أمين معلوف: لم أؤلف كتابا باللغة العربية ولكن الأمر ليس مستبعدا في المستقبل

بمناسبة فوزه بـ«جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي» لمؤسسة سلطان العويس الثقافية في دورتها الـ12

أمين معلوف
TT

اللقاء بأمين معلوف له نكهة خاصة لأنه ينقلك إلى الأزمان الماضية عبر رواياته وكتبه: «ليون الأفريقي»، «سمرقند»، «حدائق النور»، «القرن الأول بعد بياتريس»، «صخرة طانيوس»، «سلالم الشرق» أو «موانئ المشرق»، «رحلة بالداسار»، «الحروب الصليبية كما رآها العرب»، «الحب عن بعد»، «الهويات القاتلة»، «بدايات - سيرة عائلية»، «الأم دريانا»، «اختلال العالم», وغيرها من الروايات والكتب التي تلقي الضوء على زمننا الحالي. وترجمت جميعها إلى معظم لغات العالم، حيث تدور أحداثها في الشرق الأوسط وأفريقيا في إطار حوض البحر المتوسط.

تبوأ مؤخرا منصبا شرفيا في أعرق مؤسسة علمية فرنسية، وهي الأكاديمية الفرنسية، هذا العربي هو العربي الوحيد، مع آسيا جبار، يتبوأ هذا المنصب العلمي المؤثر، فهو حارس اللغة الفرنسية بعد أن أبدع فيها. لم تستوعب الصحافة إبداعه، فانتقل إلى الخيال الروائي عبر الماضي.

مؤخرا منحته مؤسسة سلطان العويس الثقافية جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي - الدورة 12، لينضم إلى مبدعين آخرين حصلوا عليها لعل حصوله على هذه الجائزة الرفيعة كانت مناسبة لإجراء حوارنا معه:

* تم اختيارك عضوا في الأكاديمية الفرنسية مؤخرا، هل يقلل ذلك من اهتمامك بالرواية، وما مهماتك في هذه الوظيفة؟

- لا أعتقد أن هذه الوظيفة الجديدة تؤثر على كتابتي للرواية، فالأعضاء فيها يمارسون نشاطاتهم الأخرى، وهم يتألفون من كتّاب وعلماء وسياسيين وغيرهم حيث يخصصون جزءا من وقتهم للأكاديمية. أما مهمة هذه الأكاديمية فهي الحفاظ على سلامة اللغة الفرنسية، والمشاركة في صياغة قاموس اللغة وفحص المفردات غير المتداولة.

* هل فكرت بالكتابة في اللغة العربية؟

- أكتب أحيانا بعض النصوص. لكني لم أؤلف كتابا كاملا باللغة العربية، ولكن الأمر ليس مستعبدا في المستقبل. واختيار اللغة في الكتابة له بعد حضاري وله إيقاع في الأذن، وهو ليس مجرد وسيلة للإبداع فقط.

* على الرغم من كتابتك باللغة الفرنسية، فأنت شديد الالتصاق بالعالم العربي، كيف تشرح ذلك؟

- حاولت في جميع كتاباتي أن أعرّف قراء العالم على الجوانب المضيئة من ثقافتنا العربية والإسلامية. وكرست كتبا وروايات، مثل «سمرقند» و«ليون الأفريقي» «ورحة بالدسار» وغيرها، كما تعلم، لشرح الجوانب التي أبدع فيها العرب والمسلمون. وهو طبعا جانب أساسي، وجزء لا يتجزأ من هويتي، ومن هوية تاريخ عائلتي، التي ولعت بكتابة الشعر، لكنني توجهت إلى كتابة الرواية.

* نحن نعلم ما هي الأصداء التي لاقتها رواياتك في اللغات الأخرى وخاصة في اللغة العربية، ولكن ما هي أصداء القارئ الإنجليزي حسب علمك؟

- هناك فارق بين القارئ العربي والفرنسي والإسباني والإنجليزي لأن القارئ الإنجليزي يأتي من مناطق مختلفة، من الهند أو أستراليا أو بريطانيا أو أميركا، لذلك لا يمكن حصره ولا يمكن معرفة اهتماماته إلا بعد سبر أغوار هذا القارئ. لكن جميع وراياتي ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، وهذا يعني أن هناك قارئا يتمتع بما أكتب.

* ما هو رأيك في تصنيف الأدب الفرانكفوني؟

- أعتقد أن تعبير الفرانكفونية ليس مصطلحا دقيقا إذ من الأفضل استخدام تعبير «أدب مكتوب باللغة الفرنسية». أعتقد أن هذا المصطلح يثير الكثير من الخلط في الأبعاد الثقافية أو السياسية أو التقنية، وهذا الخلط لا يروقني، لذلك أفضل عدم استخدام مصطلح الفرانكفونية. أفضل أن تبقى شؤون الثقافة بعيدة عن السياسة.

