قصائد ذات منحى حضاري لا تستند إلى مسكنات التاريخ

41 شاعرا وشاعرة من السعودية بالإنجليزية

غلاف الكتاب
TT

كان موطن الشعر العربي الأساسي في العراق ومصر ولبنان على مدى نصف القرن الماضي على أقل تقدير، حيث يعلم أي شخص مهتم بالشعر المعاصر أسماء شاعر واحد على الأقل من هذه البلدان الثلاثة. مع ذلك هناك دولة رابعة تسعى لتحتل مكانا في هذا العالم، وهي المملكة العربية السعودية.

ولا ينبغي أن ينظر إلى اهتمام السعوديين بالشعر بعين الاستغراب، فقد كانت شبه الجزيرة العربية موطنا لأقدم أشعار في العالم، والتي تعود إلى العصر الجاهلي. خلال زياراتي الكثيرة إلى المملكة العربية السعودية على مدى العقود الأربعة الماضية، حضرت الكثير من الأمسيات الشعرية التي جذبت عددا لا بأس به من الناس سواء في المناطق قليلة السكان أو النائية. مع ذلك كانت العروض تضم في أغلب الأحوال الشكل التقليدي للشعر، خصوصا القصيدة التي لا يمكن تحديد زمنها. ما يميز المختارات الشعرية التي يقدمها سعد البازي، الأستاذ الفخري للغة الإنجليزية في الرياض، هي أنها تعرفنا بالشعر المعاصر في المملكة العربية السعودية.

تمثل المختارات طبعة جميلة نشرتها دار «تاوريس»، التي تعد من أفضل دور النشر المتخصصة في قضايا الشرق الأوسط. وتنعش معايير التحرير والإنتاج التي تبنتها الدار مجال النشر في بريطانيا الذي يعاني من تراجع منذ السبعينات. وتم تقديم 41 شاعرا وشاعرة يستخدمون أساليب مختلفة، بداية بالنيو كلاسيكية وانتهاء بالسريالية.

توضح هذه القصائد المختارة على الأقل في ما يتعلق بهذا النوع الأدبي أن المملكة العربية السعودية جزء مهم من العالم المعاصر. ولا تقتصر هذه العصرية على الشكل، رغم أن هذا الملمح هو أكثر ما يشد عين القارئ. ويمكن العثور على الطابع العصري الحقيقي لهذه القصائد في الموضوعات التي تتناولها القصائد من قلق وآمال ومخاوف البشر في العصر الحديث، فضلا عن المستوى الفردي مثل معنى الحب في عالم يغلب عليه عدم اليقين، وأزمة الهوية، وطقوس العبور في سياقات ثقافية متعددة تكون أحيانا متناقضة. المثير للاهتمام هو أن كل هذه الموضوعات العالمية يتم التعبير عنها عبر أصوات عربية. وما يدعم هذا الصوت هو وجود التعبيرات العامية السعودية ومفردات الحياة في المملكة العربية السعودية. ورغم أن هؤلاء الشعراء يستمدون جذورهم من القضايا الثقافية السعودية، فإن شعرهم ليس ضيقا أو محدودا أبدا، حيث يمكن أن تلقى تجربتهم صدى لدى القارئ في أي مكان في العالم. كان لكثير من الشعراء، الذين تتضمن المختارات أعمالا لهم، تجربة مباشرة في العالم الخارجي سواء من خلال الدراسة في الغرب أو بفضل زياراتهم الكثيرة إلى الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا الشمالية وآسيا. لذا يمكن أن يأتي لهم الإلهام في هيوستن أو تكساس أو باريس أو فرنسا مثلما يأتي لهم في بريدة أو الظهران.

