اللبنانيون رواد الـ«ويب دراما» في العالم العربي

«المسلسلات الرقمية» تقليعة المستقبل

TT

من مسلسل «شنكبوت» إلى «بيروت أي لاف يو» ومن ثم «فساتين» و«ممنوع»، سجل اللبنانيون من خلال هذه المسلسلات الإنترنتية الأربع ريادتهم في تدشين عالم جديد أدخلوا إليه المتفرج العربي. ما هي تقنيات هذه المسلسلات؟ وما هي عناصر نجاحها؟ من هم أصحاب هذه الأعمال؟ ولماذا سبقوا غيرهم؟ وأي نجاح سجلوا. تحقيق إلى فن جديد لا يزال يحبو.

شهدت الشبكة العنكبوتية حتى هذه اللحظة ولادة أربعة مسلسلات إنترنتية، هي الأولى عربيا، ويتوقع أن تتبعها مسلسلات أخرى. المسلسل الأول «شنكبوت» من إنتاج «بطوطة فيلمز» بالتعاون مع «بي بي سي» الذي وضعت حلقاته الـ52 على «يوتيوب» بدءا من نهاية عام 2010، حصد مليون ونصف المليون متفرج، رغم رداءة خدمة الإنترنت في كثير من الدول العربية في ذلك الوقت، كما حاز جائزة «إيميه» العالمية. بعده مباشرة ظهر مسلسل آخر عرض تلفزيونيا وإنترنتيا هو «بيروت أي لوف يو» شاهده نصف مليون متفرج على الإنترنت. فريقا المسلسلين عملا معا في المرة الثالثة ليقدما مسلسلا جديدا وضع حديثا على موقع «ياهو - مكتوب» من عشر حلقات هو مسلسل «فساتين»، وهو يروي الحياة اليومية لثلاث نساء لبنانيات يعشن أوضاعا متفاوتة، لكنهن يتقاطعن ويبقين على تماس وتباعد في وقت واحد. مسلسل رابع، ربما لا تنطبق عليه صفة المسلسل بالمعني الفني للكلمة أطلقته مؤسسة «سمير قصير»، كعمل احتجاجي توعوي، حيال ما تفعله أجهزة الرقابة اللبنانية وما تمارسه على الأعمال الفنية، وهو يحمل اسم «ممنوع».

هذه المسلسلات الأربعة التي صودف أنها جميعها لبنانية، ستكون مجرد تمهيد لموجة واسعة من المسلسلات العربية الإنترنتية التي يتوقع أن تغزو الشبكة في السنين القليلة المقبلة، خاصة أن بعض الأعمال الصغيرة بدأت تظهر هنا وهناك.

لكن ما الخلطة التي تجعل من عمل ما مسلسلا إنترنتيا؟ وما العناصر المطلوبة لنجاح مسلسل يعرض على الشبكة العنكبوتية؟

ترفض كاتيا صالح منتجة مسلسلي «شنكبوت» و«فساتين» الحديث عن خلطة أو وصفه. وتقول: «من الطبيعي أن يكون ثمة فرق بين مسلسل تلفزيوني وآخر إنترنتي. فرواد الإنترنت بحاجة إلى أعمال سريعة، موجزة، لا تحتاج تركيزا كبيرا، لذلك يجب أن لا تتعدى الحلقة الواحدة من المسلسل السبع أو العشر دقائق. التلفزيون يحتاج تعبئة للهواء. أحيانا يكون من الضروري تطويل حلقة تلفزيونية لا تحتاج لأكثر من عشرين دقيقة كي يمكن بثها في ساعة كاملة، وهنا يقع العمل في الثرثرة. هذه المشكلة محسومة ومحلولة على الإنترنت، الذي لا يحتمل الإطالة المجانية».

