«حبر وورق».. معرض دائم في قلب بيروت بمبادرة فردية

في الغاليري 5 آلاف وثيقة ومئات المخطوطات مع 20 ألف كتاب

إحدى الوثائق المعروضة
TT

يعشق جمع الكتب والمخطوطات ويهوى البحث عنها منذ سنوات، أما الوثائق، فقد بدأ بجمعها منذ عقدين ونيف، حتى بات اليوم يمتلك مجموعة كبيرة وجميلة منها تعود لحقب وحضارات مختلفة؛ عربية وغير عربية.

عشق الوثائق التاريخية، عشقا جاء بعد ملاحظته أن الوثائق بشكلها ومضمونها تقدم إثباتا ملموسا عن تاريخ البلاد وحضارتها، وبعد أن عرف الناس أنه يهوى جمع الوثائق ويدفع ثمنها غاليا، راحت ترده عروضات كثيرة، ليشتري ما يراه ملائما منها.

إنه الأستاذ الجامعي جهاد بنوت الذي أصبح متابعا ملما بالتفاصيل التاريخية المتعلقة بالشعوب التي عاشت في المنطقة.

يقول بنوت في حوار مع «الشرق الأوسط»: «هدفي هو المعرفة، ومقتنياتي تروي فضولي. أعاني منذ سنوات من مرض الشراء الذي لا شفاء منه، وأنا سعيد جدا به حتى بات لدي مجموعة كبيرة من الأوراق والوثائق والكتب القديمة».

ومن داخل معرضه الخاص والدائم الذي يحمل اسم «غاليري حبر وورق» في منطقة البسطة (في العاصمة بيروت) يؤكد المؤرخ بنوت أن التعامل مع هذه الوثائق يتم وفق ثلاثة اتجاهات: الأول أنها تؤمن له مصادر ومراجع للكتابة، وهو كان قد نشر عدة كتب مهمة وقام ويقوم بعدة أبحاث ودراسات تاريخية، وثانيا حرصه على أن يستفيد الآخرون من هذه الوثائق حيث إنه يمتلك نسخا عنها يقدمها بطريقة الإعارة لمن يطلبها، ويشجع الباحثين ويمدهم بالكتب والوثائق بشكل دائم.

أما فكرة بيع بعض هذه الوثائق والكتب فتأتي ثالثا بعد أن يفيض بعضها عن حاجته ولا يكون ضمن اختصاصه، فيفضل بيعها أو استبدال كتب ووثائق أخرى بها، تخدم دراساته التاريخية.

وتعود تسمية معرض بنوت الخاص لشدة اهتمامه بالحبر والورق وما يعنيه الكتاب بكل مضامينه.. فهو يؤمن بأن الإنسان يستطيع أن يبني صداقة ليس مع مضمون الكتاب فحسب، إنما مع طريقة إخراجه وشكله وتاريخه، والرسومات و«التشييك» في أوراقه. ويضيف بنوت شارحا: «لقد أقمت علاقات ودية مع محبي هذا النوع من الهوايات، وكلنا نتعامل مع الورقة بشيء من الحنين والرقة وكم نشعر بالسعادة لدى لمسها خصوصا إن كانت لا تزال خاما، وحروفها نافرة».

مخطوطات بنوت أقل حظا من وثائقه التي باتت تعتبر من أكبر المجموعات، فهي تعود إلى حقب وحضارات مختلفة، ولعل أقدمها تلك التي تعود إلى عام 850م، وأخرى مملوكية تعود إلى عام 850هـ وهي وثيقة مكتوبة في القدس تخص معاملات بين سكان هذه المدينة، تجاورها وثيقة عثمانية تعود إلى القرن العاشر الهجري، أي السادس عشر الميلادي حتى سقوط الإمبراطورية العثمانية، ورابعة من تاريخ الانتداب حتى عهد الاستقلال، إضافة إلى وثائق لشخصيات لعبت دورا في لبنان، ولكتاب لبنانيين وعرب.

واللافت أيضا المخطوطات التي اصفرت أوراقها مع مرور الزمن، التي قام بتنظيمها وفق تواريخها وتسلسلها، تقابلها رفوف امتلأت بالأوراق والوثائق العربية العثمانية، المملوكية، الكنسية، ومنها المتعلق بتاريخ لبنان، وإلى جوارها خزائن خشبية عرفت كيف تحتضن الكتب القديمة والمتنوعة، لعل أبرزها التاريخية والأدبية وبعض الروايات.

وحتى اليوم تخطى عدد كتب بنوت 20 ألف كتاب، ووثائقه خمسة آلاف، فيما بلغت مخطوطاته عددا لا بأس به، لم يتمكن من إحصائه، وهو يسعى إلى زيادته، وفق تعبيره.

ولم يتوقف شغف بنوت عند جمع «التراث المكتوب»؛ فهو يجمع الصور القديمة، ولعل أهمها تلك المتعلقة بالزفاف والمناطق، إضافة إلى البطاقات البريدية التي تعود إلى القرن التاسع عشر. ويقول لنا حول نشاطاته: «شاركت في معارض عدة منها (مهرجان الفنون الإسلامية) الذي أقيم في الشارقة عام 2011 وعرضت خلاله 22 وثيقة عثمانية تغطي أربعة قرون، مما أثار إعجاب الحضور ودهشتهم».

وهذه الوثائق جزء مما يمتلكه من الحقبة العثمانية في بلاد الشام، سواء الصادرة عن الأستانة أو الإدارات المحلية كالدواوين والمحاكم الشرعية في أهم المدن الشامية كالقدس ودمشق الشام وطرابلس الشام وغيرها.

ومما استوقف بنوت في مهرجان الشارقة هو الدعم الذي يتلقاه الفنانون والموهوبون من دولهم بشكل دائم من حيث إقامة المعارض والمساعدة والتشجيع، مبديا أسفه على الرعاية الخجولة والمحدودة في لبنان.

في المقابل، فإن لدى بنوت طريقته الخاصة في كيفية توضيب التراث المكتوب والمحافظة عليه للحيلولة دون تمزق مقتنياته، ويوضح: «أنظم وثائقي على مراحل تبدأ بالشراء، ثم الفرز الأولي، ثم الفرز وفق المضمون، وأقوم بعدها بوضعها في مغلفات أو أوراق شفافة لحفظها قبل تبويبها للتعرف إلى مضمونها».

ويؤكد بنوت استمراره في جمع الوثائق وأرشفتها وتصويرها كي يستفيد منها الآخرون، وأنه سيعمل على زيارة دول عربية ليتسنى لكل العرب أن يشاهدوا مقتنياته.

ويختم بنوت مشيرا إلى حرصه على أن تكون الأوراق التي يشتريها ذات بعد قانوني وأن تكون شرعية، لافتا إلى أنه يشتري ويجمع الأوراق من أصحاب البيوت التي تملك أرشيفا عائليا خاصا، معتبرا أن المسألة تحتاج جهدا كبيرا حيث يقوم بالمحافظة على الوثائق في معرضه الدائم وعلى الكتب في المستودعات.