«صحوة» الناشرين السعوديين

دور نشر «مهاجرة» تحتضن الباحثين وتثري المكتبة بعشرات الدراسات الفكرية

مشهد جانبي من معرض الرياض الأخير
TT

برز خلال السنوات الأخيرة عددٌ من دور النشر السعودية المهاجرة، التي تمكنت من أن تؤسس مسارا معرفيا وفكريا أكثر من كونها مجرد مؤسسات تجارية ربحية تعمل على طباعة وتسويق الكتب.

التحقيق التالي يسلط الضوء على «بعض» هذه الدور، التي أثرت المكتبة العربية، ومثلت حاضنا لعشرات الباحثين السعوديين، والعرب، وقدمت عشرات المؤلفات النوعية في الفكر والأدب والنقد والفلسفة والسياسة.

تعتبر دار «العبيكان» للنشر من أبرز دور النشر السعودية، التي تسجل منذ سنوات حضورا في عالم النشر المعرفي، ويقول المدير العام محمد الفريح، لـ«الشرق الأوسط»، إن معرض الكتاب الدولي أصبح فرصة ذهبية لأي دار نشر جادة، مبينا أن «العبيكان» رفدت المعرض بالعديد من العناوين والأسماء اللامعة، غير أنها في الوقت نفسه تبنت سياسة دعم الأقلام الشابة وتوفير فرصة للشباب من أجل دخول ميدان التأليف.

و«العبيكان» تختلف عن مثيلاتها من «معظم» دور النشر السعودية، بأنها موجودة في المملكة ومرخص لها بالعمل فيها، بعكس الكثير من دور النشر المهاجرة التي وجدت غالبا في لبنان، وتحمل ترخيصا بالعمل هناك.

ويقول الفريح إن «العبيكان» أصدرت قصصا وأعمالا روائية لشبان حديثي العهد بالساحة الثقافية، منها على سبيل المثال، رواية «اليهودي والفتاة العربية» لعبد الوهاب المرعي، ومجموعة خالد الذيب القصصية «جنط شارع التحلية»، وكتاب «أيتام غيروا مجرى التاريخ» لعبد الله الجمعة، و«من مكتب الوزير» لعصام الفريح، و«مضاد حيوي لليأس» لعبد الله المغلوث وغيرها، مشيرا إلى أن هذه السياسة، أدت إلى نتائج مبهرة، ولاقت هذه الأعمال نجاحا واضحا ودخل بعضها نادي الكتب الأكثر مبيعا.

لا يوافق الفريح على أن الجمهور العربي لا يقرأ ويقول: «من يرى أننا شعوب لا تقرأ ليس بقارئ! فهو لم يقرأ عن مكتبة دار الحكمة ومكتبة الإسكندرية، ومرحلة الازدهار العظمى للتأليف والنشر التي عرفتها الشعوب العربية في العصر الوسيط».

مع ذلك أقرّ الفريح بوجود فجوة بين دخل الفرد العربي وسعر الكتاب، غير أن المشكلة الرئيسية برأيه، هي فترة الانقطاع التاريخي - الثقافي، أو السبات الفكري العميق الذي عاشته المنطقة العربية لـ400 عام خلت، مبينا أن هذه الفجوة، بحاجة إلى أن يتم ردمها عبر برامج متكاملة تنهض بها المؤسسات الإعلامية والثقافية والتعليمية ومراكز الأبحاث الحكومية، بالتعاون مع الناشرين العرب، لإعادة إحياء تقليد «القراءة» وتكريسها ثقافة مجتمعية أصيلة.

وبشأن تسويق الكتاب، يقول الفريح: «لا يمكن الحديث عن تسويق الكتاب العربي، لأنه واقعيا غير موجود سواء على مستوى الناشر أو الإعلام العربي».

الفريح تحدث عن مبادرة لدار «العبيكان» لتعميم ونشر الثقافة والكتب إلكترونيا عبر التعاقد مع مواقع الإنترنت العملاقة المتخصصة بالكتاب مثل «غوغل بوك» و«أمازون» و«نيل وفرات» وغيرها، حيث يستطيع القارئ الآن الدخول بشكل سريع وعملي إلى «غوغل بوك» وقراءة 20 في المائة من محتويات أي كتاب من إصدارات «العبيكان».

