بسام المسلم: الجلبة السياسية في الكويت تعرض المبدع لشلل فكري

القاص الكويتي لـ «الشرق الأوسط»: أهم قضايا الشباب الانفتاح على الآخر

بسام المسلم في إحدى الأمسيات برابطة الأدباء («الشرق الأوسط»)
TT

منذ خمسينات القرن الماضي، عرفت الكويت بين بلدان الخليج بالبنية الثقافية المتينة التي كانت تملكها، والتي تمثلت بمشاريع إصدارات ثقافية نوعية مثل مجلة «العربي»، وسلسلة «عالم المعرفة»، ومجلة «عالم الفكر»، وسلسلة «المسرح العالمي»، بالإضافة لعناوين ثقافية متميزة مثل: معرض الكويت، وتطور فني تمثل في المسارح ودور السينما وصالات العروض التشكيلية والمحطات الترفيهية، لكن الثقافة في الكويت لم تعد تحمل الزخم ذاته الذي حملته في سنوات ربيعها الماضية.

ومن تحت ركام الصراعات السياسية التي تتقاذفها التيارات هناك، يلتقي مجموعة من الشباب المبدعين من كتاب القصة والرواية والشعر ضمن مؤسسات ثقافية متعددة بينها رابطة الأدباء لشحن طاقة المجتمع بالإبداع والثقافة رغم صرامة الواقع.

ومن بين هؤلاء المبدعين الشباب، يأتي القاص بسام المسلم، الذي يعتبره الناقد فهد الهندال «قاصا يحمل على كاهله أسئلة جيل أدبي مضطلع بمهام أدبية ثقيلة»، وصدرت له مجموعة شعرية تحمل اسم «تحت برج الحمام» عن رابطة الأدباء في الكويت، برعاية من الشيخة باسمة مبارك الصباح، كون المسلم الفائز الأول بمسابقتها للإبداع في القصة القصيرة عام 2009 لأعضاء منتدى المبدعين الجدد.

والمسلم حائز على بكالوريوس الآداب من جامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأميركية ودرجة الماجستير من كلية ماسترخت للإدارة. بدأ حياته المهنية لدى إدارة التحرير في وكالة الأنباء الكويتية (كونا) قبل انتقاله للعمل في القطاع الخاص. وهو عضو برابطة الأدباء وبمنتدى المبدعين الجدد وبالملتقى الثقافي. كما أنه حائز على الجائزة الأولى للشيخة باسمة المبارك الصباح للإبداع في القصة القصيرة عام 2009.

يتحدث المسلم عن تأثير التجاذبات السياسية في الكويت على مناخ الإبداع، مستذكرا ما كتبته زميلته القاصة باسمة العنزي: «كلما اقتربت مني فكرة قصة كي أكتبها تتلاشى بخجل ما إن تقع عيناي على صحف الصباح»، وهو تعبير تشخص من خلاله القاصة ما تمر به الكويت. ويقول المسلم: «الجلبة السياسية في الكويت تلقي بظلالها القميئة بين الحين والآخر على الثقافة مما قد يعرض المبدع لنوع من الشلل الفكري المؤقت. لكن رغم ذلك، فالإنتاج السردي لم يتوقف لدى الشباب، سواء بالمجموعات القصصية التي تصدرت لها أسماء مثل: حميدي حمود، ونورا بوغيث، أو بالرواية مثل: بثينة العيسى، وسعود السنعوسي، أو عبد الوهاب الحمادي الذي أصدر روايته الأولى مؤخرا». ويضيف: «كل أولئك أسماء شبابية أصدرت أعمالا سردية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أي في ذروة التجاذبات السياسية المستمرة على الساحة الكويتية».

لكن ما هو طموح الشباب وما هي حدوده؟ يقول المسلم: «الشباب اليوم يسعون لانفتاح أكبر على العرب والعالم، وهنا قد يصطدم الشباب بالجيل السابق الذي يميل بطبيعته إلى التقوقع على ذاته. ولعلها من سنن الحياة أن يتعلم التلميذ من أساتذته ثم يأتي يوم يختلف فيه معه على الهدف والرؤية».

ويضيف: «على المستوى الإبداعي فإن غياب النقد والقراءات الأدبية يشكل هاجسا لدى الشباب. فمن ناحية قد أهمل النقد دوره في تسليط الضوء على الإبداع الجيد، تاركا المجال للمكتبات ودور النشر مهمة الترويج التجاري، مما يؤدي إلى ضياع الإبداع الجاد بين أعمال لا ترقى لأن توضع على أرفف المكتبات».

أما بشكل عام فأهم ما يشغل الشباب اليوم هو الانفتاح على الآخر وعرض التجربة الكويتية خارج أسوار المحلية. ونعبر عن تلك التطلعات من خلال التواصل الإلكتروني والمشاركة في المسابقات والأمسيات والملتقيات الخارجية بالإضافة إلى الصحافة التي تلعب دورا مهما في دعم الشباب.

