الكاتبة الإماراتية صالحة غابش: القلق طريقي إلى القصيدة

ترى أن المشهد الثقافي في بلدها متطور وأن للمرأة مكانا كبيرا فيه

صالحة غابش
TT

صالحة غابش، هي مدير عام المكتب الثقافي والإعلامي بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة.. وهي، إلى جانب ذلك، تكتب الشعر، والقصة والرواية والمسرحية والمقالة الصحافية، وناشطة تلفزيونيا أيضا.. ومن أعمالها: «بانتظار الشمس»، و«المرايا ليست هي»، و«الآن عرفت»، و«بمن يا بثين تلوذين»، و«نداء من هناك»، و«الملكة.. المرأة والسلطة».

«الشرق الأوسط»، حاورت الشاعرة صالحة غابش عبر الهاتف من الرياض:

* ما تقييمك للمشهد الثقافي بالإمارات.. في رأيك، أي الأجناس الأدبية طاغية على غيرها في هذا المشهد، وهل من تفسير لذلك؟

- المشهد الثقافي الإماراتي متطور دائما، وهناك اهتمام على أعلى المستويات بتقوية البنية الثقافية للمجتمع مع تعزيزها بالتواصل مع الثقافات الأخرى وتبادل المفردات الإنسانية التي تحققها.. فمعرض كتاب الشارقة، مثلا، مشهود له بالتميز في جذب دور النشر الغربية والعالمية بوجود دعم معنوي ومادي كبير من قبل الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة.. وما يصاحب هذا المعرض من مشاهد ثقافية جميلة، تجعل الحراك الثقافي في حالة انشغال حتى نهاية المعرض بما يتضمنه من فعاليات وبرامج فكرية وفنية إبداعية، يشاركه في ذلك معرض كتاب أبوظبي.. والأمر ينطبق على المسرح الذي يتفاعل بشكل كبير على مستوى إمارات الدولة مع «أيام الشارقة المسرحية»، وهو يحظى برعاية قيادية.. وفي الساحة الثقافية أسماء أدبية في مجالات الشعر والقصة والرواية والمسرح حققت حضورا متميزا في المحفل الأدبي العربي المعاصر.. إلى جانب الملتقيات الشعرية والمسرحية المحلية والعربية والعالمية التي تنظم في أبوظبي ودبي والشارقة والفجيرة، وأخيرا تدخل السينما لتحتل مكانا في المشهد سواء ما ينتج محليا أو عربا وعالميا. إن أكثر ما يميز الساحة الثقافية الإماراتية أنها تحظى برعاية ودعم وحضور القيادات العليا في المناسبات المختلفة التي تطرح الفكر على موائد الحوار حول القضايا الثقافية بصفتها الرابط الأساسي بين البشرية في وقت تحتاج فيه إلى التكاتف أمام التحديات التي تهدد السلام في العالم.

* وماذا عن حضور المرأة الإماراتية في هذا المشهد؟

- تسير جهود المرأة الإماراتية في موازاة التطلعات العامة في الدولة نحو مزيد من التطورات والإنجازات، التي تعكس نتاج العمل القائم على أسس تخطيطية تطويرية، ومساهمة المرأة جزء كبير ومهم في ذلك، فهي موجودة في كل مجال.. وفي الساحة الثقافية لها حضورها الإبداعي والإشرافي المشجع، فهي عضو فعال ومؤثر في الفرق الوطنية التي تمثل المجتمع الإماراتي وثقافته في الداخل والخارج متمثلة التراث الأصيل للإمارات والإماراتيين.. وهي تخطط لبرامج ثقافية تؤطر واقع المجتمع وتعبر عن توجهه في خدمة الفكر الإنساني المعاصر والأصيل.. وهي بصفتها مبدعة ومحاضرة تشارك في التنمية الثقافية والفكرية والإبداعية عبر برامج موجهة لكل قطاعات المجتمع من أطفال وشباب وكبار.. لقد أبدعت المرأة في أشكال عديدة في الآداب والفنون كالقصة القصيرة والشعر الفصيح والشعبي والرواية والتشكيل، وحققت بعض الأسماء حضورا نوعيا في الأوساط الأدبية العربية، وأصبحت مشاركة فاعلة في صنع القرار من خلال وجودها في المجلس الوطني الاتحادي ووصولها إلى مقاعد وزارية.

* تشغلين حاليا منصب مدير عام المكتب الثقافي والإعلامي بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة.. ماذا قدم هذا المجلس لخدمة الثقافة وما خططه المستقبلية؟

- المجلس الأعلى لشؤون الأسرة كما يوحي اسمه، يعتني بقضايا المجتمع والأسرة الإماراتية، خاصة في إمارة الشارقة، ولأن الطابع المهم للإمارة هو الثقافة، فقد دخلت في كثير من الأنشطة الاجتماعية التي تقوم على توعية المجتمع، خاصة الأسرة، بأهم المخاطر التي تواجهها كالتفكك الأسري والانحراف السلوكي، وتعزيز القيم الأسرية الإيجابية، التي تحافظ على كيان الأسرة.

