قراءة فنية في منجز محمد مكية

رائد الحداثة في العراق في كتاب عراقي

TT

صدر مؤخرا للكاتب العراقي معتز عناد غزوان كتاب جعل عنوانه «سومرية الوطن في خواطر السنين - قراءة فنية في منجز محمد مكية» عن «دار قابس» في «سلسلة مشاهير الفكر الهندسي المعماري». وقدم الكتاب المهندس المعماري د. خالد السلطاني الأستاذ في مدرسة العمارة في كوبنهاغن عاصمة الدنمارك. كرس الكاتب كتابه للتعريف بالدكتور محمد مكية باعتباره واحدا من أبرز رواد الحداثة في مجال الهندسة المعمارية، إن لم يكن أبرزهم على الإطلاق. فالدكتور محمد مكية المولود في بغداد في عام 1914 بمحلة صبابيغ الآل، وهي إحدى محلات بغداد العباسية، أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية فيها. وسافر في عام 1935 في بعثة لوزارة المعارف إلى بريطانيا والتحق بجامعة ليفربول وأنهى تعليمه المعماري فيها، وحصل على البكالوريوس سنة 1941، وأنهى دراساته العليا للدكتوراه في كمبريدج جامعة كينغز كولدج عام 1946. وكان خلال ما يزيد عن نصف قرن من أبرز المعماريين العرب.

شغل منصب أول رئيس لقسم العمارة في مدرسة بغداد المعمارية الأولى، الذي ساهم في تأسيسه في عام 1959. وتخرج على يديه الكثير من المهندسين المعماريين. ولمع اسمه منذ أواسط خمسينات القرن الماضي، ليس في ميدان العمارة فحسب، بل وفي مجال الفن التشكيلي، وأصبح رئيس جمعية التشكيليين العراقيين.

وكان من أول الإبداعات الهندسية التي اشتهر بها تصميمه لـ«جامع الخلفاء» في بغداد الذي يعتبر «من المحطات البارزة ومن المعالم المعمارية الكبيرة التي جعلت من بغداد رمزا متواصلا بين حضارة الماضي والواقع المعاصر». وجاء هذا الجامع، كما يقول مؤلف الكتاب، من خلال تصميمه وزخارفه الجميلة شاهدا على قدرة هذا الفنان والمعماري العراقي الكبير في استلهام المعالم والرموز والدلالات التاريخية والأصيلة في المعمار المعاصر». وتواترت بعد ذلك المنجزات المعمارية الرائعة التي أبدعها الدكتور محمد مكية، فقد صمم في العراق بعد جامع الخلفاء بناية جامعة الكوفة، الصرح الذي كان يأمل أن يعيد مجد الكوفة كمركز حضاري (وهي البناية التي لم تنفذ بسبب طائفية البكر - صدام)، وصمم في البحرين بوابة مدينة عيسى، وفي الكويت «المسجد الكبير» وفي إسلام آباد في باكستان «جامع إسلام آباد»، وفي مسقط «جامع السلطان قابوس»، وفي تكساس في الولايات المتحدة الأميركية «جامع تكساس»، وفي روما صمم «جامع روما». وشهدت الكثير من المدن العراقية إبداعاته في عشرات البنايات التي صممها منذ ستينات القرن الماضي حتى التسعينات في كربلاء وبغداد والبصرة وغيرها، ومنها بنايات لمصرف الرافدين وجوامع ومكتبات عمومية ودواوين حكومية وبيوت لشخصيات عراقية، وكلها حازت على الإعجاب والتقدير لمزجها المبدع بين الأصالة والحداثة.

وحوى الكتاب فصولا عما سماه المؤلف: سومرية الوطن، والبيئة، والشكل والوظيفة، والدكتور مكية والفن التشكيلي، والعمارة من الدكتور مكية إلى زهاء حديد.. جدلية الانتقال من التراث في عمارة الحداثة إلى عمارة ما بعد الحداثة. وضمن الكاتب كتابه شهادات لعدد من المعماريين العراقيين والعرب وغيرهم عن منجز الدكتور مكية الإبداعي، ومن بينهم رفعت الجادرجي ود. خالد السلطاني ود. إبراهيم العلاف الأستاذ في جامعة الموصل والمهندس المعماري حميد عبد.

وورد في الشهادات وفي فصول الكتاب كثير من الوقائع التي تعكس مكانة الدكتور مكية، ومن بينها اختياره في عام 1967 عضوا في المجلس الدولي للنصب التذكارية في روما بإيطاليا، وحصوله على جائزة أفضل إنجاز مدى الحياة في مدينة دبي في عام 2003 واستحقاقه لقب «شيخ التصاميم الهندسية العربية»، وكرمته «جمعية الكندي للمهندسين العراقيين» في بريطانيا باعتباره شيخ المعماريين العرب. وقال عنه أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة السوربون في باريس محمد أركون: «إن محمد مكية قد نفخ حياة جديدة في العمارة الإسلامية بدمج تراثها الغني بأفضل ما في الثقافة التكنولوجية الحديثة». وكتب عنه المهندس والمخطط المعماري شارل كوريا قائلا: «إن محمد مكية مهندس معماري ذو أهمية عظيمة في العالم الإسلامي». أما السير هيو كاسون الرئيس السابق لأكاديمية الفنون الملكية في إنجلترا فقد ذكر أن «أعمال محمد مكية تستحق أن تثير اهتماما أوسع في العالم الإسلامي».

هذا، ولا يزال الدكتور مكية رغم بلوغه الثامنة والتسعين متوقد الذهن ومتابعا جيدا للأحداث، ويظل يطمح للاستفادة من منجزاته الإبداعية في بناء العراق الجديد، وهو ما ظهر في حفل التكريم الذي أقامته له رابطة الأكاديميين العراقيين في بريطانيا في العام الماضي.