بدأ المسلم كتابة القصة قبل التحاقه بمنتدى المبدعين الجدد، في رابطة الأدباء، وستذكر ذلك بقوله: «عرضت قصصي على الأديب وليد المسلم الذي يعد المؤسس الأول للمنتدى في عام 2001. ونصحني بالتوجه إلى المنتدى لعرض تجربتي، وكانت نصيحة غالية، حيث كان المنتدى في تلك الفترة في قمة نشاطه كما ونوعا تحت إشراف القاص ماجد القطامي، وتزامن التحاقي بالمنتدى مع تسلم الأديبة ليلى العثمان أمانة سر الرابطة، وقد استفدت من توجيهها كثيرا».

ويتحدث بسام المسلم عن التأثير الذي تركته رابطة الأدباء، خاصة فيما يتعلق باحتضان المبدعين الشباب، وخاصة عبر المنتدى (الذي شكل في فترة ما ملتقى تصب فيه مختلف التجارب الشبابية والتي كانت تصقل باحتكاكها فيما بينها أو عبر الاستفادة من تجارب وتوجيهات الأدباء الكبار ممن يحضر الملتقى).

ويضيف: «تخرجت بالفعل في منتدى المبدعين الجدد أصوات شبابية مثل القاصة استبرق أحمد، والروائية ميس العثمان، اللتين حصدتا جائزة ليلى العثمان للإبداع القصصي والروائي فيما بعد».

ويمثل منتدى المبدعين الجدد تجربة ناجحة في احتضان المبدعين الشباب في الكويت، لكن بعد مرور أكثر من 10 سنوات من إنشائه بدأ يعاني من الركود النسبي ويدل على ذلك تأخر الإعلان عن مسابقة الشيخة باسمة مبارك الصباح المخصصة لأعضاء المنتدى منذ عقدها آخر مرة في 2009. ويرى بسام المسلم أن المشكلة «قد تكمن بابتعاد مؤسسي المنتدى كالقاص وليد المسلم، والروائي حمد الحمد، عن إداراته، إضافة إلى عدم استقرار مجلس إدارة رابطة الأدباء الذي شهد استقالات متكررة وانتخابات متوالية في فترة وجيزة».

شكلت العلاقة بين الأجيال الأدبية في الكويت نقطة حرجة، فالكثير من النقاد يلمحون انفصالا بين الأجيال، خاصة فيما يتعلق بالهم الأدبي الذي يشغل المبدعين، على الرغم من وجود أسماء مثلت رابطا بين الأجيال الأدبية أمثال إسماعيل فهد إسماعيل، الذي يعد رائدا من رواد الحركة الأدبية الحديثة في الكويت. ويقول بسام المسلم عن ذلك: «من وجهة نظري أن كل جيل متفرد في تجربته ولا يمكن أن يكون نسخة متطابقة من السابقين مهما بلغ تأثره بهم، أو حتى محاولة محاكاتهم. لذلك أنا مؤمن بقدرة جيلي على التجديد والتجدد دون إغفال أصحاب التجارب السابقة وعنايتهم بنا، وربما هذا التواصل بين الرواد والشباب هو أهم ما يميز الساحة الثقافية بالكويت ويعزز ثقة الشباب بنتاجهم الأدبي».

ويشدد المسلم على أهمية التواصل بين المثقفين داخل الكويت وفي الخليج، مذكرا بتأسيس الروائي طالب الرفاعي الملتقى الثقافي بهدف الحفاظ على جسور التواصل بين الشباب والتجارب الرائدة. ويقول: «إن مجرد فكرة التواصل التي يطرحها الرفاعي تعزز ثقة الشباب بنفسه وتشعره بأنه امتداد حقيقي للرواد من أمثال قامات عالية، مثل إسماعيل فهد إسماعيل، وليلى العثمان. فأولئك عمالقة كمنا نتمنى أن نلتقي بهم يوما. إما اليوم فهم يشاركوننا الملتقيات ويطلبون آراءنا فيها وجها لوجه».

وخلافا للكثيرين، فإن المسلم لا يجد أن المشهد الثقافي في الكويت منكمش. يقول: «على المستوى الكمي لا تعاني الساحة الثقافية من تراجع. فقلما يمر شهر إلا ويعلن فيه أحد الأدباء حفل توقيع كتاب جديد. كما أن سوق الكتب تشهد رواجا متناميا. لكن ما يهمنا في هذا كله هو نوعية ما يتم إنتاجه».

ويضيف: «صناعة الكتاب أصبحت كشأن الكثير من نواحي الحياة التي تجنح للتحول إلى تجارة تهدف للربحية، على الرغم من أن رسالتها الأصلية هي خدمة المجتمع وتنويره. وسوق الكتاب اليوم في الكويت تجمع بين الغث والسمين، وما على دور النشر والمكتبات إلا الترويج التجاري».