كما أسست «العبيكان» مشروع «جوال العبيكان»، الذي يرسل من خلاله تعريفا يوميا بأهم الإصدارات لإرشاد القارئ إلى الجديد في عالم النشر، مع نبذة باللغتين العربية والإنجليزية لكل عنوان.

* طوى: نقدم تجربة معاصرة للنشر

* من بين دور النشر السعودية، دار «طوى» للثقافة والنشر والإعلام التي يقول مديرها العام عادل الحوشان إنها تبحث عن التنوع.

وتشارك «طوى» منذ تأسيسها في معرض الرياض الدولي للكتاب، وغيره من المعارض العربية، وكانت أول مشاركة لها في معرض فرانكفورت الدولي، حيث قامت بتوزيع مختارات من القصة السعودية المترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية.

يقول الحوشان: «منذ العام الفائت أضفنا إلى المكتبة العربية ما يقارب 20 إصدارا مترجما عن آداب عالمية، بالإضافة إلى إصدارات الدار الأخرى. وهناك نحو 30 إصدارا في قائمة (طوى) تتوزع بين الفكر والفلسفة والأديان والدراسات والأدب».

ومن أبرز إصدارات «طوى» كتاب «نقد الخطاب السلفي - ابن تيمية نموذجا» للباحث رائد السمهوري. وهذا العام أصدرت «طوى» رواية البيروفي ماريو فارغاس يوسا والمعنونة بـ«حلم السلتي» وهي الرواية الأولى ليوسا بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب التي حصل عليها عام 2010، وكانت قد أطلقت في معرض مدريد الدولي للكتاب في شهر مايو (أيار) من العام الماضي، بالإضافة إلى مذكرات عبد الله بن بخيت، واحتفائية بالمفكر والشاعر محمد العلي من خلال إصدارين «هموم الضوء»، و«درس البحر» من إعداد الشاعر أحمد العلي، وكتاب تاريخي عن الإسلام والرياضة لتركي السديري، وترجمات أخرى. ومن الدراسات التي نشرتها «طوى» دراسة في المصادر الإسلامية التاريخية، تحت عنوان «أخبار الفتنة الكبرى في عهد عثمان بن عفان»، بالإضافة لإصدارات أولى لمؤلفين شباب.

* الشبكة العربية: كتب الفكر الإسلامي

* أما نواف القديمي، مدير عام دار «الشبكة العربية للأبحاث والنشر»، وهي دار سعودية مرخص لها في الخارج، فيذكر أن الدار وعلى مدى السنوات الماضية من عمرها، أصدرت العديد من العناوين التي تشمل مختلف فروع المعرفة، مبينا أن مشاركتها في معرض الرياض الدولي للكتاب هذه المرة، جاءت متميزة ووفرت العديد من الإصدارات التي تبين التنوع الفكري والثقافي.

تهيمن كتب الفكر الإسلامي وكتب الفكر السياسي على مجموعة الإصدارات التي تنشرها الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ومن إصداراتها هذا العام كتاب «سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة»، لعبد الله المالكي، وكتاب «صحوة التوحيد» للدكتور محمد العبد الكريم، وكتاب «بين الجزيرة والثورة» لعلي الظفيري. ومن إصداراتها الكتاب الأكثر مبيعا في المعرض والذي جاء تحت عنوان «زمن الصحوة.. الحركة الإسلامية المعاصرة في السعودية» للباحث الفرنسي الدكتور ستيفان لاكروا، تناول فيه توثيقا وتحليلا لتاريخ وسسيولوجيا تشكّل الحركات الإسلامية في السعودية منذ منتصف القرن العشرين، وحتى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ونشرت الشبكة العربية أيضا كتابا آخر تحت عنوان «العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين» أجاب من خلاله مؤلفه الباحث التركي أحمد كورو عن سؤال يستفسر عن سر انتهاج الدول العلمانية، سياسات مختلفة تجاه الدين، مبينا فيه كيفية تشكل العلمانية في ثلاث دول وهي، أميركا وفرنسا وتركيا، مع توضيح لهوية النظام العلماني القائم وعلاقته بالدين في كل دولة، كما استعرض الباحث عددا كبيرا من الإحصاءات والدراسات، التي تتحدث عن العلمانية في أكثر من 173 دولة في العالم، ومعدلات التنمية المقارنة بين الدول التي تعترف بدين رسمي، وبين الأخرى التي لا تعترف بدين رسمي لها، ويخرج بنتائج غير متوقعة.

