الصحراء ألهمتني قصتي الأولى

ماجد القطامي

TT

الكتابة بالنسبة لي ولوج إلى عالم خيالي أتجاوز فيه كل مألوف وأتحرر من قيود تكبلني، لواقع ثقيل يفرض نفسه بقوة حتى على ما أقوم به، لذا فتستعر لدي الرغبة بالتحليق بعيدا عنه، من خلال خلق عالم خاص بي، تترعرع فيه فنتازيتي بشكل يمكنني من قول ما أريد، ليس بالضرورة أن أكسر أي تابوهات اجتماعية أو ثقافية، ولكن لارتياد آفاق جديدة لم يرتدها الأدب العربي بالشكل الكافي.

وعلى الرغم من أنني لم أنجز سوى مجموعة قصصية واحدة فقط بعنوان «ما وراء الظلام» قصص من الجانب المظلم، وكان ذلك قبل سبع سنوات، كما أنني بصدد نشر مجموعة قصصية جديدة هذا الصيف بعنوان «للحقيقة وجه آخر»، فإنني لم أتناول الموضوع الكويتي المحلي بأي صورة، إنما كنت أقفز فوق حواجز الهوية والثقافة والجغرافيا والدين واللغة، لأتوغل في أعماق النفس البشرية مبرزا لخباياها من خلال تجربة الخوف والتعامل مع المجهول.

قصتي مع الكتابة بدأت من قراءتي لمجموعة قصصية من السبعينات بعنوان «مدينة الرياح»، لكاتب كويتي وهو القاص قاسم خضير، فتشكلت داخلي رغبة متوثبة لمحاكاته. لكنني وجدت صعوبة بالغة بتحويل الأفكار التي تجوس ردهات ذهني بشكل دءوب، إلى نصوص قصصية. أمضيت عاما كاملا بين المكتبات العامة، قرأت خلاله الكثير من الكتب عن القصة والنقد الأدبي، لم تكن سوى زيادة في حصيلتي العلمية، ولم تكن ذات أثر بمنحي القدرة على الكتابة.

جاء الفرج، حين قمت برحلة ليلية إلى منطقة صحراوية غرب الكويت، اتقدت في أعماقي رغبة من نوع خاص، لم أختبرها من قبل، وبتلقائية غير زائفة، وجدت نفسي أكتب ما تخيلته طوال الرحلة، ومعها انطلق زخم كبير من الأحاسيس والأفكار التي حبست داخلي منذ زمن بعيد.

بانضمامي إلى منتدى المبدعين الجدد قبل ثمانية أعوام، بدأت أتعرف على أساليب الكتابة من خلال احتكاكي المتواصل بمن يشاركونني نفس الهوس الكتابي، مجموعة من الكتاب والشعراء، منهم خالد الحربي، عامر العامر، استبرق أحمد، فهد الهندال، وسعد الجوير، ومحمد المغربي، وميس العثمان، وبثينة العيسى، ومحمد الحداد وحميدي حمود ويوسف خليفة، الذي كان يدير المنتدى في تلك الأيام، كما قامت مجموعة من الكتاب والشعراء من العاملين بمجالات الصحافة والمسرح بتوجيه النصح والإرشاد من جهتهم، وكان لدعم أدباء الرابطة الكرام ورعايتهم لتلك الأقلام الشابة الأثر الكبير في إبرازهم وبث الثقة بكتابتهم، هذا إلى جانب ما قامت به السيدة الفاضلة الشيخة باسمة المبارك الصباح من رعاية كريمة ودعم للمنتدى الفتي، كل تلك العوامل ساعدت شعراء وكتاب هذا الجيل، وكذلك ممن تعاقبوا عليه من بعدهم على تكوين روافد جديدة للرابطة والأدب في الكويت.

إنني أؤمن بأن الكتابة لا تحتاج إلى مسطرة، أو معايير ثابتة ترهق الكاتب وتصعب مهمته، بل تتجسد بفكرة تشرق داخله، ويحولها إلى نص حقيقي بما تيسر له من بلاغة وأدوات الكلام، حتى وإن كانت متواضعة، طالما أوصلت الفكرة إلى المتلقي، ولي في مدينة الرياح خير تجربة، إذ ما زال ذلك الكتاب الأصفر الصغير، ببساطته النابعة من القلب، وبألفاظه وأساليب سرده التقليدية، له مكانة كبيرة عندي، رغم ما عرفته بعد ذلك من فنون الكتابة وآدابها.

أرى أن المناخ الحالي في الكويت والعالم العربي، على الرغم مما به من إزعاج وإرباك على أوجه ونواحي الحياة الهادئة التي يفضلها الجميع، فإنه ليشكل فرصة طيبة لإعادة تشكيل الهوية الوطنية، وذلك سيكون ملائما للكتاب لخلق إبداعات جديدة لم تتحقق في الفترات السابقة، وها هو الضجيج الذي قد يعتبره الكثيرون مدعاة للفوضى وعائق للإبداع بكل ما فيه من صور سلبية، قد بدأ يبشر بانبلاج فجر جديد لن تكون به المنطقة كسابق أوانها.

* قاص وعضو رابطة الأدباء في الكويت ومنسق عام منتدى المبدعين