الكتاب الرقمي يتقدم.. ولكنه مهدد بـ«انشر تؤجر»

المكتبة الرقمية السعودية تتجاوز 200 ألف عنوان

الكتاب الإلكتروني يتقدم لكن الورقي لا يزال صامدا
TT

أمام اتساع تقنيات التواصل الاجتماعي، ووسائل تخزين المعلومات الرقمية، أصبح منتجو الكتب الورقية بحاجة إلى تطوير أدوات بديلة أو موازية تسمح للجيل الشاب، وللباحثين، ولحاملي أجهزة الاتصال الرقمية، بأن يبقوا على اتصال بالإنتاج الفكري والثقافي والإبداعي.

في السعودية، يتحدث مسؤولو مكتبات وكتاب وأدباء عن إمكانية تلاشي الكتاب التقليدي من السوق رويدا رويدا، مدللين على ذلك باختفاء بعض المراجع والمجلات العملية، ما يعني أن الكتاب الأدبي والثقافي والفكري في طريقه ليلحق بها، مشيرين إلى أنه من الصعوبة بمكان الآن التعامل مع المخطوط كما كان يتعامل معه الأجداد.

هنا تحقيق ثقافي تناول واقع وتحديات رقمنة الكتاب والمكتبات في السعودية:

الدكتور فهد بن عبد الله السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، يرى أن الدارة حققت إنجازات كبيرة في مجال الرقمنة المكتبية، والتحول إلى الصيغة الإلكترونية لكل أوعية المعلومات المتوفرة لديها، ما سيؤهلها للانتقال إلى المستوى الدولي في خدمة المعلومة التاريخية بفعل الشبكة العنكبوتية.

وهو يؤكد على ضرورة الإسراع بالتحويل الرقمي لمراكز الوثائق والدراسات حتى يتسنى لها مواكبة متطلبات العصر وتحقيق الخدمة السريعة والواسعة، مؤكدا أهمية الخطوة التي قامت بها الدارة برقمنة جميع محتويات مكتبتها والبالغة خمسين ألف كتاب، واعتبر ذلك سبقا علميا للدارة وريادة مستحقة.

وأوضح السماري أن دارة الملك عبد العزيز أنهت العام الماضي نسخ جميع محتويات مكتبتها نسخة إلكترونية لإعادة تهيئتها للباحثين والباحثات عن بعد، لتكون بذلك أول مكتبة سعودية تنتقل إلى الحالة الإلكترونية، كما أنشأت مركزا للتاريخ السعودي الرقمي يعد الأول من نوعه في السعودية، ومركزا للنظم الجغرافية والتاريخية.

وأكد أن هناك جهودا حثيثة من أطراف عدة، حكومية وغير حكومية، تقوم بتحويل ما هو موجود، سواء في الجامعات السعودية أو المؤسسات التعليمية والثقافية في السعودية، مبينا أن وزارة التعليم العالي ممثلة في الجامعات حولت الرسائل الجامعية إلى النظام الرقمي، وكذلك دارة الملك عبد العزيز قامت بـ«رقمنة» الوثائق التاريخية، بينما رصدت مكتبة الملك فهد «رقمنة» جميع المخطوطات المتاحة في الجامعات السعودية والمؤسسات الثقافية.

وأوضح السماري أن مكتبة الملك فهد العامة رقمنت كل المخطوطات الموجودة في المكتبات السعودية سواء تبع الجامعات أو المكتبات العامة برقم يلامس 100 ألف مخطوطة، وأيضا مكتبة الملك فهد الوطنية التي لديها مشروع رقمنة الرسائل الجامعية المتاح لديها، وأيضا وزارة التعليم العالي ممثلة في المكتبة الرقمية السعودية برقم يلامس 100 ألف رسالة ما بين رسالة داخلية للطلاب المحليين ورصفائهم المبتعثين في المحلقيات بالخارج.

* الطيار: أكثر من 200 ألف عنوان رقمي

* من ناحيته يؤكد الدكتور مساعد الطيار المشرف العام على المكتبة الرقمية السعودية لـ«الشرق الأوسط» أن السعودية تحتل صدارة الدول العربية في رقمنة الكتب والمكتبات. وأضاف: «إن السعودية في هذا المجال تعتبر متقدمة بشكل كبير على مستوى الوطن العربي، ولعل أكبر نموذج بارز في هذا المجال هو المكتبة الرقمية السعودية، التي تعتبر المظلة، وقناة التواصل الإلكترونية الأولى في الجامعات الأهلية والحكومية في السعودية، بجانب الأرشفة الأهلية والحكومية».

وأوضح أن المتاح من الكتب الإلكترونية في المكتبة الرقمية السعودية حاليا يتجاوز 200 ألف عنوان في جميع الجامعات السعودية، مبينا أن المكتبة الرقمية السعودية تعتبر مظلة تقوم بإدارة المصادر الإلكترونية نيابة عن الجامعات السعودية وأيضا جهات أخرى مثل وزارة الدفاع وغيرها من الجهات التي ترغب في هذا التكتل الرقمي المهم جدا، على حد تعبيره.