لا يتسع المقام هنا لإعطاء كل شاعر أو شاعرة منهم ما يستحق من كلمات، لذا يجب على المرء أن يقنع بذكر القليل. من بين هؤلاء الشعراء إبراهيم الوافي، بقصيدته «حمى» التي تتسم بالأصالة. كذلك أعجبتني أشجان هندي، خصوصا حس دعابتها الرقيق، ومحمد خضر، حيث تمثل قصيدته «حرية» تركيبا مثاليا من حيث الشكل والمضمون. وتأتي بعد ذلك مقاطع هايكو لعبد الله الوشمي تشكل في مجموعها قصيدة واحدة. وأثرت بي أيضا قصائد هدى الدغفق التي تتناول وضع المرأة ومطالبتها بالحرية والمساواة. كذلك استمتعت بقصيدة حميد عقيل «اللهب» وتوأمتها «حقل للهب أزرق».

أما في ما يتعلق بالموضوعات والنبرات فيغلب على الشعر السعودي المعاصر الطابع الحضري، حيث يترك الصحراء والجنة الأسطورية بصورها مثل الكثبان الرملية والجمال التي تتهادى للشعراء التقليديين، ليهتموا هم بالحياة في المدن والبلدات الجديدة المزدحمة المختنقة ذات الإيقاع السريع، والتي تمثل تحديا مستمرا في المملكة العربية السعودية وغيرها. ويظل الحب موضوعا مهما رغم اختلاف طريقة التعبير عن الشعر التقليدي. هنا العاشق لا يذرف دموع المرارة على المحبوبة التي تظل بعيدة عن مناله. ومن بواعث القلق الأكثر وضوحا هي إخفاق الحب في أن يفي بوعوده وأن يتم تهميشه أو يتبدد بفعل الزمن والحياة.

من الموضوعات الأخرى المنتشرة رفض القواعد التي تقيد حرية الفرد باسم القيم الثقافية والتقاليد. وتمثل كل من قصيدة «العزاء نفطي لنساء الخليج» لأحمد الواصل و«أسطورة» لعبد الله الصيخان، و«فكرة» لحسين سرحان طعنات في قلب التحامل والتحيز. ويعد هجاء ميل محدثي النعمة إلى التفاخر والمباهاة من الموضوعات الأساسية التي تناولتها بعض القصائد، وأوضح مثال على ذلك قصيدة «بلا هدف» لأحمد خطوة. وعلى عكس الكثير من الشعراء المعاصرين في الدول العربية الأخرى، يتحرر الشعراء السعوديون من الشعور بالحنين، والاستناد إلى مسكنات في التاريخ.

كذلك لا يهتم الشعراء السعوديون بـ«البطولة» السهلة المجانية التي ترتبط بالصراعات الإقليمية والدولية. ويمكن للشعراء السعوديون لبعدهم عن الديماغوجية السياسية أن يتناولوا قضايا وجودية أعمق.

يفتتح دكتور البازي المختارات بمقال يقدم فيه أصواتا جديدة تعود إلى فترة تتراوح بين الثلاثينات والخمسينات، في الوقت الذي تطورت فيه الكلاسيكية جنبا إلى جنب الرومانسية. وبدأ الاتجاه المعاصر الحالي بحسب البازي بمحمد العلي في السبعينات عندما بدأ الصوت السعودي المميز في التبلور. وكان هذا عندما تعلم الشعراء السعوديون الشباب اللغات الغربية وتعرفوا على أعمال الشعراء الأوروبيين والأميركيين المعاصرين بمن فيهم تي إس إليوت. وكانت ترجمة تلك الأشعار ممتازة باستثناء بعض الحالات. وفي حين نجح البعض في نقل الشعر بالتفعيلة والإيقاع، رضي البعض الآخر بنقله على هيئة نثر. ولا يتسع المقام هنا لذكر جميع المترجمين، لكن لهم جزيل الشكر ووافر التقدير.

ويقدم «New Voices of Arabia» (أصوات جديدة من الجزيرة العربية) نظرة على عالم غني بالشعر المعاصر من قريحة جيل جديد من السعوديين. ويستحق على الأقل نصف الشعراء الذين قدمت لهم أعمال في هذا الكتاب تقديما أكبر إلى العالم الذي يتحدث الإنجليزية.