ثورات الربيع العربي ألقت بظلالها على معرض القاهرة الدولي للكتاب

الكتابة عن أسرار وكواليس 25 يناير وصعود التيارات الإسلامية أبرز سماته

مبيعات «سور الأزبكية» تأثرت بالأحداث السياسية مقارنة بالدورات السابقة
TT

طغت روح ثورة 25 يناير على فعاليات الدورة الثالثة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، التي اختتمت أعمالها يوم الثلاثاء الماضي، كونها الدورة الأولى للمعرض التي تنظم بعد الثورة.

أقيم المعرض تحت محور رئيسي بعنوان «عام على ثورة 25 يناير»، والذي ناقش عدة قضايا فكرية وثقافية تحت هذا المفهوم. كان المعرض قد افتتح يوم 22 يناير (كانون الثاني) ولمدة سبعة عشر يوما على أرض المعارض بحي مدينة نصر، تخللها إغلاقه يومي 25 و26 يناير للاحتفال بالذكرى الأولى للثورة المصرية. فيما شارك في الدورة المنقضية عدد كبير من الناشرين بلغ عددهم 745 ناشرا عربيا وأجنبيا ومصريا، من 29 دولة عربية وأجنبية منها 17 دولة عربية، و12 دولة أجنبية. فيما حلت تونس ضيف شرف على هذه الدورة تقديرا لدورها في ثورات الربيع العربي.

كانت أبرز سمات المعرض هذا العام اهتمام دور النشر بطرح الإصدارات التي تتناول ثورة 25 يناير، سواء كان ذلك متعلقا بالجانب الفكري أو التوثيقي لأحداثها، أو عبر يوميات وشهادات أدلى بها ثوار، أو فيما يتعلق بالجانب الإبداعي الذي شهد أنواعا مختلفة تراوحت بين الأدب الساخر، والروايات، والمقالات، والسيرة الذاتية. كما شهد المعرض كتبا تتعلق بكشف كواليس المطبخ السياسي في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وأسرار وخبايا الساعات الأخيرة في حكمه. إلى جانب عشرات الكتب التي تتناول بالرصد والتحليل ثورات الربيع العربي، وفي هذا الإطار جاءت أكثر الندوات الثقافية والفكرية.

ومن بين العناوين التي شهدها المعرض هذا العام «ثورة 25 يناير.. قراءة أولية ورؤية مستقبلية»، وهو مجموعة من الأبحاث اشترك فيها 27 باحثا وخبيرا سياسيا، و«عواصف الربيع العربي.. محاولات إجهاض الثورة»، للكاتب الدكتور حلمي القاعود، و«الثورة المصرية بين المرحلة الانتقالية والقضية الفلسطينية» للدكتور عبد العليم محمد.. و«هؤلاء أسقطوا الرئيس.. كواليس المطبخ السياسي» للكاتب محمد أبو زيد.

إلى جانب إصدارات أخرى مثل «جمهورية الفساد.. مبارك والذين معه.. أشهر قضايا النهب بالمستندات»، «سقوط الآلهة.. كيف انهار مبارك ورجاله»، «موقعة الجمل» «ثورة تقفيل مصري»، «عالبحر ثورة بتتمختر»، «على باب الثورة»، «أهو ده اللي ثار»، «نصف ثورة آخر»، «ثورة الخل والبصل»، «يوميات ثورة الفل». وبالإضافة إلى الأعمال الفكرية، صدرت عدة أعمال إبداعية تتناول الثورة، منها ديوان شاعر العامية عبد الرحمن الأبنودي بعنوان «الميدان»، ويوزع مع الكتاب هدية اسطوانة CD بصوت الأبنودي، وديوان «أرفع رأسك عاليا» للشاعر حلمي سالم، فيما بدأ الشاعر حسن طلب ثلاثيته الشعرية «أنجيل الثورة وقرآنها»، وضمّن الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي ديوانه الأخير «طلل الوقت» قصائد عن الثورة بعد توقف عن الكتابة دام 20 عاما، وديوان «ملائكة الميدان» للشاعر زكى خليفة، وديوان «مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر» للشاعر زين العابدين فؤاد.

واللافت أيضا أن كتب الأطفال هذا العام ارتبطت هي الأخرى بالثورات العربية، لتقديم مفاهيم سياسية بشكل مبسط عن تلك الثورات وقصة حدوثها وكفاح شعوب هذه الثورات للتخلص من الظلم والفساد والاستعمار الداخلي.

