جمال الغيطاني: الإسلاميون يريدون تغيير هوية الدولة

محنة الدستور تحفز المثقفين على مواجهة التيارات الدينية

جمال الغيطاني
TT

هل يعيد المثقفون المصريون معادلة ثورة 25 يناير (كانون الثاني) إلى نصابها الصحيح، بعد أن انحرفت بوصلتها، وشوهت؟.. ثم كيف يستعيد المثقفون دورهم الذي تجلي بقوة إبان أحداث الثورة، وشكل نافذة حقيقية لإثراء الخيال والوجدان الشعبي؟.. وكيف يرى المثقفون ثورتهم وما آلت إليه بعد مرور أكثر من عام عليها، واستئثار التيارات الإسلامية بكعكتها سواء في البرلمان أو في لجنة كتابة الدستور، أو في المنافسة على منصب رئيس الجمهورية الذي بدأ يدق الأبواب؟!

«الشرق الأوسط» استطلعت في هذا التحقيق آراء نخبة من المثقفين، حول رؤيتهم للحالة المصرية الراهنة، وتصوراتهم لمستقبل وطن أصبح محفوفا بالكثير من المخاطر..

الروائي إبراهيم عبد المجيد يقول «ما يصنعونه الآن ليس بدستور، الدستور موجود بالفعل لدى مرشد (الإخوان) فقط للتوقيع عليه. إنه دستور لا يليق إلا بالصحراء، وأتوقع له الإلغاء. أتمنى أن يكون رئيس الجمهورية القادم امرأة، فالرجال فعلوا بنا ما فعلوا. أتخوف من حرية الإبداع في عهد تيار الإسلام السياسي، وأعتقد أن ذلك سوف يجبر المبدعين على أن يعيشوا خارج الوطن».

بينما يرى الروائي يوسف القعيد أن الطريقة التي تم بها تأسيس لجنة وضع الدستور غير مطمئنة على الإطلاق، ويقول «ليس هناك من هو ضد الإسلام، لكننا ضد الانفراد بكتابة الدستور. هناك خشية على الحريات العامة والإبداع. سلوكيات هذا التيار تشكل تهديدا حقيقيا للحريات، والضمانة الوحيدة أن يكون من بين أعضاء اللجنة فقهاء دستوريون ومثقفون ومفكرون يمثلون أطياف المجتمع المصري، وما يثار عن الاستعانة بالبعض من خارج اللجنة في لجان الاستماع هو أمر أقرب للترقيع». ويضيف القعيد «الدستور من ثوابت الأمة، أما البرلمان فهو متغير، فكيف يضع المتغير الثابت؟! أما عن الرئيس القادم فإن كل مرشحي الرئاسة لم يتحدثوا عن الثقافة ولا دور المثقفين، وكل ما يفعلونه هو دعاية انتخابية في أفيشات كنجوم السينما».

رأي المسرحي كرم النجار لا يختلف كثيرا عما قاله القعيد، لأن الدستور «لا يمكن أن ينفرد بوضعه فريق واحد من الشعب، وما يقوم به البرلمان هو محاولة اختطاف كل شيء، مرورا بالدستور ووصولا لرئاسة الجمهورية». ويضيف النجار «لا إبداع في ظل قهر إلا إذا كان الإبداع في مواجهة القهر». ويضيف «أريد رئيسا يرعى وينسق ولا ينحاز لطائفة على حساب أخرى، فمصر في ورطة لن تتجاوزها إلا بتكاتف الشعب المصري كما حدث خلال 18 يوما هي الفترة الحقيقية للثورة المصرية».

د.عزة هيكل، أستاذة الأدب المقارن، وعميدة كلية اللغات بالأكاديمية العربية، شاركت في مؤتمر الوفاق الوطني الذي عكف خلال شهرين تقريبا على صياغة دستور جديد لمصر، وبعد ذلك تم إهمال كل هذه الجهود. لذلك تؤكد أن «ما يحدث حاليا هو عودة لعصور ما قبل التاريخ وتصفية حسابات، وأن المثقفين قاموا بدورهم في ثورة يناير، وعليهم أن يستمروا في التنوير والتحفيز وكشف الحقائق وخلق رأى عام واع». وتتوقع هيكل أن تعاني الحركة السينمائية، لأن الكثير من الأعمال قد لا تلقى القبول من التيار الديني، مما سيؤدي إلى انحسار السينما والاتجاه إلى سينما التاريخ والشخصية والكوميديا. وحول رؤيتها للرئيس المقبل تقول «يهمني قبل الرئيس القادم وجود دستور يحدد اختصاصات الرئيس، الذي أريده قائدا وإداريا ذا فكر غير تقليدي، يجمع ما بين الجرأة والجنون العبقري الذي يجعله قادرا على الوصول لأفكار وحلول مبتكرة للعبور بمصر في ظل هذا المنعطف التاريخي».

