جائزة نوبل للآداب.. نتائج مثيرة للاستغراب وأخرى مزعجة

الأكاديمية السويدية لم تغفل آثارها السياسية منذ عام 1901

مو يان، الفائز بجائز نوبل للآداب هذا العام
TT

ظل محبو الكتب في جميع أنحاء العالم على مدار أكثر من قرن من الزمان ينظرون إلى جائزة نوبل للآداب على أنها أقصى تقدير وثناء وتكريم للشعراء والكتاب البارزين عبر الحدود الوطنية والثقافية. وينتظر محبو الأدب الأخبار القادمة من استوكهولم بشغف شديد الإعلان عن اسم الفائز بهذه الجائزة.

ولم يكن الأمر مختلفا هذا العام، حيث توقع كثيرون أن تذهب الجائزة إلى الروائي الياباني المعروف، الذي يحظى بتقدير كبير هاروكي موراكامي، بسبب قدرته على كتابة الروايات والقصص بطريقة جذابة ورائعة، وإذا لم يحصل عليها موراكامي فمن الممكن أن تذهب لاثنين من الروائيين الأميركيين هما فيليب روث ودان ديليلو. ومع ذلك، ذهبت الجائزة إلى الأديب الصيني غير المعروف مو يان الذي انتزع الجائزة في آخر لحظة.

كنت قد سمعت عن مو يان لأول مرة عام 1986 في بكين أثناء زيارتي للصين، حين تمت دعوتنا إلى مشاهدة عرض مسرحي خاص مأخوذ عن قصة قصيرة من تأليف مو يان، تلقي الضوء على معاناة الفلاحين الصينيين قبل الثورة الماوية وتشكيل عصابات لمحاربة الإقطاعيين. وقيل لنا إن مؤلف المسرحية كان جنديا في جيش التحرير الشعبي الصيني، وأنه «كاتب غير متفرغ».

ومع ذلك، لم تتمكن أعمال مو يان من جذب قراء ومعجبين خارج الصين إلا في أواخر الثمانينات من القرن الماضي من خلال قصته القصيرة «الذرة الحمراء» التي تحولت إلى فيلم روائي طويل حصل على جوائز في كثير من المهرجانات الكبرى.

وتحولت «الذرة الحمراء» إلى رواية طويلة كاملة لتحكي قصة فتاة ريفية تعاني من العبودية بعد ما أجبرت على الزواج من رجل غني كبير في السن. وفي الواقع، تعكس هذه الرواية الطريقة التي يتبعها مو يان في أعماله، حيث يتجنب الحديث عن الصين اليوم، ويركز على الحقبة التاريخية التي تغطي الفترة بين عام 1911، عندما قام صن يات صن بإقامة أول جمهورية صينية، وعشية الحرب الأهلية التي كانت ستحدد مصير البلاد مع إنشاء جمهورية الصين الشعبية عام 1949.

ويعتمد مو يان على استراتيجية ذكية وماهرة للغاية، تمكنه من تقديم مواهبه الأدبية واختيار أي موضوع وأي شخصيات دون المخاطرة بإثارة غضب السلطات الشيوعية. وكما قال الأديب هارتلي في روايته «البين بين»: «الماضي بلد أجنبي تتم فيه الأشياء بشكل مختلف».

ولذا، عندما تم الإعلان عن فوز مو يان بجائزة نوبل، كان من الصعب ألا يشعر المرء بوجود حسابات سياسية وراء ذلك. وتعد هذه هي المرة الثانية التي يفوز خلالها أديب صيني بهذه الجائزة، وكانت الجائزة الأولى من نصيب جاو شينجيان عام 2000. ويعد شينجيان من أشد المعارضين للنظام الشيوعي، ولذا تم نفيه والإعلان عن أنه شخصية غير مرغوب فيها في بكين، وتم التعتيم على خبر فوزه بالجائزة في الصين، كما تم منع الإشارة إلى أعماله.

أما هذه المرة، فاستقبلت بكين خبر حصول مو يان على الجائزة بصخب شديد، ولذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل نشهد تحركا سياسيا من جانب الأكاديمية السويدية لإعادة التوازن في العلاقات مع القيادة الصينية؟

لم تكن الأكاديمية غافلة تماما عن الآثار السياسية للجائزة، فمنذ منح الجائزة الأولى عام 1901، حاولت الأكاديمية تكريم أكبر عدد ممكن من الثقافات والاعتراف بالإبداع الأدبي في جميع قارات العالم. وحتى الآن، حصل 108 أدباء وشعراء على جائزة نوبل للأدب، وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على تلك القائمة فسوف نكتشف عددا من النقاط المثيرة للاهتمام.