السمة الثانية في المعرض هذا العام، كانت في طرح إصدارات تتناول صعود التيارات الإسلامية بعد ثورة 25 يناير، ويأتي في مقدمة هذه الإصدارات «السلفيون في مصر» للكاتب الصحافي صلاح الدين حسن، «الانقلاب الفكري للجماعة الإسلامية.. من اغتيال السادات حتى خلع مبارك» وهو دراسة للمؤلف محمد أبو عطية من قيادات الصف الثاني في الجماعة الإسلامية، «الإسلاميون والثورة» لأحمد زغلول الذي يرصد موقف التيارات الإسلامية من ثورة 25 يناير وتداعياتها، «عنابر الموت» الذي يرصد جرائم التعذيب الوحشية التي كانت تتم في السجون خاصة ضد المنتمين إلى التيارات الإسلامية في عهد مبارك. وكانت السمة الثالثة مع ختام فعاليات الدورة في اختيار أفضل عشرة كتب صدرت خلال عام 2011، والتي تبلغ قيمة جوائزها عشرة آلاف جنيه (1658 دولارا)، والتي يخصصها المعرض لأول مرة منذ إنشائه، في عشرة فروع منها تشمل الرواية، وشعر الفصحى والعامية، والقصة القصيرة، وأفضل كتاب علمي، والتراث، والسياسة، والعلوم الاجتماعية، والفنون.

وجاء ديوان «الميدان» للشاعر عبد الرحمن الأبنودي في فئة أفضل ديوان شعر بالعامية، وهو صادر عن هيئة الكتاب، وفى فئة أفضل ديوان شعر فصحى فاز ديوان «ارفع رأسك عالية» للشاعر حلمي سالم، وفى مجال الرواية فازت رواية «سأكون كما أريد» لحمدي عبد الرحيم، وأفضل مجموعة قصصية فازت «حلم يقظة» لهيثم الورداني.

وفى فئة الفنون فاز كتاب «أرض أرض» لشريف عبد المجيد، وفى مجال السيرة فاز كتاب «سيرة الإمام محمد عبده» للكاتب محمد رشيد رضا، وفي فئة كتب الأطفال فاز كتاب «25 أغنية للأطفال» للشاعر محمد أحمد بهجت.

وفي مجال العلوم الاجتماعية فاز كتاب «سيكولوجية الدجال» لطلعت حكيم، وفي مجال السياسة حصد الجائزة كتاب «الدين والثورة والتطرف» للدكتور نبيل عبد الفتاح، وفي مجال العلوم فاز كتاب «مستقبل الطاقة النووية والأمن العربي» لمحمد زكى عويس.

وبحسب وزير الثقافة المصري، الدكتور شاكر عبد الحميد، فإن دورة العام الحالي كانت دورة مختلفة، سواء في الأنشطة أو الإصدارات المصاحبة للمعرض، إضافة إلى ما تضمنته من اشتباك حقيقي مع كل القضايا المفتوحة التي تطفو على السطح ومناقشتها بجدية. مضيفا في كلمته الختامية للمعرض: «لقد نجحنا ووصلنا لهذه اللحظة وقدمنا شيئا لمصر، وقد نجح بجميع من شارك في هذا المعرض، ولا نقول إن الأمر كان مثاليا ولكن كان يجمع بين الإيجابي والسلبي».

وفى إحصائية عن معرض القاهرة الدولي للكتاب قال د. أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة للكتاب، إن متوسط عدد الزائرين كان 60 ألف زائر يوميا، أي إن إجمالي عدد الزائرين بلغ مليون زائر للمعرض هذا العام، وعن حجم المبيعات بجناح هيئة الكتاب بلغ 692 ألف جنيه. كما شهدت الدورة عددا من الأنشطة بلغت 12 نشاطا، ومجموع الندوات كان 228 ما تم منها بالفعل 209 والفعاليات الملغاة 19 ونسبة تنفيذ الفعاليات 91 في المائة، وعدد الضيوف 868 والحضور 651، مضيفا أنها نتائج مرضية في ظل الظروف التي مرت بها مصر مؤخرا. أما عن دور النشر المشاركة في المعرض وردود فعلها حول هذه الدورة، يقول مدير دار مركز الكتاب للنشر، محمد كمال لـ«الشرق الأوسط» إن معرض الكتاب هذا العام تأثر سلبيا بالأحداث السياسية من قبل أن يبدأ مما أثر على أعداد الزائرين، كما أن التردد الذي شهده قبل بدايته حول جدوى انعقاده أو تأجيله أو إلغائه أثر كذلك على الناشرين خاصة الناشرين العرب الذين تكاسل عدد كبير منهم عن الحضور والمشاركة في الفعاليات.

ويبين أن أكثر إيجابيات المعرض هو توجه عائلات بأولادها لزيارة المعرض، بما فند القلق والتخوف الأمني الذي يصيب البعض، فالمعرض كان مؤمّنا بصورة كبيرة، فيما ينتقد كمال استبدال صالات العرض هذا العام بالخيام، التي أثرت على صورة المعرض، ولم تكن ملائمة للحدث الذي ينتظره محبو الثقافة.

