الثورات العربية قصمت ظهر «معرض بيروت للكتاب»

في دورته الـ56.. الناشرون يطالبون بـ«نفض الغبار» عنه

TT

لا يختلف ناشران لبنانيان اليوم، على أن «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» بات يحتاج إلى تغييرات جذريه. هذه مقولة تتردد منذ سنوات، كلما انعقدت دورة جديدة، وبدا أن ثمة شحوبا يخيم على المناسبة، على الرغم من الفرح الغامر الذي يلف المثقفين السعداء بلقاءاتهم وتواقيعهم، وجلساتهم التي تتكرر وتطول حتى تصبح شبه يومية.

المسألة تتجاوز التحلق حول الكتب بما يشبه العيد. الثورات تكشف العورات، وهذا ما حدث العام الحالي. غابت السعودية بجناحها الرسمي الكبير الذي كان يحتل، في العادة، مساحة شاسعة على المدخل الرئيسي واستعيض عنه بجناح صغير، أقامته الملحقية الثقافية التابعة للسفارة السعودية، عرضت فيه منشورات جامعية ودراسات. كذلك لم تشارك دولة الإمارات. وبدا أن الحضور الخليجي ضعيف جدا، نسبة إلى سنوات سابقة، نظرا لأن بعض هذه الدول كانت قد حذرت مواطنيها من زيارة لبنان. في العامين الماضيين بقي تأثير الثورات التونسية والمصرية واليمنية، شبه محدود على الحركة الثقافية في لبنان. الثورة السورية قصمت ظهر المعرض. صحيح أن الدور السورية حضرت بقوة، والمثقفين السوريين كانوا هنا، خاصة أن بعضهم بات مقيما في بيروت وجاء منهم من يحتفي بكتبه أو بأصدقائه، على الرغم من شح الحال المادية وصعوبة الشراء، إلا أن ما يريده الناشرون هو بيع كتبهم. الوضع الأمني، وعوامل أخرى حالت دون حضور بعض أصحاب المكتبات العربية الذين كانوا يأتون للتزود بالكتب، خاصة أن الإصدارات الجديدة تتزامن ومعرض بيروت.

هذه المرة كان العراقيون وبعض الجزائريين يعوضون الغياب العربي. لكن أحد الناشرين يشرح لنا أن الوضع تغير في الجزائر أيضا، إذ أصبحت الدولة لا تمول المكتبات لشراء الكتب إلا بعد التقدم بمناقصة تتم الموافقة عليها، مما جعل الجزائريين أيضا يتريثون في الشراء.

بعد الثورات لم تستعد سوق الكتاب في مصر عافيتها، وكذلك هو الأمر في تونس، وليبيا التي كانت مصدر دخل كبير لبعض الدور اللبنانية، ويجب ألا يستهان بالسوق السورية التي باتت مغلقة تماما حتى أجل غير مسمي. لولا المعارض الخليجية التي صارت المتنفس الوحيد للناشرين، والفرصة التي من خلالها يعوضون خسارتهم، لبدا الأمر مظلما إلى حد كبير.

