نساء على خطوط المواجهة

كتاب يروي تجارب 40 مراسلة صحافية من قلب الأحداث الساخنة

غلاف الكتاب
TT

يروي هذا الكتاب تجارب خاضتها 40 مراسلة صحافية في مواقع الأحداث الساخنة، والتي يزال بعضها مشتعلا في العالم، كما يسلط الضوء على طبيعة عملهن والوجود في قلب الحدث لنقل الحقيقة والحصول على المعلومات، معرضات أنفسهن لظروف عصيبة ولأخطار شتى لإنجاز مهمتهن على الوجه الأكمل. ويتحدث الكتاب أيضا عن المضايقات التي يتعرضن لها وتزداد خطورتها لكونهن نساء مثل التعرض للتحرش أو عدم قبول بعض الناس لهن للصفة نفسها.

ومع تصاعد ثورات الربيع العربي وإيفاد وسائل الإعلام لمراسليها لتغطية الأحداث وحدوث بعض المشكلات لصحافيات أثناء تأديتهن للعمل، جاءت فكرة هذا الكتاب الصادر عن مؤسسة «السلامة الإخبارية الدولية»، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة لشؤون المرأة لعرض التجارب المختلفة لمراسلات صحافيات من جميع أنحاء العالم، مراسلات أدين مهام في مناطق ساخنة وتعرضن لمخاطر مختلفة من أجل المشاركة والاستفادة من تجارب الآخرين، وسوف يذهب عائد الكتاب إلى مجال التدريب لتوفير مجال أكبر لأمن المراسلات.

يمثل هاجس الأمن العصب الأساسي الذي يدور في فلكه الكتاب، وكيف يمكن أن يتوافر للمراسلات الصحافيات في الأماكن الخطرة حتى يحظين بالسلامة في ظروف عصيبة وفي مجتمعات تختلف توجهاتها الفكرية نحو المرأة، وفى ظل أخطار مختلفة تحيط يهن قد تصل إلى حد القتل في بعض الأحيان، كما حدث مع ماري كولين مراسلة صحيفة الـ«صنداي تايمز» التي قتلت أثناء تغطيتها لأحداث الثورة في سوريا مؤخرا، إضافة إلى أخطار الاعتداءات والعنف والتحرش، كما حدث مع لارا لوجان مراسلة قناة «cbs» الأميركية أثناء تغطيتها لأحداث الثورة المصرية، التي كتبت مقدمة هذا الكتاب، مشيرة فيها إلى أنه «من الضروري أن نعرف ما يمكننا القيام به وكيف يجب أن نستعد، وماذا يجب أن نعرف قبل التوجه كمراسلات صحافيات إلى مواقف من الممكن أن نتعرض فيها للقتل أو الجرح والإصابة أو للاعتداء على كرامتنا».

من بين تجارب الصحافيات المختلفة التي مررن بها في مناطق مختلفة من العالم وخرجن بتجارب ملموسة عن كيفية تحقيق «الأمن» أثناء أداء العمل، جاءت أهم العوامل التي يمكن أن تقلل من المخاطر متمثلة في التعرف على ثقافة البلد الذي تتم به المهمة الصحافية واحترامها ومراعاة السائد في نمط الحياة ومحاولة مجاراته مثل الملابس، وطبيعة الشكل السائد لعلاقة الرجل بالمرأة في هذا المجتمع، كذلك التعرف ولو بشكل نسبي على لغة البلد، فبعض العبارات ستضفي شكلا من الود عند الحديث، إضافة إلى الاستعانة في بعض المهن بالأشخاص المحليين من أهل البلد كسائق مثلا، فمعرفته بالطرق الأكثر أمانا ستقلل الجهد المبذول وسيوفر بعض الحماية. وبحسب ما قالته ليز دوسيت، مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية «الاعتداء والتحرش الجنسي من أبرز المخاطر التي تواجه المراسلات، ومؤخرا بدأت المراسلات في العمل بشكل أكثر حذرا لعدم التعرض لمخاطر من هذا النوع خاصة بالنسبة للمراسلات الأجنبيات».

وطبقا للكتاب، فإن الصحافي يجب أن يتعلم أن يحمي نفسه في مناطق الخطر وألا يقوم باتخاذ مخاطرات غير مدروسة، وأن يحصل على التدريب الكافي قبل توجهه إلى المناطق الساخنة.

من بين الصحافيات المشاركات بتجاربهن في الكتاب إعلامية مصرية عرضت تجربتها أثناء الثورة المصرية.. شهيرة أمين، الصحافية الحرة، نائبة رئيس قناة «النيل الدولية» سابقا، وقد حصلت مؤخرا على جائزة خوليو أنجيتا بارادو الدولية التي تمنح للصحافيين الذين يعرضون أنفسهم لمخاطر. عن تجربتها الخاصة التي دفعت القائمين على إصدار الكتاب إلى الاتصال بها للمشاركة، أوضحت أمين أنها كانت تعمل وقت اندلاع الثورة المصرية في «التلفزيون المصري» الذي يمثل الإعلام الرسمي للدولة، لكنها رفضت الانصياع لما كان مطلوبا أن يقدم في هذه المرحلة لإخفاء الكثير من الحقائق وعرض الموقف بصورة مخالفة تماما للواقع تتفق مع رؤية النظام السابق، مما دفعها لرفض هذا الوضع والاستقالة من العمل في «التلفزيون المصري»، احتجاجا على فكرة المشاركة في تزييف الحقائق ونقل معلومات مغلوطة للمشاهدين. تقول: «لقد اعتبر البعض أنني وضعت نفسي في خطر مواجهة النظام السابق باعتباره نظاما قمعيا لا يقبل مثل هذا الوضع ويفرض رقابة على ما يقدم من خلال الإعلام الرسمي، إضافة إلى سعيي لعرض الحقيقة بعد ذلك في القضية الشهيرة التي عرفت باسم (كشف العذرية) حين حصلت على حديث مع أحد قيادات المجلس العسكري الذي اعترف بإجراء الواقعة وقال إنها كانت إجراء احترازيا حتى لا تدعى إحداهن بعد ذلك أنه قد تم الاعتداء عليها، ونقلت هذا الكلام من خلال محطة (CNN)، ونقلته مواقع وسائل إعلام عدة بعد ذلك، وهو ما اعتبر أيضا أنني أضع نفسي في خطر بإصراري على نقل الحقيقة تحت أي ظرف».

وتشير أمين إلى مفارقة مفادها أنه «يمكن أن تكون الصحافية أو المراسلة قد حصلت على التدريب والخبرة الكافية والمستوى المطلوب للوجود في المناطق الخطرة، إلا أن بعض المجتمعات الذكورية لا تتقبل وجودها في الشارع، وهذا يعرضها لمخاطر مضاعفة مثل وجود عنف أو تحرش ضدها، وربما يدفع هذا بعض المؤسسات الإعلامية إلى أن توفر على نفسها هذا العناء وتتجنب إرسال صحافيات في مثل هذه المهمات خوفا من تعرضهن لمشكلات بصورة أكبر من الرجال، وهذا قد يحرمهن من فرص جيدة لا لشيء إلا لأن المجتمع غير متقبل لهن في مثل هذا الموقف».