* كتب أنطونيو غالا رواية «المخطوط القرمزي» وهي تلخص الأيام الأخيرة لأبي عبد الله الصغير، ما هو رأيك به لأنه يكتب الرواية التاريخية أو الرواية الخيالية التي تعتمد على التاريخ إن صح التعبير؟

- «المخطوط القرمزي» رواية جميلة، وخصوصا أنه كتب من وجهة نظر المنهزم من ناحية، والكاتب ينتمي إلى الجهة المنتصرة أي إسبانيا من جهة أخرى. وهذا ما يعطي الكاتب الإسباني أنطونيو غالا مشروعية أدبية وفكرية وسياسية.

* «رحلة بالدسار» وغيرها من رواياتك، هل استوحيتها من الواقع اللبناني أم من الأساطير الأخرى؟

- هناك جوانب تتعلق بلبنان، وهناك جوانب أخرى لها علاقة بحضارات متعددة، شكلت العالم الحالي. إنني أكتب الرواية من خلال الخيال. والخيال لا حدود له.

* كيف تنتقل من الرواية إلى المقالة أو البحث كما فعلت في كتابيك «الهوية» و«اختلال العالم»؟

- من العناصر الأساسية، وهي الأحداث المحيطة، وهي أحداث تدفعني إلى كتابة آراء لها طابع بحثي أو رأي. عندي هاجس أن لا أستخدم الرواية كمنبر للتعبير عن آرائي لأن ذلك يحمل دائما خطر الانزلاق إلى الرواية التبشيرية. لذلك أفضل عرض آرائي في البحث والمقالة، والخروج عن الرواية، تفاديا لعدم الإساءة إلى قواعدها وقيمها. لا يجب أن تتحول الرواية إلى قناع أو أداة بيد الكاتب. ويجب على الرواية أن تبقى رواية.

* هل هناك شخصية تاريخية أو أحداث تاريخية لم تكتب عنها؟

- نعم. إنني لا أنفذ سوى فكرة واحدة من خمسمائة فكرة تراودني، وكما هو معلوم، فإن أي مشروع كتابي يستغرق معي وقتا طويلا، يمتد من سنتين إلى ثلاث سنوات. وعنصر الوقت مهم للغاية، وحياة الإنسان محدودة، وكذلك قدرته على العمل والتنفيذ. لعلني أضرب لك مثلا، فقد بدأت أفكر بكتابة رواية عن ابن بطوطة، لكنني عزفت عن الفكرة. وواقع منطقتنا بحاجة إلى كتابة مزيد من الروايات لإلقاء الضوء على مراحل تطوره بكل ما يحمل من تناقضات وصراعات وتعقيدات.

* أنت كاتب عابر بين حدود أكثر من دولة ولغة، ما تصورك للحوار بين الثقافات؟ وما علاقتك بالغرب؟

- إن الحوار بين الثقافات ليس تبادلا بين مجموعات، ولكنه قبل كل شيء تبادل بين أفراد. الثقافات ليست قيما منفردة. الثقافات لا توجد إلا من خلال الأشخاص الذين يمثلونها وهؤلاء الأشخاص مختلفون في أي وطن أو مدينة أو حي أو مدرسة أو شركة، وإن الحوار الحقيقي يحدث في داخل كل فرد. أعتقد أن العالم الغربي فقد الكثير من مصداقيته الأخلاقية وفقد إيمانه في الكثير من أفكاره. وعلى الكتّاب والفنانين أن يلعبوا دورا أساسيا في التقريب بين الحضارتين العربية والغربية. في أحسن الحالات لا بد وأن يكون هناك «توافق» بين فناني البحر المتوسط حتى يشاركوا في حل المشكلات ولكن هذا يظل مجرد أمل؛ فمن الواضح أن ذلك لن يحدث اليوم حتى وإن كان هناك الكثير من الأشخاص الذين يعملون في هذا الاتجاه.

* ما العوائق الأساسية التي تواجه ظهور حوار ثقافي بين البلدان المختلفة على ضفتي البحر المتوسط؟

- أنا لا أحبذ النظر لتلك الأسئلة من منطلق العوائق التي يجب تخطيها. أعتقد أن العالم العربي بحاجة لتفكير عميق عن ذاته وتاريخه ومستقبله وموقعه من العالم وعلاقته بالحداثة والدين والحرية والحقوق المدنية والحياة الخاصة...إلخ. والغرب يحتاج أيضا أن يفكر في دوره في عصر العولمة وعن استخدامه للقوة في علاقته مع الآخرين. وأعتقد أننا على ضفتي البحر المتوسط بحاجة للتفكير من جديد وبصورة راديكالية في مفهوم الهوية.

* ما رأيك فيما يحدث في العالم العربي، أو ما يُسمى بـ«الربيع العربي»؟

- تغيرت الأجواء في العالم العربي هذه السنة، ويمكن القول إن لهذه الأحداث أبعادا ومعاني عميقة وكثيرة. وكل ما يحدث له علاقة بتاريخ العالم العربي. الربيع العربي هو نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة. أعتقد أنه من الضروري أن يحدث ما حدث، إذ إن التحرك الذي حصل لا بد أن يأتي، لأن الأوضاع وصلت إلى درجة لا تُطاق. ستكون بداية مرحلة طويلة وصعبة فيها كثير من الغليان، ولكن من الطبيعي أن يحدث ذلك في تحولات من هذا النوع. لا يمكن أن يتم ذلك بكل هدوء وترتيب كما هو الحال في كتابة السيناريو الجاهزة، لأنها ثورة حقيقية. نحن نكتشف طريقا جديدا ولا بد أن نسلك هذا المسار.

