الحسيديم.. يسكنون في أماكن خاصة وينظرون إلى السفارديم بدونية

واحدة من المجموعات اليهودية الكبرى

TT

يحكي كتاب «غير أرثوذوكسية» قصة امرأة شابة ولدت وشبت في بيئة اليهود الحسيديم؛ الذين هم من الحريديم المتشددين في تدينهم. وقد ظهر الحسيديم في القرن الثامن عشر في أوروبا الشرقية، وتعتبر مجموعتهم من المجموعات الكبرى بين اليهود، وما زالت في نمو مستمر، حيث تضم العشرات من الفرق المنتشرة في العالم، على الرغم مما مرت به من صراع مع بعض الفرق اليهودية. وبمرور الزمن تكون لدى الحسيديم فكر خاص بهم يميزهم عن غيرهم من اليهود الآخرين، ينشأ ويكبر عليه أولادهم الذين يدرسون منهجا خاصا، طبقا لكتب ألفها حاخاموهم وزعماؤهم الروحيون، إذ يحرم عليهم هؤلاء قراءة الكتب الأجنبية والصحف غير الحريدية. وأصبح جزءا من هذا الفكر اعتقادهم بتميزهم عن اليهود الآخرين. فهم مثلا كما تقول المؤلفة ينظرون إلى اليهود السفارديم نظرة دونية ولا يتزوجون منهم.

وقد تركت مؤلفة الكتاب هذه المجموعة وتمردت عليها، بعد أن تزوجت وولدت طفلا وأصبحت غير أرثوذوكسية، كما يشير عنوان الكتاب. وهي قد اعتبرت تركها تحريرا لها، مما كان المجتمع الذكوري يفرضه عليها من عادات وتقاليد والتزامات مما يتعلق بعلاقاتها الاجتماعية وتربيتها ولباسها وسلوكها. ومما دفعها إلى ترك مجموعتها «الستمريم» في الولايات المتحدة (وهي من أكبر المجموعات الحسيدية)، تأثرها ببعض الروايات والكتب التي قرأتها سرا، والتي لا يسمح زعماؤها بقراءتها، ومنها كتاب كتبته شابة تركت مجموعتها من اليهود الحريديم.

ويسكن الحسيديم عادة في أماكن خاصة بهم خوفا من تلوثهم بالآخرين كما يقولون، ويتكلمون اليديش فيما بينهم، دون غيرها من اللغات، كما أنهم يلتزمون بعادات وتقاليد لا يحيدون عنها، فالمرأة لا بد أن تلبس لباسا محتشما، وتضع غطاء رأس (شعرا اصطناعيا أو قماشا أو قبعة)، ولا تكلم غريبا أو تمشي معه أو تجلس معه على مقعد واحد، بل أصبحت عندهم في بعض أماكن سكناهم أرصفة في الشوارع خاصة بالنساء وبالرجال. وتتحدث المؤلفة بشيء من التفصيل عن بعض العادات والتقاليد في الزواج، ومنها أنه غالبا ما يكون مرتبا من قبل العائلة، وقد لا يرى العريس عروسه إلا مرة واحدة قبل الزواج، وهو ما حدث لمؤلفة الكتاب، حيث رأت زوجها مرة واحدة ولنصف ساعة. ومنها حلق الزوجة شعر رأسها كاملا في عرسها، وكسر الزوجين إناء جميلا من الزجاج في حفل الزواج، وعزل المرأة نفسها عن زوجها فترة أسبوعين في كل شهر، أثناء الدورة الشهرية، حيث تكون نجسة بل وتنجس كل من أو ما تلامسه، إلى حد أن زوجها لا يناولها الإناء وإنما يضعه على الأرض لتأخذه. وبعد الأسبوعين تذهب إلى الحمام الشرعي لتتطهر، وعملية التحضير لذلك وأداء الغسل وشعائره فيها كثير من التفاصيل، التي وصفتها المؤلفة بضجر وانزعاج. والغرض منها أن لا يكون هناك حاجز بين الجسم والماء مهما صغر. كما أن الحسيديم لا يتزوجون إلا فيما بينهم، وينجبون أولادا كثيرين، يصل عددهم أحيانا إلى عشرة أو أكثر، وإذا كان هناك عدد من الأولاد الذكور في العائلة، فإن الكبير هو الذي يتزوج أولا، ولا يمكن أن يتزوج من هو أصغر منه قبله. وأصبحت هذه العادة سببا لمشكلات نفسية واجتماعية لشبابهم، عندما لا يتزوج الأكبر في وقت مناسب. وعادة ما يكون زواج الشاب في حدود العشرين من عمره، والبنت في سن أقل من ذلك. وتذكر المؤلفة أن بعض النساء العواقر يذهبن إلى قبر الحاخام سيمون بن يوحاي في إسرائيل، يتشفعن عنده وينذرن النذور من أجل أن يلدن (وقد درج على هذه العادة حتى غير الحسيديم من اليهود، حيث يذهب عشرات الآلاف منهم إلى زيارة قبر هذا الحاخام كل سنة، يزورونه ويحتفلون عنده، ويقصون شعر رؤوس أولادهم أول مرة). وللرجال أيضا عادات وتقاليد، وهي تبدأ منذ الطفولة، فعدا الاحتفال بختانه يكون له احتفال آخر في الصغر، إذا كان الابن هو البكر ويسمى «فديون هابن» (فدية الابن)، وهي عادة قديمة حيث كانت تعطى فدية عن الابن، بدل خدمته في الهيكل. وتتحدث المؤلفة عن هذا الاحتفال ببعض التفصيل. والرجال يلبسون لباسا أسود خاصا، يتميزون به عن غيرهم من اليهود، ويضعون على رؤوسهم قبعة سوداء تحتها قلنسوة «كباه» ويطيلون ضفائرهم على جانبي الرأس ويخرجون خيوط الصيصيت من تحت قمصانهم، كفريضة عليهم حتى يراها الناس، وغير ذلك من عادات.

وتنتقد المؤلفة تمسح الحسيديم بأذيال ملابس زعمائهم وتقبيلها في الاحتفالات تبركا بها، وكذلك حياتهم المرفهة ومن يرتبط بهم برابطة النسب، وتنتقد صراع أبنائهم على وراثة الزعامة.

وهي تذكر بعض الخرافات التي يصدقونها، منها ما حدث مرة أن إشاعة سرت بينهم في يوم الكفور بأن سمكة كانت بيد سماك لشقها، وفجأة نطقت تحذر اليهود من العذاب وتنذرهم به إن لم يتوبوا من ذنوبهم، وتقول إن ما قالته أمر من الرب، حيث هرع المئات منهم إلى بائع السمك لرؤية ما سمي «المعجزة».

وعلى الرغم من أنها تذكر بعض حالات التدين الشديد عند الشباب حتى أن بعضهم لا ينظر حتى إلى جدته خوفا من الله، لكنها في الوقت نفسه تذكر أن حالات من التحرش الجنسي تحدث للطلاب الصغار، ولكنها تطوق دائما حفاظا على سريتها، وخوفا من الفضيحة.