وحين نسألها عن اللقطات القوية التي تشبه اللقطات الدعائية في المسلسلين والجمل القصيرة المختزلة، تجيب بأن «هذين العنصرين توفرا بفضل مهارة فريق العمل الجيد، والإتقان في العمل. وتضيف صالح: «منذ البداية قلنا إن مسلسل الإنترنت لا يعني أن نعمل باستسهال. بالعكس قررنا أن نعمل بمعدات واستعدادات فريق تصوير سينمائي متكامل وبنفس الجودة، سواء من حيث الكاميرات ونوعيتها وعددها أو من حيث عدد التقنيين والفنيين. وهذا أعطى نتائج ممتازة».

التفاعلية أحد العناصر المهمة التي ترافق مسلسلات الإنترنت. والعاملون على هذه المسلسلات يحرصون على أن تكون محرضة للجمهور على الكتابة والتعليق والمشاركة. مسلسل «فساتين» على سبيل المثال لكل حلقة من حلقاته نهايتان يحضرها المتفرج ليختار بينهما، وربما كتب تعليقه أو رأيه شارحا وجهة نظره. لكن الحلقة التي تليها، يعرف المتفرج أن أصحاب العمل اختاروا إحدى النهايتين وبنوا عليها.

كاتيا صالح تشرح لنا أن نهايات حلقات مسلسل «فساتين» تتعلق بقرارات تتخذها نساء في المسلسل، وأريد من هذا إظهار أن المرأة أمام أكثر من خيار واحد. وأنها حين تكون في مأزق، فإن السبل متاحة أمامها لتكون حرة في اختيارها. لهذا فإن المسلسل كان نسائيا ومحرضا للنساء على انتزاع حريتهن.

تتميز المسلسلات الثلاث الأولى بالحس الفني، واللقطة الذكية، والموسيقى المؤثرة والجملة المختزلة. وإن كان فريق «شنكبوت» قد ضم سينمائيين وهواة فإن « بيروت أي لاف يو» هو صنيعة عدد من الشبان لا تتعدى أعمارهم الـ24 عاما، آتون من اختصاصات مختلفة، وليس بينهم سينمائيون أو تلفزيونيون ومتخصصون في المجال، وإنما تابع بعضهم ورشات عمل لتعلم التمثيل قبل أن ينطلقوا بفكرة مسلسل إنترنتي. مارديج تروها جريان أحد هؤلاء الشبان الذين عملوا على كتابة «بيروت أي لاف يو» ومن ثم شارك في كتابة «فساتين»، مهندس معماري، صاحب مطعم ويهوى التمثيل، بعد المسلسل الأول شارك في كتابة «فساتين» ويقول صراحة إنه لا يحب المسلسلات اللبنانية التلفزيونية بأسلوبها المصطنع وروحها الباردة، ولا يتابعها أصلا، كما أن لا خبرة له سابقة بمسلسلات الإنترنت، لكنه شارك في التجربة مع زملائه ووجد متعة في العمل.

نسأل المنتجة كاتيا صالح، كيف إذن يمكن الوصول إلى سيناريو حيوي عفوي جميل. تجيب: «نحن نعمل بشيء من الارتجال. الكتابة تتم باجتماع الفريق وبشراكة الكتاب معا. الديناميكية التي يخلقها وجود فريق العمل هي التي تجعل الحوارات حيوية وحارة. يقدم السيناريو للممثلين، لكننا نطلب منهم أن يكونوا على طبيعتهم، وأن يؤدوا أدوارهم بالطريقة التي تناسبهم».

لماذا يبدو لبنان الأول الذي يدخل عالم الـ«ويب دراما» علما بأن اللغات الأخرى سبقتنا؟ تؤكد صالح أن «التكاليف ليست كبيرة، لكن الأمر يحتاج إلى جرأة وشجاعة الممولين وإيمانهم، بأنهم يدفعون أموالهم في مجال سيعود عليهم بالربح».