* هل توقعت شخصيا أن يحدث الربيع العربي؟ وهل تعتقد أن أوروبا تتأثر بذلك باعتبارك تعيش فيها؟

- في الحقيقة، كنت أتمناه، ولكنني لم أكن أتوقعه. إنها الحتمية في أن ينتفض العالم العربي ويخرج من السبات العميق الغارق فيه. كل شيء حدث بسرعة كبيرة. فوجئت بذلك، ولكنها مفاجأة سارة. أعتقد أن أوروبا تعاني حاليا من أزمة حقيقية، وهي في جوهرها تنبع من أزمة مسار الوحدة الأوروبية. إنها أزمة كبيرة لا علاقة لها مباشرة بما يحصل في العالم العربي، لكن الأحداث تقع في فترة واحدة. ترتبط المشكلة الأوروبية بأحداث منشؤها الولايات المتحدة وصعود الاقتصادات الجديدة الناهضة في كل من الهند والصين ودول الجنوب. لذلك فالأزمة الأوروبية تقع في سياق آخر. لكن الغرب الجغرافي والتداخل بين العالم الأوروبي والعربي يؤديان بالضرورة إلى تداخل بين أزماتهما. شعوري هو أن الأزمة الأوروبية والتقلبات في العالم العربي تداخلتا في مرحلة جديدة.

* هناك كتب صدرت في أوروبا بهذا الخصوص، هل تعطي صورة حقيقية عن هذه الأحداث؟ وهل في نيتك الكتابة عنها؟

- إننا في مرحلة نعيش سرعة انتقال الأخبار، ولهذا السبب صدرت كتب كثيرة في هذا المجال. وهي كتب مفيدة على أي حال، مهما اختلفت. إنها وصف للأحداث تقربنا من الواقع. وستكون هذه الكتب وثائق مستقبلية. شخصيا يدفعني طبعي إلى التروي والمراقبة، وأنا أتابع بعض ما يُكتب باهتمام بالغ، ولست في عجلة من أمري. أفكر في كتابة شيء له علاقة بما وقع من أحداث هذه السنة، ولكنني من الكتّاب الذين يبتعدون عن الحدث الساخن، ربما أستلهم من هذه الأحداث بعد مرور سنوات. من الصعب كتابة روايات أو تحليلات في كتاب قبل أن يأخذ الربيع العربي ملامحه وتكويناته، ولا نعرف متى تنتهي، أو ماذا ستكون نتائجها المستقبلية.

* هل تفكر بأن لـ«الربيع العربي» تأثيرات على الإبداع الأدبي؟

- لا بد أن يستلهم الأدباء أحداثا كهذه. شعوري أن هذه التأثيرات لا تظهر في الأشهر المقبلة، ربما تظهر بعد 15 عاما. في حدسي أن هذه المرحلة مع الأزمة الأوروبية تؤديان إلى نهضة أدبية وثقافية مقبلة، مما يعني أن ما حدث هو عبارة عن إرهاصات للثورة الحقيقية في العالم العربي.

* حصلت على جوائز عالمية كثيرة، ما مذاق جائزة العويس بالنسبة لك؟

- أعتبر هذه الجائزة مهمة جدا، لأنها جائزة ثقافية تأتي من العالم العربي، لأنني أصر على العلاقة بين العالمين، وأحاول بناء جسور بين العالم العربي والعالم الغربي، بين ثقافات الشرق وثقافات الغرب، كما في أعمالي ورواياتي. ومن المهم أن تكون المؤسسات الثقافية لها استمرارية وجدية كما هو الحال مع مؤسسة سلطان العويس الثقافية. وهذا مهم جدا، ليس للأشخاص فقط، بل لمقام الثقافة في بلادنا.

* هل تكتب رواية جديدة؟ وأين ستنشرها؟

- مبدئيا، يمكن أن تصدر في سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول). إنني أضع اللمسات الأخيرة عليها. أما بالنسبة لدار النشر، فلا يوجد تغيير، لأنني من الكتّاب الذين لا يغيرون دار النشر أو الانتقال من واحدة إلى أخرى. العلاقة طيبة مع ناشري في دار «غراسيه»، ولا أبحث عن دار أخرى.

* هل يمكن أن تخبرنا عن موضوعها أو عنوانها؟

- عادة لا أحبذ أن أتكلم عن رواية لم تنشر بعد، حتى العنوان ليس نهائيا. ولكن الرواية تدور أحداثها في وقت قريب في السنوات الثلاثين أو الخمس والثلاثين الأخيرة. وهي ليست رواية تاريخية أو تعتمد عليه. هذا كل ما يمكن أن أقوله.