رئيس مصر الجديد.. هل يبدد مخاوف المثقفين؟

وصل إلى الحكم بعد أن رفضوا التصويت له

TT

ما بين الفرحة بانتخاب أول رئيس ديمقراطي لمصر، والخوف من أن ينعكس انتماء الرئيس الجديد، إلى جماعة الإخوان المسلمين، تضييقا على الحريات الفنية، يعبر المثقفون المصريون عن قلق له ما يبرره. لكن هناك من يعتبر أن المخاوف سابقة لأوانها، حتى وإن تجاهل الرئيس المثقفين في خطاباته حد استفزازهم، فالأمر قد لا يتعدى السهو العابر. ما بين الحذر من الإخوان والاحتفال بالديمقراطية الوليدة، ما هي مناخات المثقفين المصريين في العهد الجديد؟ هنا تحقيق يلقي الضوء.

«مخاوف وآمال، تحفظات وشكوك، تفاؤل وتشاؤم».. تحكم هذه الثنائيات المتضادة نظرة المثقفين المصريين لرئيسهم الجديد، الذي أتت به لعبة الديمقراطية، بعد أن رفض غالبيتهم التصويت له في صناديق الاقتراع، في محاولة لقطع الطريق على فكرة تديين الدولة وأسلمتها تحت مظلة جماعة الإخوان المسلمين.

لا تنحصر مخاوف المثقفين حول قضايا حرية الإبداع والفن، وإنما تمتد إلى الحرية بمعناها الأعمق والأشمل، خاصة بعد بروز تيارات إسلامية متشددة، وحصول العديد من الوقائع الدامية التي تهدد حرية المواطنين الشخصية والسلوك العام في المجتمع.

زاد من مؤشرات قلق المثقفين تهميشهم في أجندة الخطابات واللقاءات التمهيدية للرئيس الجديد. إضافة لإسقاط اتحاد الكتاب المصريين من عضوية اللجنة المنوط بها كتابة الدستور الجديد للبلاد. وهو ما يعني، في نظر البعض، أن الثقافة المصرية على أبواب الدخول في نفق معتم.

حول هذه القضايا وغيرها استطلعت «الشرق الأوسط» آراء نخبة من المثقفين المصريين، وسألتهم حول موقفهم من الرئيس الجديد، وشكل التغيير المنشود في المجتمع ما بعد ثورة 25 يناير 2011.

الروائي جمال الغيطاني يمزج خوفه بعدم التفاؤل قائلا: «المخاوف مصدرها تاريخ الجماعة، وليست التجربة الانتخابية الجديدة والرئيس المنتخب. وقياسا على ما هو معروف عن الإخوان فإنه ليس هناك ما يدعو للتفاؤل. أعتقد أنه ستكون هناك مطاردة للنصوص وبحث في القديم، ومحاسبة النص من وجهة نظر مغلقة». يتمنى الغيطاني أن تثبت الأيام خطأ وجهة نظره، وإن كان لا يرى بادرة أمل. مضيفا: «دور المثقفين حاليا ليس بقدر دورهم الحقيقي الذي يجب أن يقوموا به، وإن كانت فأسماء مثل بهاء طاهر وصنع الله إبراهيم دائما ما تحدث حراكا وجدالا ونقاشا. أتمنى أن يتحرك المثقفون في اتجاه التغيير نحو مصلحة الوطن بشكل عام، وحرية التعبير والإبداع بشكل خاص، وليس تعبيرا عن رؤية شخصية أحادية».

يشير الغيطاني إلى أن محاولات البرلمان المصري (مجلس الشعب) إلغاء مشروعية الأزهر والأنباء التي تتردد عن هيمنة ممكنة للسلفيين على الحقيبة الوزارية للتعليم، تؤكد مخاوفه.

