هموم المسرح السعودي في يوم المسرح العالمي

«أبو الفنون» يحتضر ورواده منقسمون وجمهوره ينفض عنه

مشهد من أحد العروض المسرحية («الشرق الأوسط»)
TT

لم يكن ينقص المسرحيين السعوديين في يوم المسرح العالمي، الذي مر الثلاثاء الماضي (27 مارس «آذار»)، سوى أن ينكأ الجرح، لتنهمل زخات من الشكوى عن حال المسرح «سيد الفنون»، الذي يواجه خريفا في معاقله حول العالم بفعل صناعة الدراما والصورة، فما بالك بالتجارب الناشئة في الدول الأخرى؟!

في يوم المسرح العالمي، تحدث المسرحيون عن أوجاع المسرح وصناعته، مؤكدين غياب استراتيجية للعمل الثقافي الوطني، وانعدام التمويل، وضعف المؤسسات الحاضنة، وانتهاء بانعدام البنية التحتية التي تجمع شملهم وتتيح لهم تقديم عمل فني أمام الجمهور.

* الهذيل: فاقد الشيء لا يعطيه

* في البدء، تحدث أحمد بن عبد الرحمن الهذيل، رئيس مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين لـ«الشرق الأوسط»، فقال: بكل أسف نعيش يوم المسرح العالمي بلا أي نوع من المشاركة الحقيقية التي تجسّد معنى هذا اليوم سعوديا، فليس لجمعية المسرحيين السعوديين أي دور تستطيع من خلاله القيام بما يناسب إحياء يوم المسرح العالمي، لأنه باختصار «فاقد الشيء لا يعطيه».

وتحدث الهذيل عن التحديات التي تواجهها الجمعية السعودية للمسرح، ومن بينها عدم وجود بنى تحتية يمكن أن يقوم عليها مسرح حتى هذه اللحظة، بالإضافة إلى عدم وجود الدعم المادي من قبل الجهات المسؤولة عن المسرح.. «وأعني بذلك وزارة الثقافة والإعلام».

وأضاف الهذيل أن هناك تحديات أخرى تتعلق بعدم وجود دور عرض مسرحي بمواصفات مهنية، وعدم وجود معهد أو أكاديمية متخصصة، كما هو سائد في الدول الأخرى، وإن ما يتوفر من دورات أو ورش عمل قصيرة وغيرها حتى الآن غير كاف، ولا يصل إلى الجميع.

ونفى أن يكون الخمول الذي أصاب صناعة المسرح في السعودية، له أي علاقة بقدرات الجمعية، مبينا أنها ليست إلا جهة إشرافية تنظم الحراك المسرحي، وفق ما تنص عليه لائحتها التنظيمية التي تأسست وفقها، موضحا أن دورها ينحصر في ترجمة ما يصل إليها من دعم إلى منتج مسرحي، مؤكدا في الوقت نفسه أن الجمعية قدمت الكثير من الأنشطة وفق ما توفر لها من دعم مالي شخصي وقليل من الوزارة.

* العثيم: المثقف النخبوي أضاع المسرح

* من ناحيته، قال الكاتب المسرحي محمد العثيم لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف، عشنا يوم المسرح العالمي مشكلة المسرح السعودي وصناعته، بشكل يدعو للدهشة». وانتقد العثيم، المشتغلين بالهم المسرحي من مسرحيين وجمعية ومؤسسات ثقافية وحتى شركات القطاع الخاص، واتهمها بممارسة تهميش المسرح، مبينا أن استراتجياتهم التخطيطية خالية من وصفة مطورة لصناعة الفنون في السعودية، خاصة المسرح والدراما والسينما.

ويعتقد أن المثقف النخبوي تحديدا هو أول من دق مسمارا في نعش المسرح السعودي، بسبب مسحه قيمة وصورة المسرح من ذهنه، وانكفائه على شيء من القصيدة والقصة، متجاهلا أن المسرح في كل دول العالم هو رأس حرية الثقافة.

وأضاف أن المثقف النخبوي عمد إلى تغييب المسرحيين السعوديين عن الساحة الثقافية قسرا أو خوفا منه أو خوفا عليه، وذلك لأن «المثقف النخبوي ومثقف الشعر العمودي والقصة كان يعتلي عرش الأدب ولم يعرف شيئا غيره، الأمر الذي جعل المسرحيين يعيشون حالة غياب تام، فغاب معهم المسرح السعودي عن الساحة بسبب غيابهم عن أذهان المثقفين النخبويين».

وقال: «هؤلاء المثقفون لم يذكروا المسرح إلا بسؤال واحد، وهو: أين المرأة؟ وعبارات أخرى مثل: لا مسرح من دون امرأة! وكأن المسرح خارج الصيغة الاجتماعية متجاهلين أن المسرح في كل دول العالم هو رأس حرية الثقافة».

وأكد العثيم أن المثقفين الكبار قبل الإداريين، عمدوا إلى تهميش المسرح، ذلك لأنهم هم من يقرون الخطط، فصنفوا المسرح بالغائب ووضعوه في ذيل القائمة، وهو في هذه الحالة التي وضع فيها لم يحصل على موارد دعم من أي قطاع.