وتعتبر موسوعة «المثالية العلمانية» والتي جاءت في ثلاثة مجلدات، أعدها وترجمها الدكتور أبو يعرب المرزوق، من بين أهم إصدارات هذه الدار، والكتاب عبارة عن موسوعة قارنت بين الفلسفة المثالية الألمانية والفلسفة العربية، متمثلة في ابن تيمية وابن خلدون.

واعتبر القديمي أن معرض الرياض الأخير مثّل سوقا حيّة تربط بشكل مباشر بين عناوين المعرفة المختلفة وجمهور القراء بمختلف تياراتهم ومشاربهم وميولهم وأعمارهم وأجناسهم، باعتبار أن الكتاب في أحد وجوهه بضاعة، ومنتج فكري ذو شخصية فريدة، مبينا أن القارئ هو عميل أو زبون ذو مزاج خاص من الصعب إقناعه بجودة هذا الكتاب أو ذاك، من خلال وسائل التسويق المعروفة، كاللوحات الطرقية والمطبوعات الدعائية التي تشيد بجودة المنتج.

* جداول: أكثر من 100 إصدار في عام

* رغم عمرها القصير، إذ بدأت قبل أقل من عام ونصف العام، قدمت دار «جداول»، وهي أحدث دار سعودية مهاجرة، أكثر من 130 إصدارا في حقول الفكر والفلسفة والتاريخ والأدب.

ويقول محمد السيف، الرئيس المشارك لدار جداول للنشر والترجمة، ومقرها بيروت، إن الدار قدمت في معرض الكتاب الأخير في الرياض أكثر من 100 إصدار جديد، منها نحو 22 كتابا مترجما من عدة لغات إنجليزية وفرنسية وتركية وفارسية وغيرها، وهي كتب متنوعة في مجالاتها، ما بين فكر وفلسفة وسياسة وتاريخ ومذكرات وروايات وقصص وشعر، وأضاف: «استطاعت جداول أن تنشر خلال عام واحد 100 عنوان، وهو رقم قياسي لم تحققه دار نشر عربية من قبل».

من بين إصدارات جداول المتميزة، كتاب «رشدي ملحس من نابلس إلى الرياض» لقاسم الرويس، ورواية «الأفندي» لمحمد ناجي، و«الرواية الجماهيرية في السعودية» لسعد المحارب، و«تشريعات العمل والعولمة» لمعضاد رحال، و«مفاهيم الجماعات في الإسلام» لرضوان السيد، ورواية «المشرحة» لعبد الستار حتيتة، بالإضافة إلى «تاريخ الوقف في العالم الإسلامي» لمحمد الأرناؤط، و«ابن حنبل والمحنة» لولتر ملفيل باتون ألفه عام 1897.، ورواية «الجنة الرمادية» لعطاء الله مهاجراني، و«الرواية السياسية في السعودية» لمحمد العباس، و«النزعة الاجتماعية في الرواية السعودية» لحفظ الرحمن الإصلاحي، بالإضافة إلى رواية «طقس شرقي» لسعود البشر.

بالإضافة إلى كتاب «مقدمة لقراءة فكر أغسطينس» لمعز مديوني، و«ذكريات العهود الثلاثة: التركي - الشريفي - السعودي» لمحمد حسين زيدان، و«الجابري.. آراء متباينة» لمجموعة مثقفين عرب، وكتاب «سيرتهم: صفحات من تاريخ الإدارة والاقتصاد في السعودية» و«عبد الله الطريفي: صخور النفط ورمال السياسة» لمحمد السيف. وكتاب «معهم: حوارات مع مثقفين سعوديين» لسعد المحارب، و«عبد الله القصيمي والتمرد على السلفية» ليورغن فازلا وترجمة محمود كبيبو.