لكن الناقد السينمائي رفيق الصبان يرى أن الأمور ليست بهذا السوء. ويقول: «أنظر لنصف الكوب الممتلئ. إلى الآن لا يوجد ما يدعو للخوف. أنا شخصيا عضو في عدة لجان لاختيار أفلام المهرجانات السينمائية، ولم يتم إعلامي بمعايير جديدة، أو إلغاء تلك المهرجانات. وأنا أختار الأفلام على أساس الجودة والمضمون الفنيين واسم المخرج وغيرها من المعايير». يؤكد الصبان أن الخطأ الكبير هو أن يتوقع المبدعون الشر ويتوقفوا عن إبداعهم، عليهم أن يستمروا. وإذا جاء من يطالبهم بالتوقف أو العمل وفق معايير لا علاقة لها بالفن فعليهم التحريض والمقاومة لأبعد الحدود.

يقترب رأي الناقد الفني الدكتور مدحت الجيار، رئيس تحرير مجلة «الرواية» من رأي الصبان. ويقول: «نأمل من الرئيس المنتخب، القادم إلينا عن طريق صناديق الاقتراع، بعد صراع طويل مع عدة أطياف، أن يتعامل مع الإبداع بحرص ووعي».

يضيف الجيار: «ما أعرفه عن الجماعة، من خلال ما أقرأه وأشاهده في وسائل الإعلام المختلفة يجنح بي نحو مشاعر الخوف من التضييق على المبدعين الذين يتعاملون أصلا بلا سقف. وبالتالي على الرئيس وأجهزته أن يراعوا ذلك ويتفهموه جيدا، ويأخذوا بالحسبان أن الحرية هي قرين الموطنة، والجميع متساوون أمام القانون. وعلى المبدعين أن يستمروا بعملهم إلى أن يحصل صدام ما، وفي هذه الحالة سيجابه بالاعتراض، ولكن دعونا لا نستبق الشر».

يؤكد الجيار أن وثيقة الأزهر مطمئنة وتكفل الحرية، ونأمل أن تتحسن القوانين الإبداعية.

أما المطرب إيمان البحر درويش، نقيب الموسيقيين، فيرى أن الرئيس المنتخب الجديد هو رئيس لكل المصريين طبقا لما أعلنه خلال حملته الانتخابية، وفي خطابه بعد الفوز، وبالتالي فعليه أن يحتوى الجميع. يقول درويش: «نحن كفنانين لا نوافق على الفن الرخيص، بل إن كلمة فن لا ينبغي أن تقترن بكلمة الرخيص، لأنه ابتذال». ويضيف درويش: «على اللجنة التأسيسية للدستور أن تمثل كل الاتجاهات والفئات والأفكار. الدستور هو دستور لبلد، وليس لفئة بعينها، لا نريد أن ندور في فلك الدائرة المغلقة من الأفكار والتي ألغت اللجنة التأسيسية الأولى، ثم نعود إلى نقطة الصفر من جديد في اللجنة الثانية. نريد دستورا يحترم الحريات، ومنها بالطبع حرية الإبداع».

ويطالب درويش الرئيس المصري الجديد أن يعطي للنقابات الحق قانونا في متابعة اختصاصها ووضع المعايير التي تحكم عملها وعمل أعضائها، وتكون المحاسبة للنقابة، التي تمثل المرجعية، ويؤكد على أنه لا يجب الحكم على الفن عن طريق بعض الأعمال التي تسيء له. فالفن مرآة المجتمع، وكاشف لتقدمه.

تؤكد الروائية سلوى بكر أن المقدمات تؤدي إلى نتائج. وتقول: «الإخوان لم يكونوا في يوم من الأيام مهتمين بالفنون والآداب ولذلك لم يكن من المستغرب ألا نسمع إشارة في خطاب الرئيس المنتخب إلى الثقافة والفن وأن يتم تجاهل الفنانين والأدباء».

تضيف سلوى: «لو كانت هناك رقابة على حرية الفن، فإنها ستكون رجعية متزمتة، ذات مضمون قيمي بعينه، ولن تكون وفق معايير الإبداع».

