جيروم فيراري.. جائزة غونكور 2012 وجوائز أخرى

أستاذ فلسفة يعمل في أبوظبي ويؤرقه انهيار الغرب

جيروم فيراري
TT

جائزة «غونكور»، أرفع جائزة أدبية فرنسية التي منحت في السابع من الشهر الحالي، للروائي جيروم فيراري، لم تأته سهلة. فالمنافسة كانت حادة بينه وبين باتريك دوفيل صاحب رواية «الطاعون والكوليرا» وكذلك الأديب السويسري جويل ديكر، إضافة إلى ليندا لي. فقد أعلن عن هذه اللائحة القصيرة خلال معرض بيروت الفرنكفوني للكتاب، وجاءت اللجنة لتعطي دفعا للمعرض ليتم بعد ذلك اختيار الفائز فيراري في باريس، وروايته «موعظة عن سقوط روما» الصادرة عن «دار أكت سود». أما اللائحة الطويلة التي سبقتها فضمت 12 اسما.

ورغم أن الجوائز الأدبية البارزة في فرنسا باتت تترافق منذ سنوات بكثير من النقد وتتهم بأنها توزع بركاتها على دور النشر الكبيرة، دون الالتفات إلى ما تصدره الدور المتواضعة من أعمال، فإن فوز «أكت سود» لمرة جديدة لكن عبر الكاتب جيروم فيراري، بدا لكثيرين أنه أعطي هذه المرة لمن يستحق.

فالجائزة ليست الأولى لفيراري، أستاذ الفلسفة وابن الأربعة والأربعين عاما، الذي ارتبطت أعماله الروائية السابقة بنفح تاريخي، كما هو حال الرواية الفائزة، وبأحداث مفصلية. فقد سبق له وأن حصد خلال السنوات القليلة الماضية ثلاث جوائز، بل إن الرجل حاز ما معدله جائزة كل سنة. فعام 2009 حصل على جائزة «لاندرنو» عن كتابه «إله، حيوان» وعام 2010 حصل على جائزتين، الأولى جائزة التلفزيون الروماني الكاثوليكي الفرنسي عن كتابه «أين تركت روحي؟» والثانية هي الجائزة الكبرى لـ«بونستون» عن الكتاب نفسه. وها هو فيراري يحصد غونكور بعد نقاش بين اللجنة لم يكن سهلا قبل أن تحسم الجائزة لصالحة، حيث حصلت روايته «موعظة عن سقوط روما» على خمسة أصوات مقابل أربعة لرواية باتريك دوفيل صاحب «الطاعون والكوليرا» وصوتين لرواية جويل ديكر «الحقيقة حول قضية هاري كيبير». علما بأن رواية فيراري الفائزة كانت قد وصلت إلى نهائيات جائزتين أدبيتين مهمتين وهما «فيمينان» و«إنتراليه».

والرواية الفائزة تدور أحداثها في جزيرة كورسيكا جنوب فرنسا، التي يعرفها الكاتب، المولود في باريس، جيدا وعاش فيها. وهي عن مارسيل أنطونيني، الرجل المسن، الذي يعود إلى الجزيرة ليفاجأ بأن حفيده ماتيو تخلى عن دراسته للفلسفة في السوربون، ليدير حانة هناك مع صديق الطفولة ليبيرو، الذي كان يدرس الفلسفة بدوره.

والحانة التي تبدأ بنجاح باهر يجلب سكان المنطقة كما السياح، سرعان ما تدخلها اللعنة، بتفتق جروح قديمة، وتداخل قصص الغيرة والجنس والفساد في حياة الصديقين، لتذهب بهما وبحانتهما إلى الانهيار.

وعنوان الرواية مستوحى من عظة القديس سانت أوغستين بعد سقوط روما عام 410 حين قال للمؤمنين: «روما سقطت.. لقد أخذت منا.. لكن الأرض والسماء لم يهتزا. العالم كما الإنسان، يعيش.. يكبر.. ثم يفنى». وجيروم فيراري هو أديب وأكاديمي فرنسي من مواليد باريس عام 1968، درس الفلسفة وعمل أستاذا لها. وتلقى جزءا من دروسه في الجزائر، وكتب عن الجزائر في «أين تركت روحي؟»، التي تدور أحداثها في خمسينات القرن الماضي، أثناء الثورة الجزائرية، وتلقي الضوء على هزيمة الفرنسيين في الهند الصينية عام 1058. والأديب يعمل حاليا في مؤسسة تعليمية فرنسية في أبوظبي. لهذا فإن هذه الخلطة الكورسيكية، الجزائرية، الفرنسية مع معرفة وحساسية شديدتين للفكر الكولونيالي، والتعمق في الفلسفة، جعلت من الرواية الفائزة في غونكور هذه العام، والتي أمضى صاحبها في كتابتها وتشذيبها ست سنوات، نصا غنيا عميقا، يستحق الاكتشاف. وحكاية الحانة الكورسيكية في صعودها ومن ثم فسادها وانهيارها هي صورة مجازية لرؤية فيراري لغياب شمس الغرب، وهو يعتبر أنها تغيب تدريجيا لكنها تغيب وستنتهي كما ينتهي كل شيء، دون أن يهز هذا الغياب أرضا أو سماء.