التي تهم الأمتين العربية والإسلامية من خلال البرامج والفعاليات الثقافية والتراثية المتنوعة.

وفي جانب المعارض الفنية المصاحبة للمهرجان، نظم جناح الفنون التشكيلية معرضا ضم 400 لوحة تشكيلية لـ300 فنان وفنانة من التشكيليين، بالإضافة إلى جناح الخط العربي، وجناح التصوير الضوئي (الفوتوغرافي) ضم مشاركات من دول مجلس التعاون الخليجي، وفي الجانب المسرحي ضمت قائمة فعاليات المهرجان 6 مسرحيات للطفل.

وامتدادا للتقليد الثقافي الذي ينتهجه المهرجان في التواصل مع الثقافات المختلفة، تتم استضافة إحدى الدول الشقيقة أو الصديقة كضيف شرف على المهرجان، وفي هذه الدورة تشارك جمهورية كوريا الجنوبية في «جنادرية 27» كضيف شرف، حيث سيتعرف زوار المهرجان على الثقافة الكورية من خلال العروض التي سيقدمها الجناح الكوري الذي سيتيح فرصة لزوار ومرتادي المهرجان للتعرف على الثقافة الكورية عن قرب.

وتأتي المشاركة الكورية في المهرجان للتأكيد على قيم الصداقة والتعاون بينها وبين السعودية، وتعميق هذه القيم بين الشعبين السعودي والكوري، ففي عام 2012 تكمل العلاقات السعودية الكورية 50 عاما على بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين.

ويلفت القائمون على المهرجان إلى أن العلاقات بين البلدين اتسمت بالتميز والتطور في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها، وأن مهرجان الجنادرية يعتبر استضافة جمهورية كوريا كضيف شرف للمهرجان فرصة ذهبية لعرض الثقافة الكورية في أجمل صورها، كما أنها تعكس التعاون القائم بين البلدين في شتى المجالات الثقافية والتعليمية حيث نجد أن هناك ما يزيد على 200 طالب وطالبة يدرسون حاليا في الجامعات الكورية في مختلف التخصصات والمجالات.

ويضم الجناح الكوري 8 صالات نظمت بشكل متناسق لتبلغ رسالة الشعب الكوري للشعب السعودي الصديق ولكي تعكس التاريخ الكوري منذ القرن السابع بما في ذلك 1000 عام من التبادل التاريخي بين العرب وكوريا.

وفي المجمل، يحرص مهرجان الجنادرية على تأكيد الهوية العربية وتأصيل التقاليد الوطنية بشتى جوانبها، كما يؤكد عاما بعد عام على استقراء واستعراض التراث الوطني والمحافظة عليه، وأنه نقطة انطلاق السعوديين إلى العالمية، وفي الوقت ذاته، يحظى المهرجان باهتمام كبير من ذوي الاختصاص في التراث العربي ومن المفكرين والباحثين لما يتمتع به من تنوع في الفعاليات والأنشطة، ولما يدور فيه من نقاشات ثقافية تستقرئ المستقبل وتشخص الحاضر بكل أبعاده.