شهرزاد الربيع العربي

فرقة مسرح «متتا» البريطانية تقدم «الليالي» برؤية ثورية

مشهد من المسرحية
TT

هل بمقدور حكاية إنقاذ حياة؟ أو بالأحرى: هل باستطاعتها صناعة التغيير، أو، في الأقل، التحريض الفعال عليه؟

حول هذا المحور، تدور مسرحية (ليال عربية)، التي قدمتها فرقة مسرح (متتا) البريطانية على مسرح «سوهو»، من الثاني والعشرين من الشهر الماضي حتى الأول من هذا الشهر، وهي من إخراج بوبي بيرتون - مورغن.

بدأت المسرحية بهتاف (الشعب يريد إسقاط النظام)، بالعربية، ثم بدأت شهرزاد تروي حكاياتها بعد أن أذن لها الجمهور بذلك.

لكن الحكاية، كما يبدو اليوم، تتجاذب بين محوري طاغية، ورعية لا ترضى أن تكون مظلومة بعد الآن، بين حاكم جائر، وشعوب تثور على أوضاع شاذة دامت طويلا، إنها بوضوح حكاية (لا) كبيرة نقولها الآن في أكثر من بلد عربي، وإذا لم نقلها، توحي لنا بها الحكاية.

تتألف المسرحية من ست حكايات أو فصول، لكتاب (شرق أوسطيين) هم: حسن عبد الرزاق (العراق)، تانيا الخوري (لبنان)، رجا شهادي (فلسطين) شيرين الأنصاري (مصر)، كاتب لم يفصح عن اسمه (إيران)، وغالية القباني (سوريا).

تتنوع الحكايا بين سندباد مهاجر لظروف اقتصادية، ونقده لرموز طارئة متطرفة تدعي التدين، وتنوي الاستفادة من تغييرات في البلد لمصلحتها (أول ما أفعله هو استبدال الدستور بالشريعة الإسلامية، وأفرض على النساء المكوث في بيوتهن)... وبين زوجة ديكتاتور مغرمة باقتناء أحذية عبر الكومبيوتر، لكن حسابها سرعان ما يتوقف بعد التغيير... ثم الجدار العازل في أرض محتلة والعابر المنتظر، الذي يتحكم في مروره جنيان. وبعد ذلك، نرى عرائس نهر النيل في صراع بين السلطان والصياد وأوضاع نساء ما بعد التغيير في مصر... وحكاية سبر خيال الجمهور وأفئدتهم حول تماه مفترض بين الأحلام والثورة... وأخيرا، سيدة دمشقية تبحث عن أطفالها الضائعين، حتى يأتون ويروون حكايتهم الخاصة بأنفسهم...

الحذاء.. لغة أخرى

طوال فترة العرض، استخدم الحذاء كرمز أساسي لا ثانوي، يتوافق مع إحداثيات رافقت اندلاع الثورات العربية، ومع ذهنية العربي وما يعني له موروث «ثقافة الحذاء والقدمين» من قيم وتكوينات دونية. يواجه المشاهد حين الدخول للمسرح صناديق أحذية كثيرة مرتبة، كخلفية لها ضرورتها في إضفاء معنى خاص، يكاد يكون رفضا رمزيا لظلم واستبداد وفساد (هل تقف الجدران أمام إرادة الناس العزل؟). وضمن هذا المنظور، استفادت المخرجة (بوبي بيرتون) ببراعة من الأحذية وصناديقها في مساحة واسعة من العرض، وفي الخصوص كمقاعد، ودمى متحركة تروي الحكايات، وكسلاح لجنود محتلين، وفي مشاهد أخرى، قذف رئيس دولة غازية بحذاء، أو ضرب رأس تمثال لطاغية معروض على شاشة إلكترونية.

وتلجأ المخرجة إلى رموز أخرى تخدم الحكاية كاستخدام عود الثقاب، دلالة على عتمة ينبغي إضاءتها، وعلى فتيل نار لما يحدث اليوم، يشب وربما نرى النور إثره أو يحرقنا. وهي تمزج أيضا كثيرا من الأدوات الإخراجية: شاشة عرض وموسيقى مسجلة وحية أيضا كطبلة وهامونيكا وتراتيل، والأذان بدل صياح الديك عندما يدرك شهرزاد الصباح، والدمى المتحركة، وتكنولوجيا الاتصالات كوسيلة للتواصل ومواصلة التغيير. واستخدمت المخرجة تكنيك الاغتراب المسرحي أيضا، عبر إشراك الجمهور في العرض، وتكليف أحد الحاضرين بدور السلطان عبر مخاطبته والاستئذان منه في إكمال الحكاية، وكذلك جعل بعض المشاهدين يمسكون بأيدي بعضهم البعض، أو إغماض عيونهم وتخيل الحكاية، ودعوة أحدهم لقراءة كتاب، أو للرقص مع الممثلة. وفي مشهد مؤثر، مشهد زوجة الديكتاتور، نرى الممثلة، العراقية دينا الموسوي، تستخدم رجليها بدل يديها في النقر على الشاشة. وقد تميز أداء هذه الممثلة بالبراعة والإجادة في تجسيدها لدور شهرزاد، مع الممثلة الأخرى (ناتالي دوو) والممثل المغربي (لحسن رزوقي). لكن الرؤية الإخراجية لا تخلو من بعض الهنات، ومنها حشو مشاهد متعلقة بقضية فلسطين ومصر عبر حوار طويل ممل، وكذلك كانت النهاية غير موفقة، إذ لجأت المخرجة إلى تسجيل أصوات غير مفهومة لأطفال يأخذون دور والدتهم شهرزاد في القص وإكمال الحكاية.