* تكتبين الشعر والقصة والرواية.. أين تجدين نفسك؟

- زمنيا كانت الأسبقية للقصة القصيرة، حيث بدأت بها تجربتي الأدبية.. ثم أخذتني كتابة الشعر إلى منعطفها طويلا حتى أصدرت أربعة دواوين شعرية، ثم شعرت بالحنين إلى السرد القصصي بعد أن تراكمت عندي خبرات واقعية اجتماعية وثقافية أحببت أن أضعها في إطار رواية.. فجاءت رواية «رائحة الزنجبيل».

* كثيرا ما تهتمين بالتاريخ.. ولك قصيدة عبرت من خلالها عن شخصية (بثينة بنت المعتمد بن عباد).. ما سر هذا الاهتمام؟

- حتى الآن لا أعلم بالتحديد سر اهتمامي ببثينة بنت المعتمد، إلا أن قصتها مؤثرة بشكل كبير. تأثرت بالمرأة التي ضاعت عن ذويها وفقدت الأمان وظلمها مجتمع السوق الذي يبيع الإنسان خاصة المرأة. قصتها كانت ملهمة لي لكتابة مسرحية «بثينة»، ومن ثم كتابة العديد من القصائد عنها أصدرتها في ديوان «بمن يا بثين تلوذين».. وربما لأنها شاعرة مغمورة لم يلتفت إليها الأدباء المعاصرون كما التفتوا إلى ولادة بنت المستكفي وسواها.. لقد كانت قصيدتها التي صدرتها الديوان تعج بضجيج امرأة فقدت المعيل والمكانة المرموقة والشعور بالظلم.. ثم انفراج ذلك كله بمحبة حقيقية أعادت إليها إنسانيتها.

* ثمة من يتحدث عن أنك تكتبين عن «أمكنة البراءة» والعزلة والتحرر.. ما تعليقك على ذلك؟ وماذا تعني هذه العبارة تحديدا؟

- هي قراءات نقدية أو انطباعات عن النصوص التي أكتبها، ومعناها يسأل عنه النقاد، ولكنني أعتقد أنهم يعنون بالذات قصيدة «العباءة» التي استوقفت كثيرا من المتابعين حتى إنها تطلب مني في بعض الأمسيات.. ولعلهم وجدوا في ديوان «المرايا ليست هي» أماكن كثيرة عنوانها «البراءة».

* هذا بالإضافة إلى الحزن الذي يشيع في قصائدك؟

- هذا هاجس الشعر عموما، ولولاه لما كان هناك شعر حقيقي.. قلق المشهد وقلق الفكرة وقلق النفس وقلق الكتابة.. إنه القلق الجميل الذي يصل في نهاية الطريق إلى شاطئ اسمه «القصيدة».

* تختلط في تجربتك أنماط الشعر بدءا من شعر العمود، إلى التفعيلة السيابية الغنائية، وصولا إلى قصيدة النثر.. ما فلسفتك في ذلك؟

- تتلخص الإجابة في «تنويع التجربة»، فأنا من عاداتي عدم التوقف عند نمط واحد في الكتابة، لذلك كتبت الشعر والقصة والرواية والمسرحية والمقالة الصحافية والأغنية والمسلسل والبرنامج التلفزيوني. وفي ما يخص الشعر، أحببت أن أفتح عالم تجربتي فيه على كل الأنماط المختلفة له على الرغم من اعتقادي أن القصيدة العربية تفقد أصالتها وأهم ملامح خصوصيتها التي قد لا توجد في قصيدة أخرى عندما تتخلى عن «الأوزان الخليلية» وتندرج تحت ما يسمى «قصيدة النثر».. فبدأت بكتابة القصيدة العمودية وواكبتها التفعيلة، ثم كتبت النثر.

* من شعرها

زاوية

*أهرب إلى زاوية من العالم-

أصحب معي أجمل أشيائي

*كي لا أكون وحيدة-

في تلك الزاوية..

*أشكل منزلا صغيرا-

لا يسع أحدا سواي

*أرتب غرفة للكتابة-

وغرفة لتناول الشاي مع ظلي

*وغرفة أستقبل فيها طيف الصديقات-

وغرفة أستكمل فيها

* نحت أحلامي المنتظرة-

أسترد نفسي من الزاوية..

* كلما ظننت أن-

حلما يتجسد لي

* ويدق بابي-

غريب

* كأنه صوت أغنية-

على باب الشتاء هجرت بلا موقد

* يبيت على وسادة حزنها-

من دون أغطية

* سوى بعض القصاصات التي كانت-

دفاتر تحفظ الموعد

* غريب في مدائننا-

يقال بأنه أسطورة مرت

* قريبا من مساكننا-

كأنه عندليب دائم السفر

* يفتش عن قلوب تشبه الصحراء صامتة-

وما زالت تخاف الليل والأحلام

* تخشى بنبضة المطر-

ملامح تشبه الإنسان

* وفيه يبحث الاثنان عن بعض-

وتتعب منهما الأسفار

* والطرقات-

وكل خرائط الدنيا

* وإن لم يلتق النبضان في نبض-

وإن رفضتهما أنشودة العشق

* ستبقى رحلة العشاق-

ترفض مبدأ الرفضِ