ويتمنى الناقد الأدبي حسين حمودة الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن يدرك الرئيس الجديد ومن سيتولون أمور الثقافة أهميتها في الفترة المقبلة. يقول حمودة: «لا بد أن يستوعب الرئيس والمسؤولون عن الثقافة أن الإبداع له منطقته الخاصة، ولا يجب أن يقتصر على حدود الدفاع عن هذا المعتقد أو ذاك، كما أن له لغته الخاصة بحيث لا تجب محاسبته كأي نص مكتوب آخر، أي أننا لا نقف عند هذه العبارة أو تلك في هذا العمل أو ذلك ونحاسب العمل كله أو نحاسب صاحبه.

يضيف حمودة: «حرية الإبداع هي المحرك الأساسي لكونه إبداعا، ولا ينبغي على أي صاحب نظرة ضيقة أن يسعى إلى تقليص هذه الحرية، وعلى القائمين على الثقافة أن يعرفوا جيدا أن كل محاكمات الإبداع، تاريخيا، انتهت إلى نتيجة واحدة، هي براءة الإبداع نفسه. صحيح أن هناك أعمالا تمت مصادرتها هنا وهناك، في فترة معينة، لكن هذه المصادرة سقطت، وعادت الأعمال أكثر شهرة وانتشارا ورواجا».

ويختم حمودة كلامه قائلا: «كل محاولات الوقوف في وجه حرية الإبداع مآلها الفشل، وهذه ليست نظرة متفائلة بقدر ما هي نظرة قائمة على التسليم بأن الإبداع دائما ما يستمر».

أما مصطفى عبد الله الصحافي بجريدة «الأخبار»، رئيس تحرير جريدة «أخبار الأدب» السابق، فيقول: «أتخوف من أن تصدق مخاوف كثير من المبدعين وأن تعود جماعة الإخوان بالساحة الثقافية والإبداعية ردحا إلى الوراء».

يضيف عبد الله: «نتمنى أن يخلف الله الظنون، وأن يكون الأداء نابعا من قيمة الحرية التي يتخذها الحزب اسما له (حزب الحرية والعدالة)، وأن ينتصر لقيم الجمال والإبداع التي يمكن أن تحقق (النهضة) التي دعا إليها الرئيس في مشروعه المسمى بها (مشروع النهضة.. إرادة شعب)».

ومن جهتها، تقول الروائية الصحافية منصورة عز الدين: «المؤشرات غير مطمئنة، فقد حرصت على قراءة مشروع النهضة، وهو البرنامج الانتخابي للرئيس الجديد، ووجدت فيه كلاما مطاطيا وغامضا عن حرية مرتبطة بقيم معينة، الأمر الذي أستشعر فيه الخطر على حرية الإبداع».

تضيف منصورة: «على المبدعين، ألا يتعاملوا بموقف رد الفعل، والثورة جاءت لمزيد من الحرية وليس تقييدها. مصر تمر بمرحلة انتقالية، ولا بد من وجود من يحارب من أجل الحريات. الخوف لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخوف، وعلى الأدباء والفنانين أن يعملوا بصورة جماعية في شكل تيارات وحركات من أجل مزيد من الحريات، وبعيدا عن سلطات الدولة».

تعبر عن مخاوفها أيضا الممثلة فردوس عبد الحميد، مؤكدة أن مصر كبيرة وعظيمة بالفن والثقافة عبر تاريخها، فالآثار الفرعونية أقامها فنانون مبدعون. كما أن الفن هو القوة الناعمة التي ترفع من شأن الدول.

تتمنى عبد الحميد أن يكون إغفال الإشارة إلى الثقافة والفن في بيان الرئيس هو من قبيل السهو، لأن مصر لن تعود إلى الوراء. وتقول: «صوت الفن هو أعلى صوت، لن نرضخ لأي قوى تحكم. لن نتراجع عن آلاف السنين من الفن والفكر والثقافة، ولن نخسر مكاسب السنوات في لحظات. نحن قادرون على حماية فننا وإبداعنا. وأرجو أن يكون التخوف في غير محله».