وعلى مستوى المجلات العلمية فقد تجاوز المرقمن منها، وفقا للطيار، عشرات الآلاف (70 ألف مجلة علمية مرقمنة)، مبينا أن هناك ناشرا واحدا فقط لديه أكثر من 3 ملايين مقال، فضلا عن مئات الناشرين، ما يعني الحديث عن ملايين المعلومات، وهذا برأيه يدخل في ما يسمى بتأمين المصادر وإتاحتها إلكترونيا.

ويوضح الطيار أن هناك جهات سعودية أخذت تتبنى تحويل الكتاب السعودي كشعر وكرواية وثقافة وفكر لإيصاله إلى الآخر، مبينا أن مكتبة الملك عبد العزيز العامة بصدد إطلاق مشروع المكتبة الرقمية العربية. وهو يشير في هذا المجال إلى جهود الدكتور عثمان الخيلي الذي جمع الأدب السعودي من خلال قرابة 30 ألف عنوان.

وقال الطيار: «هناك توجه قوي خلال الأعوام المقبلة ليزيح الكتاب الإلكتروني الكتاب التقليدي ويحل محله، ما يعني ضرورة أن يخطو المنجز الأدبي والثقافي السعودي خطوات نحو الرقمنة، ليتجاوز مشكلات التوزيع في الوطن العربي وخلافه، ليعمل عمل الموسوعة السعودية الشاملة التي تتخطى الحدود، وتكون متاحة رغم ما يتعرضها من مخاطر انتهاك حقوق الملكية الفكرية».

* والقطاع الخاص أيضا

* عبد الرحمن الحميدي المدير التنفيذي لـ«مؤسسة التنمية المعلوماتية» تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن جهود القطاع الخاص السعودي في الرقمنة، فهناك عدد من مؤسسات وشركات القطاع الخاص تعمل على رقمنة أوعية المعلومات، منها شركة «دار المنظومة»، حيث تعتبر شركة رائدة في إنتاج قواعد المعلومات باللغة العربية في ما يتعلق بالمجلات العلمية، وأيضا هناك شركة «المفكرون الجدد» التي دخلت في عالم رقمنة المعلومات والكتب ولها حضور الآن على المستوى المحلي والعربي، مشيرا إلى أنها رقمنت ما يتجاوز 10 آلاف عنوان، في حين رقمنت «دار المنظومة» 800 مجلة بجانب 1500 ندوة ومؤتمر.

غير أن الحميدي أقر بعدد من التحديات التي تواجه السير في اتجاه رقمنة الكتب والمكتبات، منها الحاجة الماسة إلى توحيد المعايير المطبقة والمتوافقة مع الأنظمة العالمية، بالإضافة إلى عدم وجود استراتيجية في هذا المجال تقوم على تقنينه بشكل علمي يحفظ له حقوق كل الأطراف المشتركة في صناعته.

* تحديات.. «انشر تؤجر»

* أما في ما يتعلق بالتحديات التي تواجه رقمنة الكتب والمكتبات، فإن الدكتور مساعد الطيار يلاحظ أن التحدي الماثل حاليا يتعلق بحقوق الملكية الفكرية من طرفين، طرف صاحب الملكية الفكرية وإتاحته سواء كان للناشرين التجاريين أو الجامعات في ما يتعلق بإنتاجها الفكري.

والطرف الآخر هو قضية الاستخدام وسوء الاستخدام الذي يمارسه المستفيد بما يسمى بالقرصنة المعلوماتية، حيث إن هذين العنصرين (وفق الطيار) أهم تحديين يواجهان رقمنة المنتج العربي، ذلك لأن صاحب الحق متخوف من أن يتاح محتوى منتجه بشكل إلكتروني ليأتي المستفيد ويسطو عليه بطريقة أو بأخرى، ومن ثم يستخدم مبدأ «انشر تؤجر» بدعوى نشر العلم.

وشدد على ضرورة سن قوانين رادعة، وإلا سوف يجبن رأس المال في الدخول في مثل هذه المشاريع، مبينا أن اقتصاد المعرفة كان بتوجه حكيم من خادم الحرمين الشريفين، لأنه يعتبر اقتصادا واعدا.

ويلاحظ عبد الرحمن الحميدي المدير التنفيذي لـ«مؤسسة التنمية المعلوماتية» أن من التحديات التي تواجه رقمنة الكتب عدم وجود تنسيق بين الجهات في المشاريع المتشابهة، ما ينتج عنه تكرار العمل وبالتالي يترتب عليه تكبد الكثير من الخسارة المادية والزمنية، مؤكدا أن الحاجة إلى عمل ضوابط للنشر بما يخدم الأعمال الفنية للرقمنة تمثل بعدا آخرا من أبعاد التحديات التي تواجه هذه الصناعة التقنية.