منحوتات لمشاهير السياسة اللبنانيين بحلة كاريكاتيرية

شكلها ثم شواها مرتين قبل أن يعرضها أمام الجمهور

TT

لا يمكنك أن تشاهد تماثيل الخزف الـ49 التي نحتها الفنان اللبناني ناصر الحلبي على طريقته الخارجة عن المألوف، دون أن ترتسم ابتسامة على ثغرك، كونها المرة الأولى التي نشاهد فيها مجموعة من السياسيين والزعماء اللبنانيين منحوتين بطريقة أقرب إلى الكاريكاتيرية، مما يجعلهم يشبهون شخصياتهم التي عرفوا بها. فيخيل إليك أنك تجالسهم مع فرق بسيط هو أنك لا تسمع أصواتهم.

ففي معرض للمنحوتات والجداريات يحمل عنوان «لحظة تعبير» أطلق الفنان التشكيلي ناصر الحلبي مجموعته الفنية التي تمثلت بمنحوتات من الخزف إضافة إلى لوحتين جداريتين الأولى تناول فيها زعماء لبنان والثانية توقف من خلالها عند محطتين رئيسيتين في لبنان ألا وهما شهداء لبنان الحديث وخطاب القسم لجبران تويني.

وليد جنبلاط ورفيق الحريري وغسان تويني وسعد الحريري وميشال إده وجورج حاوي وأمين الجميل وبطرس حرب إضافة إلى غيرهم من الشخصيات السياسية اللبنانية تلتقيها في معرض ناصر الحلبي فتتأملها عن كثب وتبقى جاحظا فيها تدقق في تفاصيلها، كون كل منحوتة منها حملت سمة صاحبها التعبيرية، بشكل عام. فوليد جنبلاط تشاهده يحك برأسه (عادة ترافقه في إطلالاته التلفزيونية) وبطرس حرب بحالة انفعالية كما عرفناه دائما في احتجاجاته على الوضع، وأمين الجميل رافعا حاجبيه بحالة تساؤل، وسمير جعجع يلوي برأسه ويرفع يده وكأنه يقول «أكيد، أكيد». وهي العبارة التي اشتهر بها والشهيد باسل فليحان في حالة حزن، ومروان حماده في حالة تفكير، وميشال وإلياس المر في حالة احتجاج ينهران الآخرين. جميعهم يطلون عليك بألوان مختلفة اعتمدها ناصر الحلبي في الطلاء الذي غطّى كلا منهم بالأخضر أو الأزرق أو الأحمر وغيرها للدلالة على التيار السياسي الذي ينتمي إليه كل منهم.

أما لماذا غابت أسماء سياسية وحزبية أخرى كالسيد حسن نصر الله مثلا فيوضح ناصر الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: «لأنني بكل بساطة تحاشيت تقديم أي رمز ديني حتى لا أقع في المحظور». أما بالنسبة لمجموعة الأسماء التي اختارها فتعود إلى قناعته بأن كلا منها لعب دوره على الساحة السياسية اللبنانية الحديثة، فكان لا بد من انضمامها إلى حلقة المنحوتات الخزفية التي قام بها.

لماذا الخزف وليس البرونز أو الفضة أو أي معدن آخر؟ يرد ناصر الحلبي: «لأن الخزف هو فن لبناني موروث. فنحن عرفنا بصناعة الفخار منذ أيام الفينيقيين وأنا تخصصت بهذا الفن الذي بالكاد يجيده بعض الفنانين اللبنانيين الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين. ولأنني متمسك بتراثنا والفن العريق قدمت الفن الخزفي من خلال هذه المنحوتات وجداريتين. وقد استغرقت مني وقتا طويلا لتنفيذها، فكل عمل يستغرق ثلاثة أشهر لتنفيذه. «ويعتبر الخزف أو السيراميك كما هو معروف عالميا من الفنون الرائجة في العالم العربي ولا سيما في العراق، ورغم أن لبنان ارتبط اسمه ارتباطا وثيقا به فإنه لا يعطيه الاهتمام اللازم رسميا. مع العلم أن أقدم وأشهر قطع الخزف التاريخية موجودة في متحف بيروت التراثي».

