مؤتمر «اتحاد كتاب المغرب» انعقد تحت تأثير «الربيع العربي»

بين الرهانات الكبيرة والإمكانات الهزيلة

من موقع الاتحاد
TT

حتى قبل انعقاد مؤتمر «اتحاد كتاب المغرب» يومي السابع والثامن من سبتمبر (أيلول) الحالي، قرأنا مقالات صحافية تهول من جسامة الأمر وأخرى تراهن على نتائج لم تتحقق في أي مجال من مجالات الحياة، وأخرى محذرة من احتمالات الفرصة الأخيرة.. لكن كل هذه الرهانات مبالغ فيها ولا يمكن لأي اتحاد كتاب أن يدعيها (ليس في فرنسا اتحاد كتاب على شاكلة المغرب يمنح لنفسه هذه المسؤولية!)، وكأن الثقافة، فعلا، لها دور مركزي في المجتمعات العربية الإسلامية.. لكن الأمر ليس حقيقيا. صحيح أننا لا نعيش في بلد جدانوفي «كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي»، ولكن الثقافة والمثقفين لم تعد لديهم حظوة كما السابق، ولعل الحظوة الآن انتقلت إلى أبطال السباق ورياضيي كرة القدم ومغني الراي والراب والهيب هوب وغيرها، إذ لكل دهر رجالاته، كما يقال. هذه هي الثقافة الآن، التي تنتج وتبيع وتزدهر. ولن نأتي بجديد إذا تحدثنا عن الأمية التي تنخر الجسم المغربي (أكثر من 50 في المائة من عموم الشعب)، بالإضافة إلى انشغالات «ثقافية» أخرى لدى «القارئ» المفترض تجعل الشاعر أو القاص الموهوب والمحظوظ لا يبيع أكثر من ألفي نسخة من كتابه، في أحسن الأحوال.

ولأن الفكر العربي خطابي وصوتي فإن الرهان يبدو كبيرا والتطلعات عالية كما أن الانتظارات لتنوء بحملها الجبال!

في سنوات خلت كان «اتحاد كتاب المغرب» من بين الاتحادات العربية القليلة الخارجة من وصاية السلطة والعصية على التدجين. وكان الاتحاد في طليعة الاحتجاجات والنقد للسلطة السياسية والمدافع الأمين عن قضايا الأمة العربية وقضايا شعوب العالم المحبة للانعتاق والديمقراطية والإصلاح. وبينما كانت الأحزاب السياسية، على اختلاف مشاربها، وألوانها تتفاوض مع الحكم على وسيلة لشراء السلم الأهلي، كان «اتحاد كتاب المغرب» يمارس، على طريقته (ومع إيمانه بمحدودية دوره وطابعه الإصلاحي ونفوره من أي قراءة ثقافية للحالة المغربية!) عمله في الدفاع عن الحريات وعن شيء من العدل الاجتماعي، كان المعارض الحقيقي الوحيد الذي لا يطمح ولا يطمع في صفقة أو كعكة ما.

ولكن الزمن تغير. وهذا ما يراه المشاركون في هذا المؤتمر.. إذ لم يعد الاتحاد المنظمة الوحيدة التي تهتم بالشأن الثقافي، بل نشأت منظمات وروابط ونواد وجمعيات ثقافية عديدة تدعي لنفسها «وصلا» بالثقافة.

كما أن «الربيع العربي» مر من هنا، ولا تزال بصماته وتفاعلاته في جسد المجتمع المغربي قوية ولا يعرف آفاقها أحد بصفة قطعية. وعلى هذا المؤتمر، بالفعل، أن يفكر ويتأمل شعارات «الربيع العربي» عموما و«الربيع المغربي» خصوصا، وهي شعارات راديكالية وجريئة، وجدت لتبقى ولتعثر على أجوبة، ومن الخطأ الاستهانة بها أو إخفاء الوجه تجاهها أو انتظار مرورها، كما يفعل مع العاصفة، عموما.

التحديات المجتمعية الجديدة كبيرة ومتشعبة، وبعيدا عن أي مبالغة في تحميل «الثقافي» مسؤولية غير مسؤوليته، أو انتظار الخلاص المجتمعي منه، فإنه يطلب منه أن يؤدي دوره المنوط به، من دون زيادة أو نقصان.. أي أن تواكب الثقافة المجتمع وتفكر في همومه وقضاياه، وذلك من خلال واجهات وعناوين عديدة من بينها الانفتاح على الثقافة الرقمية وأيضا التنسيق والشراكة مع اتحادات وجمعيات ثقافية فاعلة ووازنة أخرى، وأن تنغرس، أكثر فأكثر، في «الربيع العربي» و«المغربي».

وإذا كان «اتحاد كتاب المغرب» تميز في الماضي بطرح تساؤلات جريئة، من خلال كتابات مفكرين ومؤرخين وسوسيولوجيين وحتى رجال دين، بل وتميز حتى باستباق الأحداث والتنبؤ بالكوارث والرجات الاجتماعية، فهل يستطيع نفس الاتحاد، الآن، مجاراة تساؤلات وانتظارات عبرت عنها «حركة 20 فبراير»، جعلت كل الأشياء محلا للنقاش، حتى مسألة قداسة الملك وإمارته للمؤمنين؟!

لا تغير الثقافة المجتمعات ولكنها تستطيع تغيير ذهنيات الساسة والنخب السياسية، وهو أمر مهم وحيوي، لكن السؤال الأهم هو: هل يقرأ الساسة، حقا؟!

وإذا كانت ميزانية وزارة الثقافة المغربية تقل عن 1 في المائة من الميزانية العامة للدولة، فكي يستطيع اتحاد الكتاب، المنعدم المصادر المالية، والذي يتلقى بدوره مساعدة زهيدة من الوزارة، أن يشتغل في ظروف حسنة، وهو الذي أخر عقد مؤتمره، الذي كان يفترض أن يكون مؤتمرا استثنائيا بسبب مرور نصف قرن على تأسيسه، بسبب نضوب إمكاناته المادية وقصور يده، فالمطلوب من هذا المؤتمر أن يكون متواضعا وألا يرفع سقف تطلعاته عاليا (إذ تجب مصارحة الذات والآخر بحقيقة الإمكانات ولا يجب الغرق في نشوة الرضا الذاتي!)، وخصوصا أن المؤتمر انعقد في فترة ركود اقتصادي تعاني منه معظم قطاعات المجتمع المغربي.