وفيما يتعلق بدور جمعية المسرحيين السعوديين، قال: «كنا متفائلون بهذه الجمعية ونتوقع منها أن تجمع بين المسرحيين وتؤلف بين قلوبهم، فوجدناها تعج بالصراعات من داخلها وتفرق أكثر مما تجمع، حيث إنها لم تنفذ عملا واحدا منذ تأسيسها، ولم يكن لها جهد يذكر في مجال التدريب المسرحي، الذي يعتبر أولى مهامها».

* العسيري: مسرحيون بلا مسرح

* أما عبد العزيز العسيري، أمين جمعية المسرحيين السعوديين، فاتفق مع رئيس الجمعية أحمد الهذيل، في أن ضعف البنية التحتية، ليست رؤية فردية لبعض المهتمين بالشأن المسرحي بل هي محل إجماع، موضحا أن هذا هو الواقع المرير الذي يعيشه المسرح السعودي، مؤكدا في الوقت نفسه حضور المسرحيين السعوديين في الساحة الثقافية، على الرغم من غياب المسرح.

وأوضح أن المسرحيين السعوديين قدموا الكثير من الأعمال المسرحية كما قدموا دورات تدريبية ومحاضرات وندوات وورش عمل، بجهود ذاتية، مبينا أن أهم التحديات التي تواجه المسرح وصناعته في السعودية، تتمثل في كيفية انتزاع الاعتراف الفعلي بالواقع المسرحي من قبل المؤسسات الرسمية المعنية والمهتمة بهذا النوع من الفنون.

وأضاف العسيري أن هناك حاجة ماسة لبناء قاعات مسرحية يمارس عليها المسرحيون نشاطهم اليومي، وليست مرتبطة بالعرض أو بروفات ما قبل العرض التي لا تتوفر إلا بشكل موسمي، أو عندما يرغب البعض في توفيرها، كما تبرز الحاجة الماسة، مشددا على ضرورة إنشاء معهد أو قسم أكاديمي لتدريس المسرح.

ويعتقد أن اليوم العالمي للمسرح، فرصة لإعادة النظر في واقع صناعة المسرح السعودي، بشكل أكثر جدية من قبل الجهات المعنية به، مبينا أن هناك حضورا مسرحيا كثيفا في المجتمع السعودي، مشيرا إلى انتشار العروض المسرحية في كل مكان في ظل حضور جماهيري معتبر من الجنسين.

ويعتقد العسيري أن هناك اهتماما بمسرح الطفل أيضا، مبينا أن كثافة عروض مسرحيات الأطفال مقياس حقيقي وشفاف لعلاقة المسرح والمجتمع، في ظل حضور مسرحي نسائي، تجسده وجود فرق مسرحية نسائية تقدم عروضها السنوية في كل مكان وتتجول في عدد من المدن السعودية.

* رجاء العتيبي: المسرح غائب عن ثقافة المجتمع

* وعلى الرغم من أن رجاء العتيبي، رئيس جمعية الثقافة والفنون بالرياض، أشرف شخصيا على احتفالية الجمعية باليوم العالمي للمسرح للمرة الرابعة على التوالي، فإنه أقر ضمنا، بأن هناك غيابا نسبيا للمسرح والمسرحيين السعوديين عن الساحة الثقافية. وعزا ذلك لحركة الانتقال التي قام بها عدد من المسرحيين من مجال المسرح إلى مجالات أخرى، مثل الأعمال الدرامية والإنتاج. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد بنية تحتية للفنون بصفة عامة في السعودية، وذلك يعود لاعتبارات كثيرة؛ فالفنون ليست جزءا من ثقافة المجتمع, والفن لا يدخل في التعليم العام، وليس لدينا تراكم فني، كما أن البعض لديه حساسية لكلمة الفن والمسرح والسينما».

ويعتقد العتيبي أن القوانين والأنظمة أهم التحديات التي تواجه المسرح وصناعته, وقال: «لا يوجد تنظيم واضح للمشاركات الخارجية, ولا توجد قوانين مكتوبة في مجال الفنون، ما يجعلها عرضة للاجتهادات حالما تحدث مشكلة بين مخرج ومؤلف مثلا، ومؤسسات الإنتاج الفني يتجاذبها عدة أطراف، من بينها وزارات التجارة والثقافة والإعلام والبلدية».

ورفض العتيبي ما يقال حول أن المسرح السعودي يخبو داخليا ويتوهج خارجيا، وقال إن هذا التعبير غير صحيح مطلقا، «فلم ننجح خارجيا، ولم نقدم أعمالا منافسة عربيا، كل ما هنالك مشاركات متفاوتة بين الممتاز والرديء، وهناك كثير من وجهات النظر الناقدة للأعمال المقدمة خارجيا لافتقادها للعنصر النسائي مثلا، ولكون الممارسين للأعمال المسرحية غير مؤهلين أكاديميا، فلا يتوقعون من بلد لا يوجد فيه أكاديميات فنون، أن يتوهج خارجيا, وهذه نظرة لها ما يبررها».

وفي حين يحمل العتيبي جزءا من المسؤولية لجمعية المسرحيين تجاه المسرح والمسرحيين، فإنه لا يرى لوزارة الثقافة أي دور في تأخير المسرح السعودي عن دوره ورسالته، موضحا أن رعاية الدكتور عبد العزيز خوجة، وزير الثقافة والإعلام، لاحتفالية اليوم العالمي للمسرح لفرع الجمعية بالرياض، دليل على اهتمام بثقافة المسرح في البلاد.