متابعو المسلسلات التي ظهرت حتى الآن، لا بد سيلحظون أن لها روحا مختلفة تماما عن روح المسلسلات التلفزيونية. على الإنترنت المتفرج لا يحتمل الخطأ أو الإطالة، هو بحاجة لزبدة يقطفها على السريع. هذا أمر يأخذه أصحاب المسلسلات بعين الاعتبار، الذين هم أنفسهم ينتقدون ما بات يعرف بالفنون الكلاسيكية.

مارديج تروها غريان أحد الكتاب الثلاثة لمسلسل «فساتين» والذين عملوا بإشراف كاتب رابع هو باسم بريش، يرى بأن ميزة فريق العمل أنه لم يقع في «الكليشيهات»، والأفكار السينمائية والتلفزيونية الجاهزة. ويضيف: «كل منا جاء من اختصاص مختلف عن الآخر. لم نكن نفكر بالجمهور ونحن نكتب وإنما بأن نكون ملتصقين بالحياتي واليومي، وأن نكون صادقين قدر الممكن». يقول تروها غريان: «نحن لم نخترع البارود، ولم نأت بتقنيات جديدة على ما أعتقد. كل ما أردناه هو أن نكتب ما نفكر فيه وما نعيشه دون أقنعة أو تزوير».

جمهور الإنترنت حتما مختلف. هو جمهور شاب، قليل الصبر، يريد أن يعرف كل شيء، بسرعة ويقلب بسرعة، لذلك فعلى الوجبة التي تقدم له أن تكون على مستوى انتظاره ورغباته.

شهر ونصف لكتابة الحلقات العشر من مسلسل «فساتين»، ثم عشرة أيام لتمثيلها مع فريق العمل، بتكلفة محدودة. أمر مشجع ليصبح لكل مجموعة من الناس مسلسلها. أمر يوافق عليه مارديج وهو يضحك ويقول: «العالم كله متجه صوب الإنترنت. باتت بعض المؤسسات تسعى لعمل مسلسلات قصيرة وصغيرة بهدف دعائي غير مباشر، تضعه على موقعها. ربما في القريب العاجل نرى مسلسلات لهواة، وتنتشر الظاهرة بشكل واسع. المسلسلات الرقمية الأجنبية باتت كثيرة جدا. ونحن متأخرون عن الركب كالعادة».

يوافق عدد من العاملين في المسلسلات الرقمية على أهمية فسحة الحرية التي يتمتعون بها. نحن أمام مسلسلات «تفلت» من الرقابة المسبقة على النص ومعفية من رخصة العرض، وبالتالي فالعمل يخرج من المونتاج إلى الجمهور مباشرة.

هذا لا يعني أن كل مسلسل رقمي قد كتب له النجاح. فكما لكل نجاح شروطه، لهذه المسلسلات متطلبات صعبة وقد تكون معقدة. هي أعمال بحاجة لترويج كبير كي تنتشر، ولمستوى ممتاز كي تغري بالفرجة، وأن تكون جذابة ليقبل المتفرج على باقي المسلسل دون أن يتوقف عند الحلقة الأولى.

كاتيا صالح تجد أن المسلسلات الرقمية «شجعت على الدخول في مواضيع عميقة وجادة، تفتح نقاشاَ حقيقيا بين جمهور الإنترنت». هي تعرف أن أمهاتنا مثلا لن يحضرن مسلسلات رقمية وليس هذا هو المطلوب، وإنما أن يكون هناك تكامل بين التلفزيون والإنترنت، بدل هذا العداء غير المبرر. تتساءل صالح: «لماذا نجد في الغرب أن المسالك مفتوحة بين ما يحدث على الشبكة وما يقدم على التلفزيون، بينما يشعر أهل التلفزيون عندنا وكأنما يتوجب عليهم حماية أنفسهم من الإنترنت. هذه الحواجز يفترض أن تسقط وأن يذوب الشعور بالمنافسة لصالح التبادل بين الاثنين».