أما فيما يخص المبيعات، فيقول: «لعل هذه الدورة تسجل أقل دورات المعرض في نسبة المبيعات، والتي كانت إنها كانت ضعيفة بشكل كبير نتيجة قلة عدد الزوار إلى المعرض». مؤكدا أن المبيعات هذا العام تقدر بـ10 في المائة فقط من حجم المبيعات في الدورات الماضية للمعرض، حتى إن كثيرا من دور النشر لم تستطع تغطية رسوم إيجار أجنحة وأماكن العرض، خاصة أن إيجاراتها كانت مرتفعة هذا العام مقارنة بالسنوات الماضية.

ويلفت كمال إلى قيام رئيس اتحاد الناشرين المصريين، محمد رشاد بإرسال خطاب لرئيس مجلس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري قبل انطلاق فعاليات المعرض لإعفاء الهيئة العامة للكتاب (المنظمة للمعرض) والناشرين من دفع رسوم إيجار أرض المعارض لهذه الدورة، ولكن الرد لم يأتِ. فيما يبين محمد مفيد، مدير دار «دون» للنشر، أن مطبوعات الدار هذا العام ارتكزت حول محور الثورة، والتي تتماشى مع شعار المعرض «عام على ثورة 25 يناير»، وكان أغلبها أعمالا لكتاب شباب، تنوعت أعمالهم بين الأدب الساخر والروايات والمقالات والسيرة الذاتية، وهو ما يعد برأيه اشتباكا قويا مع الثورة. مبينا أن أبرز الكتب أيضا كان كتاب «الألتراس»، الذي يتحدث عن مشجعي كرة القدم المعروفين بهذا المسمى، والذي لاقى إقبالا كبيرا خلال آخر أيام المعرض مع وقوع أحداث مجزرة استاد بورسعيد والتي راح ضحيتها 74 مشجعا مصريا أغلبهم من مشجعي الألتراس. السمة الرابعة في دورة هذا العام، كانت في تأثر مبيعات «سور الأزبكية» سلبيا، نتيجة قلة عدد الزوار، مقارنة بالدورات السابقة التي كانت تشهد تكدسا وزحاما من الجمهور الزائر لمعرض القاهرة الدولي للكتاب على المساحة المخصصة للسور حيث يقصدونه لشراء الكتب القديمة والبحث عن المعرفة بقروش وجنيهات قليلة مقارنة بسعرها في صالات العرض المخصصة لدور النشر المصرية والعربية والأجنبية، حيث تباع في السور بربع أو ثمن سعرها أو أقل من ذلك بكثير.

ويعطي شيخ الباعة في السور العم «حربي» خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» مؤشرات عن حال السور هذا العام، حيث يشير إلى أن الأحداث السياسية أثرت كثيرا على الإقبال على السور، وبالتالي كان الشراء أقل من معدلاته في السنوات السابقة، كما أن الباعة أنفسهم كانوا حذرين في جلب بضاعتهم كاملة للتخوف من حدوث مشكلات نتيجة الغياب الأمني عن المعرض. ويبين أن الزائرين كانوا في الغالب يسألون عن الكتب الحديثة الصدور والتي تتحدث عن الثورة أو مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، ولكنها لم توجد في السور كونها حديثة، وكذلك الكتب التي كانت ممنوعة من التداول والنشر في ظل النظام السابق وأبرزها كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب، وكتاب «مذكرات حرب أكتوبر» للفريق سعد الدين الشاذلي الذي شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية وقت الحرب، وكتاب «قذائف الحق» للشيخ محمد الغزالي، مبينا أن هذه الكتب وجدت منها نسخ قليلة نفدت سريعا.

من بين المترددين على السور يقول الشاب محمد وجدي، إنه حضر لشراء مجموعة من الروايات الأدبية أبرزها «حمار من الشرق» للكاتب الراحل محمود السعدني بمبلغ 2.5 جنيه، ورواية «حديث الصباح والمساء» لنجيب محفوظ بمبلغ 3 جنيهات، إلى جانب كتب جامعية في المحاسبة مجال دراسته لا تتعدى قيمة أحدها جنيهين، مشيرا إلى إنه لم يجد الكتب الحديثة الصدور التي تتحدث عن الثورة، وبالتالي سيضطر إلى شرائها من دور النشر بأسعار مرتفعة. وفي جانب آخر من السور كانت إحدى السيدات، تقف أمام عشرات من قصص الأطفال تنتقي بعضا منها لطفلها الصغير، والتي تباع بملغ جنيه واحد فقط.