المخرج علي بدرخان حزين بسبب تجاهل جهود لجنة الوفاق الوطني في اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، ويرى أن «تشكيل اللجنة الحالية جانبه التوفيق، وأننا لكي نبنى بناء صحيحا، يجب أن يكون لدينا دستور جيد». ويشرح بدرخان أن «حرية الإبداع ليست رفاهية، فهي التي تشكل وعي المواطن بهموم وطنه وقضاياه». ويرى كذلك أن «الرئيس القادم يجب أن يكون مشرفا على التنفيذ، ولسنا في حاجة لمصباح علاء الدين، لكننا نحتاج لتكاتف الجميع، في ظل ضمير وطني يغلّب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية».

ويرى الشاعر أحمد سويلم، سكرتير اتحاد كتاب مصر، أن مستقبل مصر صار غائما ومريبا، ويقول «جماعة الإخوان المسلمين استطاعت أن تخدع الرأي العام المصري، حتى سيطرت على السلطة التشريعية، ومنذ أن بدأ مجلس الشعب عمله فإنني لم أجد قرارا تم اتخاذه لصالح أي قضية يعاني منها المصريون تتعلق بالفقر أو العشوائية أو أزمات الحياة اليومية، هي فقط ثرثرة ومكلمة يومية».

ويؤكد سويلم أن اتحاد كتاب مصر رشح 10 أسماء من أعضائه للجنة وضع الدستور، ولم يتم اختيار واحد منهم، وعلى المثقفين أن يتحركوا ضد هذا الاستئثار. وتعلق د.نهاد صليحة، أستاذة النقد والمسرح بأكاديمية الفنون «إننا أخطأنا خطأ فادحا بعدم وضع الدستور أولا الذي يحكم المؤسسات، ولكن لا داعي للبكاء على اللبن المسكوب ولا بد من تدارك ذلك، وعلى الدستور الجديد أن ينص على المساواة في الحقوق والواجبات بين مختلف الفئات، وأن يؤكد على حرية العقيدة، والتعبير، والرأي، وأن يكفل حرية الإبداع والثقافة والفنون، واعتبار أن الثقافة المصرية نسيج من خيوط متعددة متناسقة الألوان، تتعد فيها الدوائر، فهي ثقافة مصرية عربية أفريقية متوسطية.. إلخ». وتؤكد صليحة على ضرورة التخلص من عقدة الرئيس المخلّص المانح، وأنه لا بد أن يكون رئيسا تنفيذيا لدولة «مؤسسات»، وأن يضمن الدستور آليات لمراقبته تنحيته إذا ما تبين عدم صلاحيته.

الفنان أشرف عبد الغفور، نقيب الممثلين المصريين، يعتقد أن «الحديث عن حرية الإبداع الآن هو أمر هامشي في ظل محنة الوطن والتخبط في وضع الدستور. ولا بد من أن تمثل اللجنة المنوطة بوضع الدستور جميع طوائف الشعب المصري من دون إقصاء لأي طائفة. يجب أن يكون الدستور توافقيا، فالدساتير لا توضع بالأغلبية. ويجب أن يتمتع الرئيس المنتظر بالفكر والوعي والكاريزما ودرجة عالية من الإقناع، وأن يكون قادرا على السيطرة على الانفلات الحالي، وإذا استقامت كل هذه الأمور فسوف يستقيم الفن والإبداع».

المايسترو أحمد الصعيدي، قائد أوركسترا القاهرة السيمفوني، يؤكد أنه لا أحد يقدر على أن يفرض وصايته على الفنانين والمبدعين المصريين، فحرية الفن مصانة. ويستغرب من الاستهانة بمنصب رئيس الجمهورية في ظل فوضى التقدم للترشيح من أشخاص لا يصلحون أساسا، ويرى أنه كان من المفترض أن يتم وضع بعض القيود التي تؤكد الجدية في الترشح وشروط الحد الأدنى.