ويقول ناصر الحلبي الذي يفتخر بلبنانيته وبالفن الذي يجيده مما جعله يورثه لأصغر أولاده (بلال): «معرضي ليس تجاريا بل ثقافيا بامتياز، أردته خطوة متقدمة في فن الخزفيات للتعريف به وإيصاله لأكبر شريحة من اللبنانيين. وهو وعلى عكس ما يعتقده البعض يتطلب صعوبة أكبر ودقة وعمل أكثر من أي نوع منحوتات أخرى. كما أنه لا يهترئ ولا يبهت ولا يتأثر بالرطوبة، خصوصا أنه يدخل في أفران خاصة على حرارة 1200 درجة لمرتين، ومدة كل مرة 18 ساعة متتالية فيدوم إلى الأبد». ويضيف: «الخزف هو الأقرب إلى الإنسان لأنه مصنوع من الطين الذي جبل منه البشري في البداية. ولكن يلزمنا الدعمان المادي والمعنوي لإبرازه، إذ يحتاج لكلفة وجهد كبيرين».

ناصر الحلبي الذي تخصص في الفنون في مدينة السويداء السورية، وشاءت الصدف أن ينتقل إلى بغداد، وهناك تعرّف عن كثب إلى هذا الفن وأجاده. أما أول لبنانية تعاملت مع هذا الفن فتدعى دورسي سلهب الكاظمي.

ولكن بماذا يحلم ناصر الحلبي؟ يقول: «أحلم بمتحف يضم جميع أعمالي الخزفية يكون أقرب إلى متحف الشمع. فالفنان في لبنان يتيم، ليس هناك من يدعمه، وخاصة أهل السياسة. وهنا أريد أن أقول لهم إن الفن هو الذي يكتب التاريخ السياسي في أي بلد كان. فإذا لم يوجد في لبنان فنانون كبار فلا سياسيين كبارا بالتأكيد. أما عن منحوتة المرأة الوحيدة غير السياسية الموجودة في مجموعة تماثيله الخزفية، فيشير إلى أنه أرادها أن تمثل بيروت، فوقفت أمام السياسيين تنطق بكلمات قصيدة الشاعر الراحل نزار قباني «يا ست الدنيا يا بيروت»، وكأنها تقول لهم: «من ذبح الفرح في عينيك الخضراوين....». فيأتي جواب كل منهم حسب تعابير الوجه المعروف بها مرة متجهمة، وتارة حزينة، وأخرى متسائلة أو محتجة.

يتراوح سعر التمثال الواحد ما بين 4000 و5000 دولار. ومن بين السياسيين الذين زاروا معرضه وأعجبوا بأعماله فأصروا على شرائها كونها تمثلهم، النائبين السابقين إيلي الفرزلي وإيلي سكاف، كما تقدم غيرهم بحجز المنحوتات التي تمثلهم ليستلموها عند انتهاء مدة المعرض، الذي يقام في غاليري tomorrows antiques في منطقة سن الفيل. ومن يهمه الأمر ويرغب في أن يصنع له ناصر الحلبي منحوتة تمثله، فالمطلوب منه أن يتقدم إليه بصور فوتوغرافية أمامية وجانبية، وأن يمضي معه جلسة قصيرة ليتعرف إليه فتكون المنحوتة تشبهه بصدق.

اما الخطوة المقبلة التي ينوي الفنان التشكيلي اللبناني ناصر الحلبي تقديمها قريبا في معرض خاص، فستحمل عنوان «الربيع العربي». وسيتضمن مشاهد وعدة شخصيات لعبت دورا بارزا في الأحداث العربية الأخيرة وسيمزج فيها الموروث الفني مع الفن المعاصر على أن تكون ذات نفحة لبنانية تخول من يشاهدها أن يستنتج منشأها الأصلي مباشرة. وستوقع الأعمال برسم طائر الفينيق أو الإنسان الفينيقي القديم للإشارة إلى لبنان كبلد مصدّر للفن. وقد انتهى حتى اليوم من نحت 18 قطعة منها وتتميز بالحداثة والتراثية على السواء.