أصحاب «دار الآداب» وجدوا في معرض بيروت موسما جيدا، بعد الإعلان عن اللائحة الطويلة لجائزة الرواية العربية بوكر التي ضمت ثلاث من رواياتها وهي «ملكوت هذه الأرض» لهدى بركات، «أصابع لوليتا» لواسيني الأعرج، و«سينالكول» للروائي إلياس خوري. «هذه الروايات تباع، كما كل الروايات التي حظيت بنعمة بوكر العربية. والناس فضوليون» بحسب ما يشرح أصحاب الدار «ويريدون أن يكتشفوا الروايات الأفضل». دار أخرى يبدو أنها بعيدة عن الشكوى تقتحم السوق بقوة وتثير حسد الناشرين الآخرين، وهي ليس دارا جديدة بقدر ما هي شراكة نتج عنها منشورات «أنطوان - هاشت» مجموعة من الكتب صدرت لغاية الآن بفضل التعاون بين أنطوان في لبنان ودار النشر الفرنسية الشهيرة. أبرز الثمر هو كتاب أحلامي مستغانمي الجديد «الأسود يلي بك» ليس لأنه كتاب قيم ولكن لأنه أحدث صدمة في المعرض لكثرة عدد المقبلين على التوقيع يوم السبت قبل الماضي، بحيث بقيت مستغانمي توقع كتابها ما يقارب الساعات الخمس، وسط إقبال كثيف لجمهور لم يشهد له معرض بيروت مثيلا باعتراف ناشرين مخضرمين، عاصروا نجومية محمود درويش ونزار قباني في المعرض. البعض يرى أن هذه الشراكة تدخل إلى لبنان أساليب جديدة في التسويق غير معتادة، كما حصل مع كتاب مستغانمي الذي سوق على الإنترنت من خلال مراسلة القراء، وبيعهم الكتاب وإرساله إليهم موقعا وهم في بيوتهم. يتبارى الناشرون في إعطائنا المبلغ الذي دفع لمستغانمي مقابل حصولهم على حقوق كتابها، ففي حين يقول أحدهم 100 ألف دولار، أصر ناشر آخر على أن المبلغ يتجاوز ذلك بكثير، معربا عن أسفه لأن الناشر العربي لا يستطيع الدخول في منافسة مع دار ضخمة بحجم «هاشت»، لكن هذا هو واقع السوق.

في اليوم نفسه كانت الجموع الغفيرة تلتف حول مارسيل خليفه يوقع ألبومه الجديد المكون من أسطوانتين تحية لمحمود درويش، في «دار الفارابي». لا جدال في أن لمارسيل من الشعبية ما ليس لغيره من الموقعين في المعرض. بعض حفلات التوقيع لم تأت بالحشد المطلوب. ويعلق أحد الناشرين، رافضا ذكر اسمه: «منظمو المعرض يعتمدون على حفلات التوقيع التي تجاوز عددها المائة، كي يأتوا بالرواد. لكن هذا لم يعد كافيا. هناك من له عشيرة كبيرة يأتي بها لتشتري كتابه، لكن آخرين ليس لهم هذا السند من العائلة أو الأصدقاء. الوزير غازي العريضي، وهو يوقع كتابه كان هناك ما يشبه المظاهرة، لكن هذا ليس حال كل الكتاب».

النقد لـ«النادي الثقافي العربي»، أي الجهة المنظمة، تصاعد هذه السنة، خاصة أن برنامج النشاطات المصاحب للمعرض، على كثافة مواعيده، لا يقدم شيئا كثيرا من خارج حواضر البيت. هناك مثلا يوم من النشاطات نظمته جريدة «السفير»، وآخر حول عمان والحياة الثقافية فيها نظمته «دار الانتشار العربي» لكن غالبية عناوين الأنشطة ليست مما يجتذب الناس.

«معرض بيروت العربي للكتاب»، ليس في موضع تنافس المعارض العربية الأخرى فقط، بل إن معرض الكتاب الفرنسي السنوي، الذي يسبقه بما يقارب الشهر كل سنة في المكان نفسه أي في «بيال» وسط بيروت، له من الديناميكة والروح الشبابية ما يستحق من المنظمين التساؤل حول سبب وقوع معرض الكتاب العربي في هذا الجمود، على هذا النحو النمطي. الانتقادات كثيرة، لأن الكتاب بات في وضع أصعب ويحتاج من منظمي المعرض أكثر من مجرد مساحة يؤجرونها للناشرين، يكدسون فيها كتبهم. العتب كبير لأن المنظمين لا يعيرون اهتماما للاقتراحات، أو الشكاوى التي توجه إليهم. الاكتفاء بأغنية أن معرض بيروت هو أبو المعارض وشيخها لم يعد كافيا. فبعد الثورات ثمة انقلاب شعبي هائج على الشيوخ. هناك رغبة عارمة بالتجديد في كل شيء. قد لا يكون النادي لوحده قادرا، وهذا منطقي، لذلك ليس عيبا أن يفعّل النادي شراكات، مع جهات كثيرة، ليس من أجل التنظيم فقط ولكن حتى للتفكير والتخطيط وإعادة النظر. النادي الثقافي العربي قدم مشكورا الكثير، وليس خطأ أن يجدد نفسه بالانفتاح على من يرى أنهم قادرون على ضخ روح الشباب في عروقه وعروق معرض بيروت.