أوباما والشرق الأوسط: هل تنسحب أميركا من المنطقة؟

TT

يعرف الكتاب والباحثون، وكذلك القراء المعنيون، د.فواز جرجس الأستاذ في كلية الاقتصاد جامعة لندن ومدير برنامج الشرق الأوسط فيها، من كتبه عن الإسلام السياسي أكثر من قضايا العلاقات الدولية الأخرى. إلا أن كتابه الأخير الصادر هذا الشهر عن دار «بالغريف ماكميلان» في الولايات المتحدة وبريطانيا يتناول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في فترة حكم الرئيس باراك أوباما وعنوانه «أوباما والشرق الأوسط.. هل هي نهاية الدور الأميركي؟».

وبطريقة الباحث الأكاديمي وضع الكاتب الأسئلة التي يحاول الكتاب الإجابة عنها، وإن جاءت الإجابة في أقل من 300 صفحة كأنها مقال تحليلي طويل ما إن تبدأه حتى يأخذك بسلاسة إلى أن تنهيه. والأسئلة القضايا التي يطرحها فواز جرجس هي: إلى أي مدى تعتبر السياسة الخارجية لأوباما تغييرية أو واقعية - وسطية؟ هل يمثل أوباما استمرارا وليس تغييرا؟ هل تصدى للأسس التي بنيت عليها السياسة الأميركية في الشرق الأوسط مثل مدرسة «إسرائيل أولا» في الخارجية والكابيتول وعلاقة أميركا بأنظمة الدول المنتجة للنفط والحرب على الإرهاب؟ ما هو ترتيب الشرق الأوسط في أجندة السياسة الخارجية لأوباما؟ ما دلالة رد فعله تجاه الانتفاضات الشعبية العربية مطلع 2011 حول الوجود والتأثير الأميركي في المنطقة؟ ماذا يمكن عمله لجسر الهوة بين الخطاب الإنشائي والواقع العملي في السياسة الخارجية الأميركية، أو بالأحرى لإصلاح النظام السياسي العقيم للتغلب على تراث العلاقات المريرة بين أميركا ومجتمعات الشرق الأوسط؟

يستعرض الكتاب عبر ستة فصول ومقدمة وخلاصة السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، مركزا على ما بعد نهاية الحرب الباردة ثم الحرب على الإرهاب. وفي القلب طبعا من تلك السياسة الأميركية العلاقات الاستراتيجية والخاصة مع إسرائيل. وفي رأي الكاتب، حتى دون بيان منه، أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية هي الحاكمة العليا للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط حتى ما بعد إطلاق الحرب على الإرهاب.

وقبل الحديث عن إدارة أوباما، يولي الكتاب مساحة معقولة لفترة سلفه جورج دبليو بوش الذي أمضى ثماني سنوات رئيسا للولايات المتحدة خاضت فيها حربين رئيسيتين في المنطقة في أفغانستان والعراق.

وكما جاء في خاتمة الكتاب «بعد أكثر من ثلاث سنوات في الحكم، تظهر السياسة الخارجية لإدارته في الشرق الأوسط أنها استمرار للماضي أكثر منها تغييرا حقيقيا. وتبنى أوباما سياسة واقعية - وسطية تتسق مع التوجه السائد للسياسة الخارجية الأميركية».

ربما أفلح أوباما بالقطيعة - ولو بلغة الخطاب - مع سياسات سلفه في البيت الأبيض، إلا أن موقف واشنطن من التطورات الجارية في المنطقة يدل على أن الفارق شاسع بين الخطاب الإنشائي والواقع الفعلي. وحسب تحليل فواز جرجس، يبدو أوباما وقد آثر ألا يغامر في السياسة الخارجية خاصة في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تثقل كاهله فيه تركة داخلية ثقيلة تتعلق بالاقتصاد وأيضا ما يبدو من تراجع للتفرد الأميركي بالقوة في العالم لصالح بؤر قوة جديدة من الصين وغيرها.

من كتب فواز جرجس الشهيرة «أميركا والإسلام السياسي»، و«رحلة في عقل جهادي»، وكتابه الحديث جدا «صعود أفول القاعدة». وإذا كانت إسهاماته الواسعة في الكتابة الرصينة عن الإسلام السياسي تبدو مختلفة عن كتابه الأخير هذا عن السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، فإن الرابط قوي جدا، خاصة الآن، في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية ويبزغ فيها تيار الإسلام السياسي بديلا رئيسيا لأنظمة الحكم التقليدية التي تتهاوى في المنطقة. وخلاصة الكتاب، كما يقول مؤلفه في ختامه «أدى الربيع العربي وإيران إلى لي ذراع أوباما وتعقيد أجندة السياسة الخارجية. وهناك عواصف تتجمع في المنطقة، ليس في إيران فحسب بل في العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان أيضا. ورث أوباما هذه المخاطر من سلفه، وهي تشكل خطرا كبيرا على فترة رئاسته.. محنة أميركا في الشرق الأوسط هي نتاج مرير لأكثر من نصف قرن من التراكم والفشل الدائم في رؤية المنطقة من الداخل والحد من تأثير السياسات المحلية الأميركية والمصالح الخاصة عليها. من أهم استنتاجات هذا الكتاب أن الولايات المتحدة الأميركية ربما وصلت إلى نقطة نهاية دورها في الشرق الأوسط».