أولا، تعكس تلك القائمة الهيمنة الساحقة من جانب الثقافات الغربية، مع التركيز بوجه خاص على غرب أوروبا والولايات المتحدة. وربما يعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى الحقيقة المتمثلة في أن الأعمال المكتوبة باللغات غير الغربية، غالبا ما تكون غير متوفرة للقائمين على الجائزة في استوكهولم، في الوقت الذي لا يمكن فيه أن ننكر أن الدول الغربية تنتج أعمالا أدبية أكثر بكثير من أي مجموعة أخرى من الدول. ومع ذلك، لا يمكن أيضا أن ننكر أن هناك تحيزا كبيرا للغرب.

وتعكس النقطة الثانية وجود نوع من التناقض، ففي الوقت الذي تنحاز فيه الأكاديمية بشكل واضح للأدب الغربي، فإنها غالبا ما تختار الكتاب والشعراء الذين ينتقدون، ولا نقول يعادون، النظام السياسي والاقتصادي في الغرب. ويبدو أن الكتاب والشعراء من اليسار دائما ما يكون لديهم فرصة أفضل من المنتمين لتيار اليمين. ومع ذلك، يعد الفائزون بتلك الجائزة من تيار «اليمين» مثل روديارد كبلنغ وفرنسوا مورياك، وتي إس إليوت وهيرمان هيسه من أكثر الأدباء الخالدين في الذاكرة.

ويمكن لهذا التحيز لصالح اليسار السياسي أن يسفر عن نتائج تتراوح بين المثيرة للضحك، كما في حالة كاتب روايات كوميديا الموقف الإيطالي داريو فو الذي فاز بالجائزة عام 1997، والمزعجة، كما في حالة الكاتبة النمساوية الفريدة يلينيك، التي حصلت على الجائزة عام 2004.

والنقطة الثالثة هي أن جائزة نوبل لا تشكل ضمانا على أن الروائي الحاصل على الجائزة سوف يستمر في جذب القراء، أو حتى يستمر في الكتابة في السنوات التي تلي حصوله على الجائزة، فكم عدد الأشخاص الذين لا يزالون يقرأون لهنريك بونتوبيدان أو فيرنر فون هايدنستام، ناهيك عن روجر مارتن دو غارد؟

وفي الحقيقة، يستحق بعض الفائزين النسيان، ولكن بعضهم يستحق أن تقرأ أعمالهم أكثر من مرة، مثل ويسلاوا سزيمبورسكا، وياروسلاف سيفرت وميغيل أنخيل أستورياس. ومع ذلك، فشلت «نوبل» على مدى عقود في توسيع الدوائر الضيقة للمعجبين بهؤلاء الكتاب العظماء.

وأخيرا، تحتوي قائمة الفائزين على كثير من المفاجآت. ومن وجهة نظري الشخصية، غير المعصومة من الخطأ بكل تأكيد، لا أستطيع أن أرى أي مبرر للنظر إلى أعمال بعض الكتاب من أمثال هارولد بنتر، وجيه إم جي لي كليسيو، ونادين غورديمر، وأورهان باموك، وهيرتا مولر على أنها أعمال أدبية راقية ورائعة، كما أجد صعوبة في النظر إلى أعمال السير ونستون تشرشل، واللورد برتراند رسل على أنها أعمال أدبية من الأساس. وعلى الجانب الأخر، هناك العشرات من الكتاب الذين كان يجب أن يحصلوا على هذه الجائزة مثل إسحق بابل، وجوزيف روث، وستيفان تسفايغ، ولويس فرديناند سيلين، وأرسكين كالدويل، وجون دوس باسوس وعزرا باوند، وغراهام غرين، وريمون كارفر. وعلاوة على ذلك، لا تأخذ تلك الجائزة في الاعتبار الكتاب والشعراء من خارج العالم الغربي، مثل كثير من الكتاب والشعراء العرب والإيرانيين والأتراك المعاصرين.

ومع ذلك، تستمر جائزة نوبل للآداب في تقديم خدمة كبيرة تتمثل في تذكير العالم، ولو لبضعة أيام فقط، بأن الأدب يستحق الاهتمام.