وبنظرة شديدة التفاؤل، يرفض الكاتب الصحافي لويس جريس استباق الأحداث ويطالب بقراءة مشروع النهضة الذي قدمه الرئيس الجديد. يقول جريس: «على المبدعين في السينما والمسرح والرواية والقصة أن يقدموا أعمالا جيدة. فهناك مستوى لا يختلف عليه اثنان. المسرح الجاد طوال سنوات كان يربي شعبا، والسينما كانت تصنع مستقبلا. لا أعتقد أن وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم سيغير شيئا للأسوأ، لدى المبدعين الحقيقيين فرصة تاريخية ليثبتوا أن الإبداع الجيد هو الذي يبقى، ويكون له دور في قيادة الأمة، العمل الفني الجاد، أقوى من أي تيار، فهو القادر على نقل المجتمع نقلة نوعية من أعمال قائمة على اللهو والتسلية فقط (وأحيانا الإسفاف) إلى أعمال ترتقي بفكر ووجدان الشعب بأكمله».

ويفضل الكاتب والسيناريست كرم النجار إتاحة الفرصة أمام الرئيس الجديد حتى يمكننا أن نحكم على الأمور وعلى التجربة الرئاسية الجديدة بمعايير واقعية. يقول النجار: «لا بد أن أسجل طلباتي للرئيس الجديد، الذي ينبغي أن نعطيه الفرصة لكي يعمل، ولكن عليه أن يعمل أولا على أن يفصل بين مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، فقد أصبح رئيسا لكل المصريين. ثانيا: تشكيله للوزارة سوف يوضح لنا تخليه عن عباءة الحزب والجماعة، فلا ينبغي أن يعطي الحقائب الوزارية لمن خدمه في الانتخابات، ولكن أن تكون وزارة للنهوض بمصر. ثالثا: أن يفي بتعهداته كاملة ومنها نائب قبطي ونائب امرأة. رابعا: التأكيد على مدنية مؤسسة الرئاسة، والمدنية لا تعني فقط أنها ليست عسكرية ولكن أنها ليست دينية. خامسا: وأنا أعتبره أولا، أن اللجنة التأسيسية للدستور هي التي يجب أن تعبر عن الشعب المصري بأكمله، وأن تُرسي قواعد المواطنة، وأن يكون للمثقفين تمثيل حقيقي فيها.

يضيف النجار: «الدستور هو ضمانة حرية الإبداع، ولا بد من اعتبار أن الفن من مؤسسات المجتمع المدني. أرى أن وثيقة الأزهر هي الوثيقة الرئيسية في صيانة الحريات لأنها تعتبر أن حرية الإبداع أساس الحريات، ولا بد أن نحتمي بوسطية الأزهر كمؤسسة محترمة وهي دليلنا في تحقيق الحريات».

ويتخوف الروائي عبد الوهاب الأسواني من ألا يكون للرئيس الجديد دور، وأن يكون الدور الأكبر للعسكريين. كما يتخوف من قلة خبرة التيار الإسلامي (والرئيس المنتخب) بالسياسة الخارجية.

أما عن حرية الإبداع، فيقول الأسواني: «أتمنى أن يحيل أي مشكلة تتعلق بالإبداع إلى أهل الاختصاص، حتى يتم الحكم على الإبداع بمعايير فنية. وأتذكر المرشح للبرلمان السابق الذي تحدث عن أن أدب نجيب محفوظ يحض على الدعارة، وأن أسلوب نجيب محفوظ تارة رشيق وتارة أخرى ركيك، وهو لا يعلم أن ما يكتبه نجيب محفوظ كان طبقا لشخصيات روايته، فلا يمكن مثلا لشحاذ أن يناقش فكر ابن خلدون مثلا رغم أن الكاتب على وعي بها».