ويطالب الفنان التشكيلي جورج البهجوري الرئيس القادم بأن يحافظ على كنوز مصر الثقافية، من دون إغفال لكنوزها الأخرى الطبيعية. ويقول الأديب يعقوب الشاروني، أحد رواد أدب الطفل «لا أخاف من المستقبل. الصراع بين القديم والحديث أمر طبيعي تؤكده الحتمية التاريخية، وأساليب القمع التقليدية عفى عليها الزمن». ويضيف «أدب الأطفال عليه مسؤولية كبيرة تجاه المجتمع، فهو يشكل وعي جيل بأكمله، والإبداع يعني التغيير، لذلك أتمنى أن يكون الرئيس القادم من الشباب، حتى يكون قريبا من فكرهم، فنحن نعيش في الفضاء الرقمي وعالم الإنترنت، ولا بد أن يكون الرئيس المقبل ذا تفكير إبداعي ومستقبلي، يؤمن بروح وقيمة العمل الجماعي». ويرفض الشاروني «سيطرة مجموعة بعينها على وضع الدستور، ويؤكد أن أي محاولة للسيطرة على الإبداع والإعلام ستنتهي بالفشل».

ويولي الكاتب الصحافي لويس جريس أهمية لموضوع الأجور، ويرى أن أهم ما يتوجب على الرئيس القادم فعله هو تحقيق العدالة الاجتماعية، والتي تبدأ بتحديد الحد الأدنى والأعلى للأجور التي تشهد فوضى. ويؤكد جريس أن «الإنسان المصري إذا ما وجد فرصة عمل في إطار نظام عادل، فإنه يعمل بجد وينتج، لذا لا بد من التعامل مع الشباب على أساس أنهم حكام المستقبل».

الفنان التشكيلي د. صلاح المليجي، رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية، لا يخشى على الإبداع لأن جذوره عميقة وضاربة في عمق التاريخ، فالحضارة الفرعونية قامت على رؤى وفكر، وتأثرت بها مختلف الحضارات. ولا يعتقد المليجي أن هناك من سيهدم تمثالا، مذكرا كل من يفكر في ذلك بما فعله عمرو بن العاص حينما دخل مصر فلم يهدم تمثال أبو الهول. ويتمنى المليجي من الرئيس القادم أن «يعطي الفرصة للمثقفين المصريين أن ينسقوا مصر حضاريا. فلدينا نماذج متميزة مثل المعماري حسن فتحي وغيره، في ظل التلوث البصري الذي نعاني منه يوميا. ومطلوب رؤية جمالية حقيقية، يتعلمها الأبناء وتصل لكل مناطق مصر. تلك رؤية ترسخ فيهم قيم الحب والجمال إلى جانب تطوير نظام التعليم والتأكيد على جوهر الدين هو المعاملة».

ويرى الأديب جمال الغيطاني أن مصر ستواجه ثلاثة أشهر في منتهى الحساسية في تاريخها المعاصر، لافتا إلى أن «ما يحدث في لجنة وضع الدستور هو نموذج لما سيحدث في مصر إذا ما تولى التيار الديني سدة الحكم. فهم لديهم مشروع لتغير هوية الدولة، وهو ما يشكل خطرا على مصر بشكل عام، وعلى الإبداع بشكل خاص». ويتمنى الغيطاني رئيسا من الشباب، منحازا للناس، حريصا على الحريات، بعيدا عن المال العام.

ويقول الكاتب محفوظ عبد الرحمن «أتمنى رئيسا منتخبا، صادقا، لديه مشروع واضح، وللأسف ليس بين المتقدمين للرئاسة أحد يمكن أن نطلق عليه صاحب مشروع. لست متفائلا، بل أتوقع صراعات أشد وطأة في الفترة القادمة نتيجة لأن المشهد السياسي يشي بتغليب مصالح خاصة. إلا أنني على ثقة بأنه لن يستطيع أحد فرض وصاية عقلية أو وجدانية على الشعب المصري».

ويرى الكاتب المسرحي يسري الجندي أن «ما يحدث من اضطرابات وتخبط بعد الثورات هو أمر طبيعي، لكن الذي يزيد من معاناتنا هو ما يحدث في لجنة الدستور، وهو امتداد لما حدث من التفاف بعض الفقهاء الذين لجأوا للاستفتاء على التعديلات الدستورية حتى وصل الأمر إلى انفرادهم بالبرلمان ومن بعده وضع دستور على هواهم». ويؤكد الجندي على أن الفن ليس في خطر، لافتا إلى أن الإنسان المصري بقيمة الوسطية التي يعشقها هو الضمانة لاستمرار الإبداع. ويستغرب الجندي من الحكم على الفنانين بأثر رجعي في إشارة إلى ما قيل عن مجمل أعمال الممثل المصري عادل إمام، ويضيف أن «التيار الديني كان من الذكاء في فترات سابقة بتجنبه الصدام مع بعض الفئات (وهم المثقفون القادرون على تغيير وعى الناس)، لكن بعد شعورهم بالقوة تجاوزوا الخطوط الحمراء.. وهو مؤشر ينذر بالخطر».